للكاتب الإسلامي المعاصر شروطه ومواصفاته وأمامه ميدان واسع من المواضيع المتشعبة التي يمكنه أن يكتب فيها بدءاً من شرح كيفية الاغتسال وحتى الإفتاء في الكيمياء والفيزياء والجيولوجيا. فلا ضوابط علمية ولا منهج يحكم الأمور فعندنا يمكن لأي إنسان أن يقول أي شىء ويجد له أنصاراً ومؤيدين حتى ولو كان مكانه الطبيعي هو مصحة الأمراض العقلية. والكتابة في أي من هذه المواضيع تعود عليه بالنفع العميم وتدر له دخلاً يزداد كلما ازداد تشبثاً بهذه المواصفات والشروط .
فما هي هذه الشروط؟
أولاً: أن يكون مسلماً وهذه بديهية طبعاً فلا يسمح لغير المسلم بالكتابة في الإسلاميات وإن فعل أصبح عرضة لتهم العمالة والتخوين والاستقواء بالغرب والحصول على أموال مشبوهة، أما إذا كان أجنبياً فسيوصف بالمستشرق المغرض الذي لا هم له ليل نهار إلا الطعن في الإسلام وتشكيك المؤمنين في عقيدتهم.
ثانياً: أن يكون إسلامياً أي أن ينضوي فكرياً أو تنظيمياً تحت لواء جماعة أو مؤسسة من تلك التي تخلط بين الدين والسياسة ولا تفصل بين الدين والدولة وتريد تأسيس دولة دينية إسلامية. فبهذا سيحصل على دعمها الإعلامي وربما المادي أيضاً وقد تفتح أمامه أبواب الانتشار في الفضائيات وما يرتبط بذلك من خير وفير.
ثالثاً: أن يقيم كتابته على الماضي التاريخي ولكن دون أي منهج نقدي بل دون أي منهج على الإطلاق، والهدف هو ترديد نفس العبارات المكررة عن السلف الصالح والفتوحات لا الغزوات مع التشجيع على الاقتضاء بهم في كل شىء وأي شىء حتى في الملبس والمأكل ونمط الحياة، مع التطرق إلى الروايات التي تتحدث عن زهدهم في الحياة ومحبتهم لبعضهم والابتعاد عن الروايات التي تتحدث عن عدد المحظيات التي كانت لديهم والروايات التي تحصي ثرواتهم والروايات التي تروي أخبار تقاتلهم.
رابعاً: أن يؤمن بالشىء ونقيضه على الدوام كأن يجل عبد الله بن مسعود كما يجل الخليفة عثمان بن عفان ويعتقد أن كلاً منهما كان صحابياً جليلاً له دوره في نشر الإسلام مع علمه بالخلاف الذي حدث بينهما عند جمع القرآن وأن عثمان بن عفان أمر بأن يضرب عبد الله بن مسعود حتى كسرت ضلوعه، ولكن لا ينبغي أن يثير ذلك أي تساؤل لديه ولا ينبغي أن يرى فيه أي تناقض، ومثل الخلاف بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان فعليه دائماً أن يجل علياً باعتبار مكانته بين كبار الصحابة كما عليه أن يجل معاوية باعتباره أحد كتبة الوحي وأول خليفة أموي. وذلك دون أن يرى أي تناقض بين هذه الأفعال وإذا اضطره سوء حظه فعليه أن يبحث عن مبررات تعتمد على العاطفة والعبارات اللغوية الفضفاضة، وإذا دعا الأمر فعليه أن يحذر من يثير هذه القضايا بالويل والثبور وأن يخيفه بسيف التكفير كي يلزم حده.
خامساً: أن يغمز من قناة أصحاب الديانات الأخرى إما صراحة وإما تلميحاً مع الادعاء دائماً بأنه يؤمن بجميع الديانات السماوية ورسلها ولكن باعتبار أنه أعلم بهذه الديانات من أهلها حيث إنه يعرف أنهم حادوا عن أصلها السماوي وابتدعوا فيها البدع وضلوا عن سواء السبيل. ولا بأس من أن يشير إلى قضية فلسطين ويبدأ في الندب والنوح كي يخلط الأوراق ويثير عاطفة القارىء فيترك فيه التأثير الذي يريده.
سادساً: الهجوم على العلمانيين باعتبار أن لديه الدليل على خيانتهم وسوء دخيلتهم وأغراضهم التي يعرفها أكثر منهم، وهنا عليه أن ينبه إلى أنهم أخطر من العدو المحارب لأنهم بعيشون في دار الإسلام كطابور خامس ويكيدون له المكائد، ولاضير هنا من سب الشيوعيين أيضا حتى لو كانوا أوشكوا على الانقراض فترديد هذه الأدبيات يجعله يبدو في نظر جمهوره غيورا ًعلى الدين ومطلعاً على جميع أصناف الكفار الذين لا هم لهم إلا إطفاء نور الله.
سابعاً: السخرية على أن يسبقها بوصف من يخالفونه في الرأي بالجهل والغباء فيكتسب بهذا الثقة التي يفتقدها هو أصلاً في نفسه ويوحي لقرائه، وهم من محدودي الثقافة والتعليم غالباُ، بأنه علامة جهبذ ملء السمع والبصر وهم صم بكم عمي لا يفقهون. ولابد له هنا من بعض عبارات الاعتداد بنفسه والإيحاء بأنه يمتلك دائماً الحقيقة المطلقة.
ثامناً: دغدغة مشاعر العوام وذلك باختيار موضوعات تلفت اهتمامهم كالإفتاء في الشؤون الجنسية مثلاً أو الكتابة في الإعجاز العلمي في القرآن والحديث. فهو هكذا سيبدو لهم إما قريباً من مشاكلهم ويمتلك حلولها ولديه ردود على جميع تساؤلاتهم وإما سيبدو لهم عالماً لا يضاهيه أحد من أولئك الكفار المغرضين.
تاسعاً: يجب ألا يتورط في إدانة الإرهابيين فذلك قد يغلق الأبواب التي فتحت أمامه فيخسر بهذا الكثير والكثير، لذا عليه أن يناور في الرد إذا أوقعه سوء حظه أمام سؤال من هذا القبيل والمخرج له هو أن يقول إن الإرهاب "مكروه" ( لاحظ الدلالة الفقهية لكلمة مكروه) ثم يقول إن الأهم هو البحث عن أسباب الإرهاب ويتطرق إلى الحالة في فلسطين والعراق وأفغانستان وما إلى ذلك.
عاشراً: إذا فُتحت أمامه أبواب الظهور في الفضائيات فأمامه خياران أولهما أن يرتدي الزي التقليدي للمشايخ فيكتسب بذلك الإجلال بحكم غرابة الزي الذي يرتديه عن زي العوام ويرسم على وجهه التجهم فيكتسب مهابة أخرى وعليه إذا فعل ذلك أن يتشدد في آرائه ويتقعر في كلامه فهذا سيجمع حوله جمهوراً معيناً.
أما الخيار الثاني فهو أن يرتدي البدلة العادية مثله مثل بقية البشر العاديين، وهنا عليه أن يرسم الابتسامة على وجهه وأن يتبسط في الحديث ويكون متساهلاً في آرائه ولا بأس أيضاً من استخدام الدعابة فكل هذا سيجمع حوله جمهوراً معيناً ايضاً وأغلب الظن أن جمهوره سيكون من الشباب.
yasseryounes@hotmail.com
*نقلاً عن الحوار المتمدن
|