بقلم: د. نجيب جبرائيل
طالعتنا بعض من أصوات الأقباط في مصر الأسبوع الماضي تقول أنها قررت ترشيح نفسها للرئاسة القادمة 2011، ومن تلك الأصوات من يدّعي أنه نائب لرئيس أحد الأحزاب والآخر يقول أنه زعيمًا لحزب تحت التأسيس، والأول يقول أن الحزب الوطنى يدعمه في هذا الترشيح والثاني يقول أنه سوف يفجر مفاجأة كبرى في خلال أيام. ونجحت أجهزة الإعلام في استقطاب هذين الصيدين وكما يقول المثل ياللا نعمل شغل والأمور جاءت على الطبطابة.
وقبل أن أخوض في الموضوع لكي أنتهي إلى نتيجة مؤداها ما جاء بعنوان هذا المقال من أن الحكومة تلعب لعبة خبيثة بفم ضاحك لضرب قضية الأقباط بعد أن علت أصواتهم بالمطالبة بالحدود الدنيا لحقوقهم، أتجرأ وأقول من أعطى للحكومة هذا المعول لضرب الأقباط ليس هذين اللذان أعلنا أنفسهم للترشيح، ولكي أوضح ذلك أثبت الآتي:-
إن الشروط الشكلية التي يتطلبها قانون مباشرة الحقوق السياسية في مصر وجب أن يحصل مرشح الرئاسة على تزكية 5% على الأقل من أعضاء البرلمان -أي ما يقارب خمسون عضوًا- فضلاً عن تزكية مائتي وخمسون عضوًا من أعضاء المحليات، هذا فضلاً عن وجوب انتماء المرشح لأحد الأحزاب السياسية التي مر على تأسيسها مدة لا تقل عن عام، وأن يكون المرشح على الأقل عضوًا في الهيئة العليا للحزب.
فتعالوا معًا نبحث انطباق هذه الشروط على أيًا من المرشحين:
أولاً: المرشح الأول الذي أعلن أنه نائب رئيس حزب معين فقط، أعلن رئيس الحزب علانية أن هذا المرشح لا يشغل منصب رئيس الحزب ولا هو عضوًا في الهيئة العليا للحزب، إنه مجرد أمين للمهنيين وأن الحزب لم يعطية الإذن بالترشيح، بل أن الحزب نفسه قد لا يفكر في خوض انتخابات الرئاسة، فإذًا الشروط الشكلية منتفية تمامًا تجاه هذا المرشح فضلاً عن استحالة الحصول حتى على ما يمثله الأقباط أعضاء البرلمان المعينين وهم لا يتعدوا أصابع اليد الواحدة، بل أن جميعهم ينتمون إلى الحزب الوطني الذي قام بتعيينهم فطبيعي أن يقدموا له فروض الولاء والطاعة.
ثانيًا: أما المرشح الثاني فلا يختلف كثيرًا عن الأول والذي قال أنه زعيم حزب تحت التأسيس، فمن قوله تؤخذ الإجابة إذ لا وجود لهذا الحزب أصلاً من الناحية القانونية، وحتى لو تمت الموافقة على هذا الحزب -ولا نعرف متى سوف تتم- فإن شرط المدة غير متوافر أيضًا ومن ثم فلا حاجة لنا لبحث باقي الشروط.
والغريب في هذا الشأن أنه إذا كان هذين المرشحين يعلمان يقينًا بأن مجرد الشروط الشكلية غير متوافرة البتة فيهما، فلماذا يملآن الدنيا ضجيجًا وصياحًا؟ وبماذا نفسر موقف هذين الشخصين واللذان في كل حال وعلى كل حال محسوبان على الأقباط؟
والغريب أيضًا ما قاله المرشح الأول من أن هناك قيادات بالحزب الوطني والحكومة تدعمه، والمضحك والمثير للسذاجة والذي لا ينطلي على تلميذ في رابعة ابتدائي أنه كيف يدعم الحزب الوطني مرشحًا ينتمى لحزب آخر معارض ليعتلي رئاسة الجمهورية ويترك مرشحه المتمثل في الرئيس مبارك أو ابنه أو أي مرشح من قيادات الوطني؟ ورغم أنني أشك كثيرًا فيما قاله هذا المرشح من أن قيادات الحزب الوطني تدعمه فإن صدقنا هذا القول إما نحن مفرطين مع أنفسنا في السذاجة إلى حد الثمالة أو أن الحزب الوطني على استعداد أن يفقد مصداقيته في سبيل دعم شخص غير متصور له فرصة للنجاح، لأنه لانتفاء الشروط الشكلية لا يمكن أن يدخل حلبة الصراع، إذًا اللغز سوف يكون متمثلاً في عنوان هذا المقال، وأتصور أن سيناريو دعم الحزب الوطني لأي من الشخصين السابقين هو سوف يكون دعمًا صوريًا فقط.
ونأتي لنقطة هامة أنه إذا تصورنا أن هناك مباركة لهذا الترشيح فما دلالة ذلك وتفسيره؟ لأن الأقباط قد نست الحكومة أنهم قد وصلوا إلى سن الرشد وأن فطامهم قد انتهى منذ زمنا طويل وأسوق الأسباب كالآتي:-
1- أنه في الآوانة الأخيرة قد ازدادت حدة نبرة الصوت القبطي في المطالبة بالحقوق المشروعة.
2- مطالبة الأقباط بتخصيص كوتة لهم أسوة بالمرأة وعدم تهميشهم سياسيًا.
3- مطالبة الأقباط بالإفراج فورًا عن القس متاؤوس وهبة لاعتقادهم وعن يقين أن هذه القضية ذات أبعاد دينية، إذ لم يرتكب هذا القس جرمًا جنائيًا.
4- إن الإقباط ما زالوا في نضالهم المدني من أجل تحقيق الحد الأدنى وخاصة في إصدار قانون يسوي بينهم وبين إخوتهم المسلمين في قانون بناء دور العبادة.
5- إن الأقباط ما زالوا يعانون من التهميش والتمييز في الوظائف العليا والحساسة في الدولة.
6- إن الأقباط ما زالوا يعانون من عدم الفصل في قضايا العائدين وما زالت الأمهات المسيحيات تهربن بأولادهن خشية تسليمهم لأبوهم الذي أسلم.
7- إن الأقباط لم يرتكبوا ذنبًا أو جريمة حتى يُعتدى عليهم وتُفصل أجسادهم عن رؤسهم وتُنتهك معتقادتهم وتُهان ديانتهم وتُحرق كنائسهم.
8- إن الحزب الوطني الذي أعلن أمس على لسان أحد وزراءه البارزين -وهو الدكتور مفيد شهاب وزير الدولة للشئون القانونية والبرلمانية- أن هناك حزمة من مشروعات القوانين تقدمت بها الحكومة لكي يناقشها البرلمان في دورته القادمة مثل قانون زراعة ونقل الأعضاء وقانون الإشعاع النووى وقانون الاستخدام السلمي للطاقة النووية وقانون التأمين الصحي والإجتماعي وقانون تعديلات قوانين الأحوال الشخصية، وقد خلت هذه القائمة تمامًا من ثم ذكر للقانون الموحد لبناء دور العبادة، وكما قلت في مقال سابق "وهل الأقباط ما زالوا في ذهن الحكومة؟" حتى يكون القبطيان المرشحان للرئاسة في ذهن الحكومة أو الحزب الوطني لتوصيلهما إلى كرسي الرئاسة بعد أن رفضت الحكومة الحد الأدنى لمطالب الأقباط للوصول لحقوق المواطنة.
إذًا لا بد أيها القارئ الفطن أن تفهم كيف تلعب الحكومة لعبتها الخبيثة في معالجة قضايا الأقباط، وكيف وجدت الحكومة ضالتها المنشودة في هذين المرشحين المفرطان في آمال السراب والخيال حتى تضفي الحكومة نوعًا من المشروعية الزائفة والحماية المزيفة لمطالب الأقباط، وأقول لهذين المرشحين أنكما بما ارتكبت أيدكما جعلتما الحكومة تضلل الرأي العام بأن من يسعى للوصل للقمة فضمنًا يكون قد حصل على المراكز الأقل، فهل نحن حصلنا على الحدود الدنيا من حقوقنا المهضومة والمنتهكة حتى نفخر ونقول أننا سوف نصل إلى كرسي الرئاسة؟ ثم أني أتساءل وبحق أنه عندما يريد الإنسان أن يجتاز امتحان ما لا بد أن يكون له مقومات النجاح أو حتى الحد الأدنى، لكن إذا فقدت تلك المقومات بل إذا كانت مستحيلة أو غير متصورة فهل يمكن أن يجرؤ هذا الشخص على دخول هذا الإمتحان؟ فهل أزعم حتى لو كنت سوبر مان أنني أستطيع أن أقفز من بين عمارتين شاهقتين وأقول فقط أننى لو أصبت سوف تكون هناك إصابات رضوض خفيفة ولكن يكفيني محاولة القفز أو النجاح، كما شارك بعض إخواننا الأقباط عن قصد أو عن عدم قصد أو عن عدم خبرة بإعطاء حقن مخدرة ويقولون لمثل هذين الشخصين أنه يكفيكما شرف المحاولة الخاسرة حتى لو كانت على حساب 18 مليون قبطي مهضومة حقوقهم ومنتقصة مواطنتهم.
هل يمكن لنشطاء الأقباط العظام وهم بالمئات بل بالآلاف، هل يمكن أن يظهر أحد منهم بعد ذلك على أي قناة فضائية أو وسيلة إعلامية ليقول أن الأقباط مضطهدين؟ وأين المساواة بينهم وبين المسلمين؟ فيرد المذيع أو ربما مداخلة من الحزب الوطني لتقول نحن ساعدنا أقباط منكم ليعتلوا منصة الرئاسة فكيف تقولون بأنكم محرمون من وجود رئيس جامعة قبطي أو ضابط في جهاز المخابرات أو أمن الدولة أو أستاذ في أقسام أمراض النسا؟ وعندما نقول أن هذه هي لعبة الحكومة ونتيجة المرشحين معروفة مسبقًا يقولون لنا أنه يكفيكم شرف المحاولة وعليكم أن تستمروا في هذه المحاولة شرط أن تغضوا البصر عن المطالب الأخرى لأن من يملك الأكثر مفترض أنه يملك الأقل.
لعلى بعد هذه المقالة المليئة بالحسرة والمرارة وفي ذات الوقت غير البائسة في الاستمرار في مطالبتنا بحقوقنا المشروعة أقول لهذين الشخصين الصديقين الذين رشحوا أنفسهم للرئاسة "حرام عليكما أن تجهضا قضية نضال وكفاح لأكثر من خمسة عقود من الزمن راح ضحيتها المئات من الشهداء في الكشح وفي ديروط وفي صنبو والمنيا وأسيوط والإسكندرية والعياط وأخيرًا وليس آخر حينما فصلت رأس الشهيد عبده جورجي عن جسده في الباجور.
لا تجهضوا آمال ودموع أم مكلومة وثكلى على أولادها ينفطر قلبها من اختفاء أو خطف ابنتها، ولا تجهضوا أم تجول الشوارع محتضنة طفلها هاربة على هيامها خشية أن يُنزع صغيرها من حضنها بسبب إسلام أبوه.
لا تجهضوا زهرة شبابنا وهم يرصدون أعلى الدرجات وأُحبطت أمامها فرص الوظائف، ولا تجهضوا ما نطالب به من الحد الأدنى من المواطنة وكفالة حرية العقيدة، ولا تجهضوا من تحمل رفع الأحذية على رأسه من نشطاء الأقباط وفي قلب دور المحاكم من المتطرفين لا لشيء يكون قد اقترفه ولكن فقط حينما قال أن التبشير والتنصير ليستا بجريمة".
وأخيرًا أقول لكما ما قاله الكتاب المقدس "ماذا يستفيد الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟. فمن له أذنان للسمع فليسمع".
د. نجيب جبرائيل
رئيس منظمة الاتحاد المصرى لحقوق الانسان
Nag_ilco@hotmail.com |
|
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|