بقلم: هاني دانيال
أعتقد أن خسارة فاروق حسني لمنصب مدير عام اليونسكو ليست نهاية المطاف، خاصةً إذا وضعنا في الحسبان المعركة التي خاضها حسني وسط مجموعة من المرشحين الأكفاء، كما أن معظمهم يتمتع بعلاقات قوية مع مندوبي الدول الأعضاء في اليونسكو بالإضافة إلى أن الحملة الانتخابية للمرشحين تعكس مدى اهتمامهم بالمنصب ومدى استعدادهم لخوض منافسة مثل هذه وما هي المفاجآت التي يمكن أن يتعرضوا لها.
ما حدث إبان ترشيح فاروق حسني لمنصب مدير عام اليونسكو يؤكد أن الحملة التي صاحبت ترشيحه لم تكن على المستوى المأمول لأن انتخاب مثل هذه المناصب يخضع للعديد من الحسابات، والأمر لا يتعلق برغبة واختيار مندوب الدول العضو في اللجنة التنفيذية لليونسكو خاصة وأن مصر لها تجارب عديدة في الترشيح لمثل هذه المناصب كما أنها خاضت الكثير من الاختبارات كان أكثرها قسوة هو "صفر". المونديال والذي لم يكن متوقعًا على الإطلاق حتى أن أكثر المتشائمين لم يكن يتوقع حصول مصر على الصفر في منافسة مع جنوب أفريقيا والمغرب.
من البداية كان من المتعارف عليه أن فاروق حسني سيواجه منافسة شرسة مع مرشحي عدة دول وأن هناك تحالفات ستظهر ضده، وكان أكثرها ظهورًا هو الضغط اليهودي من أجل إسقاط فاروق حسني ثم الضغط الأمريكي ثم التكتل الأوربي، وهو ما يؤكد أن الدخول في منافسة على منصب مثل هذا يتطلب الحرفية الشديدة في التعامل مع مثل هذا المعترك، وبالتالي إذا لم تكن لمصر القدرة على إدارة مثل هذه الحملات فإنه من الأفضل لها أن لا تخوض مثل هذه المغامرات غير المحسوبة وحتى حينما أعلنت صحف إسرائيلية أن الرئيس مبارك طلب من نتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي وقف الحملات المعارضة لحسني توقفت معظمها بالفعل ولكن لم تحصل مصر على دعم إسرائيلي!
كان لي فرصة متابعة ملف مصر للحصول على طلب استضافة كأس العالم لكرة القدم 2010 وهي الحملة التي استمرت عامين خلال 2003 – 2004 وتكللت بالفشل الرهيب نظرًا لأننا تعاملنا مع الحدث وكأننا نخوض حملة لتنظيم دورة رمضانية أو بطولة محلية، وخاطبنا العالم من خلال هرم ورقي فشلنا في بنائه وخاطبنا المواطنين البسطاء ولم نخاطب أصحاب الـ 24 صوت باللجنة التنفيذية بالاتحاد الدولي والذين لهم حق اختيار الدول المنظمة.
وتعرفت على بعض الصحفيين من عدة دول أوربية وقدموا لي بعض المعلومات المهمة حول هذا الموضوع، ولا أخفي سرًا إنني قدمت هذه المعلومات لشخصية مهمة كانت تدير ملف مصر ولكن للآسف تعاملت هذه الشخصية مع المعلومات باستخفاف شديد وقدم لي أحد أشهر الصحفيين الانجليز معلومات مهمة قبل نشرها في كتاب أعدّه هذا الصحفي ضد رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم "جوزيف بلاتر"، ومع ذلك لم يتم التعامل مع هذه المعلومات بأدنى أهمية ومرت الأيام وتحققت نبوءة هذا الصحفي وغيره وذهب ملف الترشيح لجنوب أفريقيا بعد منافسة قوية مع المغرب، في الوقت الذي لم تحصل فيه مصر على أي صوت!
وعلى الرغم من أن السيرة الذاتية للمرشحين على منصب مدير عام اليونسكو ليست بالسيرة التي يمكن أن تقنع أي عضو في اللجنة التنفيذية باليونسكو إلا أن معظم المرشحين وخاصة من أوربا لديهم سجل حافل مع الدبلوماسية الخارجية وهو ما مكنهم من التقاط خيوط المنافسة والوصول بأقرب الطرق إلى مندوبي الدول الأعضاء، ويكفي أن نشير إلى أن المنافس الأول لفاروق حسني البلغارية "بوكوفا" كانت مرشحة لمنصب نائب رئيس بلغاريا وكان لها دور مهم في انضمام بلدها لحلف الأطلسي، وما أدراك ما هو هذا الحلف!
الموضوع إذًا لا يتعلق بالعواطف ولا يصح أن نحصره في خندق المؤامرة وإنما الموضوع برمته ينحصر في إطار الحشد والعلاقات الدولية،ويتعلق بأدوات الضغط التي تملكها كل دولة لديها مرشح، وما حدود هذه الأدوات، والسيناريو المتوقع للعملية الانتخابية وخاصة التي تتم على مراحل، وبالتالي حشد أدوات الضغط والخروج بمفاجآت حتى لا ترتبط النتيجة برغبات المندوبين أو ميولهم بالقدر الذي يمكن أن تتدخل فيه الدول ورؤساء وحكومات الدول لأن منصب مثل هذا لا يجب أن يخضع لرغبة مندوب وإنما موقف دولة، والكل كان يعلم الموقف الأمريكي في هذه الحملة وموقفه المناهض لترشيح حسني، وبالطبع هذا الموقف ليس غافلاً عن أوباما، ومثلما قالت مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأسبق للولايات المتحدة إبان فترة ترشيح بطرس غالي لمنصب سكرتير عام الأمم المتحدة لفترة ثانية وبعد محاولات معها قالت أنا موافقة على بطرس غالي ولكن لدى تصريح من حكومتي لانتخاب مرشح آخر!
هذا يفسر ما حدث ويقدم لنا العديد من التساؤلات التي بحاجة إلى الإجابة عليها حتى نستفيد منها في أي معركة مقبلة إذا كانت لدينا الجرأة والشجاعة في خوضها من الأساس، خاصة وأن المثل المصري يقول "التكرار يعلم الشطار" وبالتالي لا يمكن أن نكرر أخطاءنا ونعلقها على شماعات الآخرين!
نريد أن نعرف ما دور رئاسة الجمهورية في حملة حسني؟ وهل هذا هو حجم الدبلوماسية المصرية في الخارج؟ وما هي أدوات الضغط المصرية في حملة حسني؟ وكيف تم مخاطبة الدول الأعضاء ومندوبيها؟ ومن هم الذين شاركوا في حملة حسني؟ وما مؤهلاتهم لهذه الحملة؟ ومن كان يدير الحملة؟ ومن كان يضع السيناريوهات؟ ومن كان يؤمن عملية حصد الأصوات؟ ومن كان يدعم كل صوت يحصل عليه حسني حتى لا يذهب للمنافسين؟
إنها تساؤلات حان وقت معرفة إجابتها حتى يمكننا الحكم على حملة حسني، خاصة وإنه من غير المعقول أن يقبل المجتمع الدولي مرشح من دولة يرفض معظم المثقفين وفئات عديدة منه ترشيحه لهذا المنصب وكأنه مرشح لم يقنع أهله بشيء فكيف يقنع الغرباء؟!
أعتقد أنه من المهم تقييم حملة حسني والوقوف عندها كثيرًا قبل أن نفكر في استمراره كوزير للثقافة أو البحث عن بديل له! |
|
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|