بقلم: د. صبري فوزي جوهرة
كثرت التعليقات والمقالات التي تناولت ترشيح السيد فاروق حسني لذاته لمنصب المدير العام لمنظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة, ثم فشله في الحصول على هذا المنصب. لا أدّعي أننى أعرف الكثير عن الرجل سوى ما هو معلوم للجميع عنه, ولعله –كشخص- أصلح فعلاً لهذا المنصب ممن فازت به.
تطرقت إلى ذهني بعض الخواطر التي تتعلق بهذا الأمر, أرجو أن يتسع صدر القارئ لها:
1- لا شك.. شعرت كمصري ببعض الإحباط لفشل مرشح من بلادي في الفوز بالمنصب، رغمًا عن اعتقادي بأنني متفهم لأسباب الإخفاق واقتناعي بوجاهة بعضها إن لم تكن جميعها.
2- يقول المثل العامي "لسانك حصانك إن صنته صانك"وكان من أسباب فشل فاروق حسني التي أجمع على الإشارة إليها الكثيرون -بل لعلها السبب الأول لهذا الإخفاق- ما أعلنه في مجلس الشعب المصري ذات يوم من استعداده لحرق "الكتب اليهودية"!
زلة لسان اعتذر الرجل عنها بعد الترشيح, وليس حتى عند ارتكابها, وعزاها إلى الانفعال خلال المناقشة والجدل في المجلس.
وهنا يجدر بنا أن نتذكر الحقيقتين التاليتين:
(أ) أن الكلمة الصادرة من الفم لها وقع أبدي خاصة وإن كانت قاسية ظالمة، فقد تنسى الكلمات اللطيفة الرقيقة الطيبة أما المؤذي منها فلها حياة مديدة خاصة بها, من المحال محوها من الذاكرة،وهي بذلك مثل "معجون الأسنان" يصعب بل يستحيل إعادته للأنبوب بعد خروجه منه.
(ب) على الإنسان الواثق في سلامة موقفه أو معتقده ألا يستسلم لمناورات واستفزازات السفهاء والجهلة من المعارضين فتضعف قدرته على السيطرة على الذات وهي أقصى مراتب القوة (ماذا يفيد الإنسان لو ربح العالم وخسر نفسه؟)، ويبدو منه ما قد يكون مخالفًا لما يضمر من مبادئ ونوايا.
و قد وقع فاروق حسني في هذين المحظورين.
3- صرح حسني قبل إجراء الاقتراع بأيام بما معناه أنه مصر على عدم التراجع عن الترشيح بالرغم من ضراوة المنافسة على المنصب لأنه يمثل العرب, وقد حان الوقت -في نظره- أن يتبوأ عربي هذا الموقع. وكان في هذا التصريح مسامير عديدة في نعش اختياره للمنصب:
(أ) نسي أو تناسى أنه سيمثل في منصبه المرتقب الأمم المتحدة بأسرها, يعني البشرية المتحضرة بأكملها وليس الجامعة العربية. وبذلك يتحتم عليه أن يتحلى باقصى درجات الانفتاح والموضوعية ومعرفة الآخر والحرص على العمل لتحقيق صالح البشرية العام وليس مراعاة ومفاضلة أبناء قبيلته على الآخرين كما أوحى تصريحه في هذا الشأن.
(ب) ليست هناك أمة أو جماعة من الشعوب فشلت في إحتضان الثقافة والعلم والفنون بل وحاربتها ووأدتها مثل شعوب العرب الذين أهانوا معتقدات الآخرين وأسكتوا صوت العقل وأخضعوه لمشيئة جماعات فرغت جماجمها تمامًا من محتواها الطبيعي, وإن أصر البعض على وصفهم "بعلماء" (مش فاهم في إيه) ولكن بيقولوا دين! حدث كل هذا خلال تبوء فاروق حسني منصب وزير الثقافة في مصر.
(ج) كان من تداعيات التصريح العروبي أن أفاق العالم لاحتمال الوقوع في خطأ جسيم, وبصرف النظر عن "فكاهية" معتقدات "أمة العرب" واستحالته أن يقتنع بها إنسان عاقل, فطنوا إلى خطورة ما قد يجلبه مدير لليونسكو لابس عقال وييجي الشغل ممتطيًا ظهر ناقة.
قال الفرنجة -جازاهم الله على خبث أفكارهم ونياتهم- بلاش نسيب العرب "يديروا" اليونسكو كمان. فطبخوا المؤامرات الواحدة تلو الأخرى حتى جاؤا بالسيدة البلغارية كبديل.
ليت العرب يتفهمون مغزى وتفرعات ما حدث: العالم يخشاكم ليس لقوتكم بل لضعفكم ونرجسيتكم وللشرور التي تجلبونها على أنفسكم وعلى الآخرين. لا تنتظروا الإصلاح من الخارج بل انظروا إلى دواخلكم واجروا الجراحات اللازمة لتبرأوا فيكون لكم مكانا بين العالمين.
|