بقلم: نبيل شرف الدين
لم تمنع حفاوة المصريين بالعيد اهتمامهم بحدثين، ربما لا يبدو للوهلة الأولى أن هناك رابطاً بينهما، فالأول كان مسرحه عالمياً فى معركة اليونسكو التى خسرها الوزير فاروق حسنى، بينما الآخر كان محلياً تمثَّل فى هجمة غامضة على الزميلة هالة مصطفى بعد استقبالها للسفير الإسرائيلى فى مكتبها بـ»الأهرام».
لا أحمل أى ضغينة لفاروق حسنى، بل على العكس أراه أحد الوزراء القلائل السياسيين ومنحازاً للحداثة بشكل صارم، وليست لى أى مصلحة من أى نوع لدى وزارة الثقافة.
أقول هذا كمقدمة لرؤيتى بأنه كان ينبغى أن يلقى الهزيمة بعيداً عما تلوكه «صحافة القطاع العام» من تبريرات بائسة حول المؤامرات الكونية التى تعرض لها الوزير الذى خاض معركته بطريقة انتخابات المحليات، ولا أفهم كيف خانه ذكاؤه بأن يفكر بشكل كونى مادامت له طموحات فى مناصب دولية، وكيف يقدم نفسه باعتباره «مرشح العرب والمسلمين» لأهم منظمة معنية بالثقافة العالمية، وكيف خرجت من لسانه عبارات عن حرق الكتب، حتى لو كانت إسرائيلية، فليس من مهام المثقف حرق الكتب، بل الرد عليها.
مارس فاروق لعبة المزايدة على المأزومين وتجار الكراهية الذين نجحوا فى استفزازه، فلم يكتف بإنكار وجود كتب إسرائيلية، بل تطوع لإبداء استعداده لحرقها رغم أن خلو المكتبة منها يعد نقصاً فادحاً، لأن تجاهل الآخر ليس حلاً متحضراً لإدارة الصراعات، بل أقرب لخصومة صبيانية ساذجة.
السؤال هو: لماذا لم يتآمر العالم على مناصب أهم مثل سكرتير عام الأمم المتحدة الذى تولاه بطرس غالى، ومدير هيئة الطاقة الذرية الذى يتولاه البرادعى، بينما يتآمر على فاروق الذى تصرف بطريقة «الألعبان»، فيقول فى البرلمان كلاماً، لا يلبث أن يلحسه بعد ذلك، متصوراً أنه يستطيع خداع العالم، وكنت أتصور أن الوزير أذكى من الجهل بحقيقة تاريخية، مفادها أن ذاكرة اليهود الحديدية هى سر بقاء هذا الشعب حياً؟
مرة أخرى كانت إسرائيل حاضرة فى معركة تجرى وقائعها الآن فى مصر، بقرار إحالة هالة مصطفى للتحقيق بتهمة مقابلة سفير، وهى طراز من التهم الخرقاء التى أصبحت مبتذلة لدرجة لا يحتملها العقل، فكيف يمكن مساءلة صحفى على مقابلة دبلوماسى تقيم بلاده علاقات كاملة مع مصر؟
أما «مسمار جحا» المتمثل فى قرارات الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين، فيظهر الأمور كما لو كانت هذه القرارات «بقرة مقدسة» لا يجوز المساس بها، فإذا كنا عدلنا الدستور «أبوالقوانين» فلماذا لا نراجع قرارات صدرت قبل عقود فى ظروف تغيرت جذرياً، وأنا شخصياً كعضو بالنقابة لا أقر استمرار هذا السيف مصلتاً على رقاب الصحفيين بحظر ما يسمى التطبيع مع إسرائيل، ووصم من يجرؤ على مقابلة صحفية مع مسؤول إسرائيلى بتهم الخيانة، فلو صدرت مثل هذه التهم فى «دولة قانون» لكلفت من يطلقها الكثير، لأنه لا ينبغى لغير القضاء أن يوجهها، فالخيانة هى المعادل الموضوعى للتكفير، وإذا كان التكفير حقاً من حقوق الله لم يخول فيه مخلوقاً، فإن الخيانة حق من حقوق الأمة لم تفوض فيه أحداً.
دعنى أتساءل معك عزيزى القارئ، لأنك أهم عندى من «بطاركة الصحافة، وعفاريت البير»: ما المشكلة فى أن يذهب صحفى مصرى إلى إسرائيل أو يلتقى مسؤولاً إسرائيلياً؟
ألم يفعلها صحفيون إسرائيليون حتى مع رئيس دولتنا شخصياً؟
وأخيراً، فهل تعنى زيارة دولة أو مقابلة مسؤوليها الانحياز لسياساتها؟ وألم تكن الخارجية وأجهزة الأمن على علم بالمقابلة؟ وهل تغرد أكبر صحيفة تملكها الدولة خارج السرب؟ وبماذا يمكن أن أرد على الصحفى الإسرائيلى حين يجرى مقابلات مع رئيس بلادى، بينما أعجز حتى عن مقابلة سفير بلاده فى القاهرة؟.. الأسئلة لا تنتهى، لكن ما يجب أن ينتهى هو حالة الفصام والفوبيا التى نمارسها كصناع للرأى العام، لأن مهمة النخبة ليست مداهنة الغوغاء بل هندسة وجدانهم بما يضعنا فى مصاف الأمم المتحضرة.
Nabil@elaph.com
نقلا عن المصري اليوم |