بقلم: فوزية سلامة |
يقال إن الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى. لكن ماذا عن السعادة؟ هل يشعر السعيد بأنه سعيد؟ هل ينظر الناس إلى السعيد فيرون صولجان السعادة بيده؟ سئل الدالاي لاما يوماً عن لحظات السعادة القصوى في حياة الإنسان فقال، إنها المرحلة التي يبلغ فيها الفرد التحرر الكامل من الصراع والألم، وأنها حالة لها علاقة وثيقة بالعقل والقلب لا بالمتع الحسية. فالمتعة الحسية غير ثابتة يمكن أن يشعر بها الإنسان يوما، ثم تزول في اليوم الذي يليه. لذلك يجب التمييز بين المتعة والسعادة. وقد يبدو هذا الأمر بسيطاً وواضحاً، ولا لبس فيه وهو أن يختار الإنسان ما يسعده على المدى الطويل ولا يختار ما يمنحه متعة مؤقتة تزول بزوال المؤثر. لكن هيهات؛ فالتجربة الإنسانية أثبتت على مر العصور أن الاختيار السليم هو أصعب اختبار لمعدن الإنسان. والدليل على ذلك أن تاريخ الفكر يشهد بأن المسألة لم تحسم بعد بين الفلاسفة وعلماء النفس. ففي القرن الثالث قبل الميلاد أرسى ابيقور قاعدة لمنظومته الأخلاقية على أساس أن المتعة هي البداية والغاية من الحياة السعيدة. لكنه لم يتوقف بل قال، انه ينبغي أن ينهل الإنسان من المتعة باعتدال وإلا تحولت النعمة إلى نقمة. وفي بداية القرن التاسع عشر أحيا سيجموند فرويد أهمية المتعة كقوة دافعة للسلوك الإنساني وعرف العصاب بأنه حالة يسببها كبح الدوافع الإنسانية لإشباع الغرائز. وفي القرن العشرين قال الباحثون إن المسألة ميكانيكية ولها علاقة بمراكز في المخ تنشط بفعل مؤثرات كهروالكترونية. من لم يسمع بابيقور ولم يقرأ اسم فرويد ولم تستهوه تعقيدات الأبحاث ليس بحاجة إلى الفلسفة وعلم النفس ليدرك بأن المتعة متعة نعرفها حين نجربها ونشعر بها. ومنها البسيط كالهروب من قيظ الصيف إلى بيت مكيف الهواء. وهناك المتع المحرمة التي لا يقبلها مجتمع ولا شرع ولا دين، ومع ذلك يقبل عليها الناس باندفاع عجيب. عاودتني تلك الأفكار في احد أيام الصوم. فقد غلبني النوم ذات ليلة ولم تسنح لي فرصة لتناول وجبة السحور. وفي نهار اليوم التالي جلس على كتفي شيطان رجيم يغريني بعذوبة كوب الماء ورائحة فنجان القهوة ويشير إلى تقلصات المعدة من الجوع وإلى إمكانية تعويض يوم الصيام في وقت آخر لو أنني أفطرت. عبثا حاولت إسكات الصوت وبلغ توتري الذروة وأنا أراقب عقارب الساعة، وأتصور أنها لا تتحرك مطلقا، وقد تبقى من زمن الصوم ثماني ساعات كاملة. فجأة حسمت الأمر وقررت أن اخلد إلى النوم. وبعد ساعات أفقت وقمت للصلاة فإذا بشيطاني يهمس لي بأنه من الأفضل لي أن اهبط إلى الطابق الأسفل لتفقد أحوال البيت قبل الصلاة بحيث يمكنني تأديتها فيما بعد. وبالفعل هممت بالنزول لكني في اللحظة الأخيرة عدت وتوضأت وصليت الفرض. وقنع شيطاني من غينمته بالإياب لأن همسه انقطع بعدها إلى أن حان وقت الإفطار. يومها شعرت بسعادة غامرة متصلة قربتني من ذاتي المحبة للخير والسكون، وهي سعادة لا يمكن تقنينها ولا يمكن وصفها إلا من خلال إحساس غير منطوق بأنك أقوى من رغبة تحقق لك متعة فورية. أقنعتني تلك التجربة البسيطة بأن الخطوة الأولى نحو حياة أفضل هي إدراك الفرق بين المتعة والسعادة. نقلا عن الشرق الأوسط |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت | عدد التعليقات: ٠ تعليق |