بقلم: أدولف موسى
كما ذكرت في مقالتي السابقة إن ارتقاء وحرية أي مجتمع لا تستطيع أن تحدث إلا عن طريق الاستقلال والاستقرار الاقتصادي، وهذا يعني القدرة على إشباع من يسكن فيه دون الحاجة لمساعدة خارجية ليس بقدر هذا المجتمع دفع ثمنها أي استطاعة المجتمع إشباع نفسه بعدم الحاجة إلى الشحاتة. فلنسرد سويًا بعض الأفكار الأخرى التي تمكننا على الأقل للوصول لفهم بعض النقاط الهامة التي تكمل ما ذكرته في المقالة السابقة.
إن ميزانية أي دوله تأتي في المرتبة الأولى من الضرائب التي تفرض على كل مَن يعمل عملاً بها يحقق منه ربحًا لأن الدولة لها حق في جزء من هذا الربح لكي تغطي به مستحقات مسار الخدمات لجميع من يسكنها، بمعنى إن كل ما تأخذه الدولة من ضرائب لابد أن يكون لخدمة ساكنيها.
لابد أيضًا أن يكون هناك مسئولاً للتصرف في هذا الدخل ويسمى عامة بوزير الخزانة –أرجو من القارئ أن لا يضحك على ما سوف أقوله الآن- وهو إن أول شرط من الشروط التي لابد أن تتوافر في هذا وزير الخزانة أن يكون لديه الضمير الكافي بوضع الهدف الأول والأخير في التصرف في هذه الحصيلة المؤتمن عليها هو التصرف فيها للمصلحة العامة التي تخدم مَن أمْنّوه عليها. عادةً كل من يدفع ضرائب يكون له الحق في معرفة أين ذهبت هذه المدفوعات ومن حقه أيضًا محاسبة الأمين عليها.
إننا لو ذهبنا مع التاريخ الحديث في رحله لنتعلم من ما حدث في الحقبات الأخيرة لحركة وتيارات المسارات الاقتصادية المتنوعة فيها، لوجدنا أهمها هم تيارين. التيار الشيوعي والتيار الرأسمالي.
1- التيار الشيوعي: إن فكرة الشيوعية ليست كما يظنها البعض أنها فكرة دينية بل هي فكرة اقتصادية محضة. عندما جاءت فكرة الشيوعية كانت فكرة قائمة على مرارة أناس فقدوا الأمل للوصول لفرصة عادلة للوصول إلى حقوقهم وسط قليل منهم من الذين كانوا يتحكمون في الأغلبية العظمى لموارد هذه البلاد.
إن هذا التيار قد جاء عن طريق السخط والحقد ونفذ تطبيقه عن طريق التدمير والتخريب الذي أسموه بعد ذلك بالثورة ضد الرأسمالية المتطرفة، لقد كانت الموضة في هذا الزمان إن كل من قام بحركة تخريبية همجيه اسماها بالثورة.
إن فكرة هذا المبدأ الشيوعي لم تكن في حد ذاتها رديئة رغم إنني لست من مؤيديها على الإطلاق ولكن لو سمحنا لأنفسنا مجازًا أن ندَّعي أن هذا التيار كان عادلاً وكان أيضًا لابد منه فلابد لنا أيضًا أن نحاسب مُطَبقي هذا التيار على كيفية التطبيق التي تبعوها.
لقد كانت وسيلة التطبيق الأساسية هي وسيلة الدكتاتورية الغبية والعقيمة التي تُخرب أكثر من أن تُصلح والتي لم تسمح بأي نوع من أنواع الحوار أو على الأقل سمع آراء أخرى تساعد على اختيار الطريق الأصلح لتطبيق هذا الطريق الجديد وقتها، طريق فرض الوصاية على عقليه من كان تحت لواء هؤلاء المرضى نفسيًا بدء بالصرع في الانتقام.
إن فكرة الشيوعية لم تكن فكرة حمقاء بهذه الدرجة، لكن من قضى عليها هم الذين أرادوا تطبيقها بالطريقة التي طبقت بها عندما استطاعت المجتمعات التي كانت تعاني تحت غباء هذه الشيوعية وإصرارها على التخلص منها قد أرادت في الواقع التخلص من الدكتاتورية التي كانوا يعانون منها وليست الشيوعية كمبدأ لأنهم حتى النهاية كبقية العالم أيضًا لم يستطيع أحدًا تطبيق المبدأ الشيوعي الذي تم ابتكاره من كارل ماركس الألماني كما أراد.
إن مبدأ الشيوعية قد اثبت فشله لوجود عنصرين أساسين فيه: هدم الطموح الإنساني في المجتمع الذي يطبقه، وتطبيق هذا الفكر بالقوة.
بهذا تم الحكم على عدم صلاحية هذا الفكر. لا ننسى أيضًا الشيء غير معلوم الهوية التي ابتكره بعض من المتشنجين وأسموه بالاشتراكية! لم أجد في حياتي كلها مبدأ سياسي أو كما يدّعون اقتصادي متشنج أكثر من هذا الهبل الذي لقبوه بالاشتراكية.
2- التيار الرأسمالي: إن هذا التيار هو من أخطر وأبشع التيارات اللا إنسانية التي شاهدها البشر. في بعض المناهج يسمونه أيضًا عن حق بالبلدوزر لكي يصمد الإنسان ويستطيع أن ينجح فيه لابد أن ينجح أولاً في إقناع نفسه أنه ليس إنسانًا ذو قيمة بل أنه يسير في تيار يمكنه أن ينهى عليه في لحظة واحدة إن زلّت قدمه مرة واحدة في شيئًا ما في لحظة ما.
إن خطر حدوث مرض نفسي لا يمكن علاجه لمن تزل قدمه ولو مرة واحده لشيء عادي في التيار الرأسمالي. فقط لا غير رأس المال هو المتحكم الأساسي في مسيرة هذا التيار، فعندما تأتي شركة ما وتستغنى عن عدد من العاملين فيها تجد أن أسهمها قد ارتفعت في البورصة!
من الغريب أيضًا أنه كلما ارتفع عدد العاملين الذين استُغْنى عنهم وبُدلوا بالروبرتر –أي الإنسان الآلي- كلما ارتفعت سعر أسهم هذه الشركة في البورصة أكثر!
لكن لكي نفهم ما هي خطورة الاستغناء عن العاملين البشر وإحلال الروبوتر مكانهم لابد أن نعلم ما هو هدف أي مُنتَج تنتجه أي شركه إنتاجية؟ الهدف الأساسي لابد أن يكون هو بيع هذا المنتج للحصول على مكسب، لكن لكي يستطيع أحدًا شراء هذا المنتج لابد له بالحصول على المال الكافي لدفع ثمنه لكي يحصل على المال لابد أن يكون له عمل يربح منه. إذا استغنت شركات الإنتاج عن عُمالها فمن يفيد هذا المنتج إن لم يجد من له قدرة على شرائه؟
إن انهيار النظام الرأسمالي الذي هز الاقتصاد العالمي بل والعالم كله والذي بدأ في سنة 2008 ولم ينتهي إلى الآن لم يكن مفاجئة لمن درس الاقتصاد، لقد كان أهم العناصر الإجرامية التي تسببت في هذا الانهيار هم ما يسمونهم الـ (managers). لكن من هم هؤلاء الـ (managers)؟ أنهم فئة من الناس الذين كانوا واجبهم الأساسي هي قيادة الشركات والمصانع المختلفة لصالح الجميع، هؤلاء قد نسوا هدفهم الأساسي وتخصصوا في لعبة حقيرة سُميت بكيفية الوصول لأكبر ربح يمكن الوصول إليه مهما كان الثمن لأن كل ما كان يهمهم هو الحصول على ما يسمونه بالنسبة المتفق عليها في عقد العمل وهي نسبة الاشتراك في الربح. إن هذه النسبة من حق أي من هؤلاء حتى وإن كان الربح على الورق أو في الميزانية المطروحة على الورق فقط، لذلك تابع الكثير منهم لعبة اللعب في الميزانية وعند اكتشاف هذا يعطي له عقد العمل الذي يضمن له حقوقه مهما حدث حق اخذ المبلغ المتفق عليه عند ترك العمل –هذا المسمى تعويض يمكن أن يصل لأعداد من الملايين من الدولارات التي لا يستطيع تصورها عقل إنسان عادي- يترك بعدها السفينة الغرقا لتذهب إلى الجحيم بعد أن خلص عليها قبطانها. بلا شك أن أيضًا الرأسمالية المتوحشة قد أثبتت الفشل الذريع.
الحل؟ لابد من إقامة نظام جديد يكون فيه التجارب السابقة أهم مصدر لمعرفة السلبيات التي لابد نتفاداها. ربما تأتي لي الفرصة مرة في مقال أن أسرد بعض مقترحات الحلول.
نعود للسؤال المطروح في رأس المقالة: كيف يمكن الوصول للاستقرار الاقتصادي في مصر؟ إنني قد طرحت في هذه المقالة عوامل التأثير على طريقه البحث ومعطياته. لو جاوبت على هذا السؤال بأمانة لغضب مني كل الناس لأنني عندما أريد أن أجد حلاً لابد أن يكون خاضع للأمانة العلمية فقط وليس من حق أي مؤثر عاطفي أن يؤثر فيه، لذا سوف اترك الجواب على هذا السؤال في المقالة الثالثة والأخيرة. |
|
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|