CET 09:23:23 - 25/09/2009

مقالات مختارة

بقلم: نبيل عمر

بجدعنة أولاد البلد‮.. ‬شمر الدكتور سيتي‮ ‬زكي‮ ‬شنودة عن ساعديه وأخذ ورقة وقلما وكتب بلاغا إلي النائب العام من‮ ‬20‮ ‬صفحة فولسكاب،‮ ‬نيابة عن كل المصريين رافعا الحرج عنهم‮!‬
الدكتور شنودة‮ ‬يطالب في‮ ‬بلاغه بمحاكمة‮ ‬11‮ ‬مسئولا في‮ ‬مصر‮: ‬رئيس الوزراء الحالي،‮ ‬رئيس وزراء سابق،‮ ‬رئيس مجلس الشعب وثمانية وزراء،‮ ‬أربعة منهم سابقون‮: ‬الزراعة والري‮ ‬والإسكان والصحة والمالية‮!‬
قد تبدو العريضة المقدمة إلي مكتب النائب العام برقم‮ ‬16820‮ ‬في‮ ‬16‭/‬‮ ‬9‭/‬‮ ‬2009‭ "‬هزلية‮" ‬أو‮ ‬،‮ ‬تشبه دعاوي‮ ‬الحسبة التي‮ ‬يتفنن‮ "‬روادها‮" ‬في‮ ‬تضييق‮ "‬نوافذ الحرية علي المجتمع بدعوي‮ "‬حماية الدين‮"‬،‮ ‬مثلما تضيق الحكومة الخناق علي الحريات السياسية بدعوي حماية الاستقرار،‮ ‬لكن عريضة الدكتور شنودة مختلفة تماما
‬أولا‮: ‬هي‮ ‬ليست دعوي حسبة،‮ ‬فهو صاحب مصلحة مباشرة،‮ ‬ليس هو فحسب بل كل المصريين أصحاب مصلحة مباشرة إلا الذين‮ ‬يستوردون طعامعم وشرابهم‮ ‬يوما بيوم من الخارج،‮ ‬وهؤلاء قلة من كوكب آخر منفصل لا تحسب علينا
ثانيا‮: ‬هي‮ ‬دعوي جادة جدا وضرورية،‮ ‬فالجريمة فعلية‮ "‬أركانها المادية متكاملة‮"‬،‮ ‬المتهمون معروفون بالاسم والصفة،‮ ‬ودليل الجريمة‮ ‬يسهل ضبطه وتحريزه وتقديمه للقضاء حين‮ ‬ينظر الدعوي
والأهم أن الدكتور شنودة‮ ‬يعتبر العريضة رقم‮ ‬16820‮ ‬مجرد‮ "‬بلاغ‮ ‬أول‮"‬،‮ ‬كما ورد في‮ ‬نصها،‮ ‬اي‮ ‬أنه مصر علي مواصلة البلاغات إذا لم‮ ‬يحقق فيها،‮ ‬وتحال إلي المحكمة‮!‬ وموضوع البلاغ‮ ‬هو‮ "‬ري‮ ‬ما‮ ‬يقرب من‮ ‬600‮ ‬ألف فدان في‮ ‬أنحاء البلاد بمياه المجاري‮"‬،‮ ‬وهذه جريمة إبادة منظمة ضد الشعب المصري‮!‬
قد‮ ‬يكون الوصف الأخير فيه قدر من المبالغة التي‮ ‬تفرضها طبيعة الجريمة،‮ ‬لكن هذه المبالغة ليست سببا في‮ ‬أن نترك الدكتور سيتي‮ ‬زكي‮ ‬شنودة وحيدا في‮ ‬مواجهة‮ " ‬الحكومة‮" ‬بكل مستوياتها،‮ ‬وهي‮ ‬بالقطع سوف تدافع عن رجالها دفاعا مستميتا،‮ ‬ولن ترضي عن هذه الدعوي بأي‮ ‬شكل من الأشكال،‮ ‬لأنها دعوي‮ "‬واحد من الناس"ضد السلطة،‮ ‬والسلطة في‮ ‬بلادنا لا ترتاح إلي هذا النوع من الدعاوي،‮ ‬فهي‮ "‬تفتح‮" ‬عيون المواطنين علي حقوق لا‮ ‬يعرفونها،‮ ‬و"أفعال‮" ‬هي‮ ‬بعيدة تماما عن أذهانهم،‮ ‬ويخافون من مجرد عبورها علي‮ "‬بالهم‮" ‬في‮ ‬لحظة صفاء وتساؤل‮: ‬هو حالنا في‮ ‬مصر ليه مايل بالشكل ده؟‮!.. ومن هو المسئول بالضبط؟‮!‬
وقد لا‮ ‬يحصل الناس علي إجابات عن هذه التساؤلات الكبري،‮ ‬لكن علي الأقل الناس مسئولة عن الدفاع عن انفسهم،‮ ‬عن صحتهم،‮ ‬عن مصالحهم المباشرة،‮ ‬وأبسط هذه المصالح أن‮ "‬يأكلوا‮" ‬طعاما‮ ‬غير ملوث عمدا‮!‬
ومن هنا لا‮ ‬يجوز ان تكون دعوي الدكتور شنودة فردية،‮ ‬فإذا تطوع هو وتقدم الصفوف،‮ ‬فالعريضة ليست من نوع‮ "‬فرض الكفاية‮"‬،‮ ‬وإنما هي‮ ‬فرض عين،‮ ‬يجب أن‮ ‬يكون كل واحد منا طرفا فيها،‮ ‬لنحاسب من ارتكبوا جريمة ري‮ ‬أرضنا بمياه المجاري،‮ ‬فهذه جريمة لا تسقط بالتقادم،‮ ‬ولا بالتوقف عنها،‮ ‬صحيح أن الحكومة قررت أن تسن تشريعا‮ ‬يجرم هذا الفعل‮ "‬الجنائي‮"‬،‮ ‬لكن هذا لا‮ ‬يكفي،‮ ‬فالعقاب ضرورة،‮ ‬حتي تعمل الحكومة حسابا للناس،‮ ‬وأنها‮ "‬تدير‮" ‬شعبا له إرادة‮..‬
وقد لا‮ ‬يستطيع كل أهل مصر أن‮ ‬ينضموا للدعوي،‮ ‬فمن الناحية العملية قد‮ ‬يكون الأمر صعبا للغاية،‮ ‬والبديل هو تأسيس لجنة من الشخصيات البارزة في‮ ‬المجتمع،‮ ‬المهمومة بما‮ ‬يجري‮ ‬فيه،‮ ‬وتحلم بإنقاذه من الحال المائل الذي‮ ‬هو عليها،‮ ‬وتخاطب مجلس نقابة المحامين بما لهذه النقابة من تاريخ عريق في‮ ‬الدفاع عن القضايا الوطنية ومصالح الشعب،‮ ‬ثم ترفع دعوي قضائية مباشرة ضد كل من تثبت الأوراق والمستندات والوثائق وشهادة الشهود وبعضها منشور في‮ ‬الصحف أنه ضالع في‮ ‬الجريمة بشكل فعال أو مشارك فيها بقبولها أو السكوت عليها وهو‮ ‬يعلم كل العلم‮ "‬بحجم‮" ‬الأضرار البالغة التي‮ ‬تسببها سواء لصحة الناس أو الأرض الزراعية او البيئة،‮ ‬وبعدها تعلن عن فتح الباب لكل مصري‮ ‬يريد أن‮ "‬يعمل‮" ‬توكيلا لها في‮ ‬القضية لتمثلهم أمام هيئة المحكمة،‮ ‬خاصة أن مصر هي‮ ‬الدولة الوحيدة في‮ ‬العالم التي‮ ‬تسمح بمرور مياه الصرف الصحي‮ ‬المختلط بالصرف الصناعي‮ ‬في‮ ‬شبكات مكشوفة تخترق المجتمعات العمرانية والزراعية‮.‬
وهذه قضية حياة أو موت،‮ ‬فعدد ضحايا الجريمة علي مدي‮ ‬أكثر من عشرين عاما قد‮ ‬يرتفع إلي ملايين عاشوا علي‮ "‬طعام مسموم‮"‬،‮ ‬لا‮ ‬يفلح تخزينه في‮ ‬درجات حرارة منخفضة جدا أو‮ ‬غسله أو طهوه بالغلي‮ ‬في‮ ‬تقليل سميته الخفية أو المختفية عن العين وحاسة الشم،‮ ‬إذ لا‮ ‬يمكن لأي إنسان تمييز الثمار المروية بالصرف الصحي عن‮ ‬غيرها،‮ ‬فشكلها لا‮ ‬يتغير ولا طعمها،‮ ‬بل العكس‮ ‬يحدث،‮ ‬لأن هذه المياه الملوثة بها مواد وفضلات عضوية،‮ ‬صحيح هي‮ ‬شديدة الضرر،‮ ‬لكنها في‮ ‬نفس الوقت تجعل الثمار أكبر حجما وربما أزهي‮ ‬لونا،‮ ‬كما أن هذه المياه تسمح بتوغل الديدان داخل أنسجة الثمار،‮ ‬وهو ما‮ ‬يفسر لنا اكتشاف بعض الديدان داخل الثمار المغلقة،‮ ‬مثل البطيخ‮.‬
وهذه السموم لها ألف وجه قبيح،‮ ‬فهي‮ ‬تؤثر علي مستوي التركيز والذكاء والاستيعاب،‮ ‬ومع نظام تعليمي‮ ‬سيئ للغاية،‮ ‬ينتهي‮ ‬الأمر حتميا إلي تبلد العقول وتخلفها خاصة عند الأطفال‮!‬
أما وجود نسبة عالية من العناصر الثقيلة،‮ ‬خاصة الكادميوم والرصاص والنحاس والألومنيوم فهي‮ ‬تضرب أجهزة الجسم بشراسة وقسوة،‮ ‬فيصاب الإنسان بالفشل الكلوي والكبدي وضعف المناعة والسرطان‮.‬
فكيف لا نرفع دعوي ونحاكم كل من أجرم في‮ ‬حق الناس،‮ ‬خاصة أن كارثة الري‮ ‬بمياه المجاري‮ ‬لن تنتهي‮ ‬سريعا،‮ ‬بالرغم من التصريحات الرسمية،‮ ‬فأين ستذهب هذه المياه ونحن لا نملك محطات معالجة لمياه الصرف كافية؟‮! ‬
وكما قلت من قبل في‮ ‬مقال‮ "‬مطلوب محاكمة هؤلاء فورا‮" ‬المنشورهنا قبل أسبوعين،‮ ‬قد تكون هذه الدعوي هي‮ ‬سبيلنا إلي الإصلاح الذي‮ ‬ننشده ولا نعرف كيفية الوصول إليه،‮ ‬هي‮ ‬تجميع الإدارة الشعبية في‮ ‬قضية عامة بعيدا عن الألاعيب السياسية والتنظيمات الباحثة عن السلطة والجماعات الساعية إلي امتيازات‮..‬
فهل نملك الشجاعة أم ماتت قلوبنا؟‮!‬

نقلا عن جريدة الوفد

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ١ تعليق

خيارات

فهرس القسم
اطبع الصفحة
ارسل لصديق
اضف للمفضلة

جديد الموقع