بقلم: أدولف موسى
إن الاستقرار السياسي في أي مجتمع لا يمكن الوصول إليه إلا عن طريق الاستقرار الإقتصادى أولاً. إذا أردت أن لا يتحكم أحدًا في قراراتك كمجتمع حر ومستقل لا بد أولاً أن تكون قادرًا على الوقوف على قدميك بدون الحاجة إلى مساعدة ليس لك القدرة على دفع ثمنها. لو قبلت على نفسك مد اليد وقبول الحسنة فلا بد أولاً أن تكون مؤهلاً لقبول الشروط الذي من حق من يساعدك فرضها عليك وإلا حُجبت عنك هذه المساعدة.
من أخيب وأبشع ما سمعت من شعارات لدينا في الشرق وبالذات في مصر هو المنطق المردد من طبقة ما غبية ومغيبة تعيش في قوقعة الوهم التي رسموها لأنفسهم ولا يفهمون معناها هو شعار "نحن الأعلون".
تعالوا بنا لنحاول فهم هذا المنطق بلغة العصر الحديث. ماذا يعطي أي إنسان الحق أن يدّعي على نفسه هذا الشعار الخائب؟ الأعلون معناها أنه أعلى من آخرين. ولكن مِن مَن؟ ومَن يعطيه الحق بأن يطلق على نفسه هذا الشعار؟ إن هذا الشعار لا يستعمله في عصرنا هذا إلا من هو يعاني كثيرًا من مرض النقص في الشخصية. إن أردت أن تستعمل هذا اللفظ، فالأعلون هم ما لديهم قوة التحكم في النفس وفي الآخرين وهي القوة الإقتصادية.
من أهم الأشياء التي لا بد أن نَعْلمها لكي نضع أقدامنا على بداية طريق إيجاد الحل هي الإجابة أولاً على أهم سؤال في طريقنا لمعرفة سبب ومكان الداء الذي يشل الشعب المصري عن ايجاد الدواء السليم، والسؤال هو: كيف تحكم على قدرة والمستوى الفكري لأي مجتمع؟ الإجابة بسيطة.. عن طريق من يوصل له الفكر. إنهم مفكري هذا المجتمع، لكن من هم مفكري المجتمع المصري مثلاً؟ إنهم هؤلاء الذين يُستضافون عن طريق الإعلام ويُطلب منهم الاستشارة والإفتاء التي يمكن بها التأثير على من يريد أن يعلم ويتعلم، من يريد أن يعلم ويتعلم في هذه الحالة هم هؤلاء المستمعون من فئة من لا تريد أن نقرأ في كتب ذات أيديوجيات ومناهج فكرية متعددة، بل تفضِل فقط السماع لفكر واحد، لأن الشرق باختلافه عن الغرب يفضل دائمًا الرأي الواحد لأنه لا يستطيع الاستيعاب لأكثر منه. إن الشرق يفضل دائمًا الفكر سهل الاستيعاب والذي لا يتطلب أي مجهود لفهمه. إنه يفضل دائمًا الفكر المتخلف، يفضل الشرق دائمًا فكرة المُسَلمات حتى لا يحتار في القرار.
لنعود إلى سؤالنا الأول: ماذا نستطيع أن نعمل في بلد مثل مصر لنبدأ الخطوة الأولى في طريق الاستقرار السياسي؟ إننى إن أردت طرح وجهات نظر مختلفه لا بد لي التأكد من عدم إدخال أي عنصر من عناصر أي عقيدة دينية بها، لأنه من متطلبات إيجاد الحلول الأساسية الأولى هي وجوب إيجاد الحيادية المطلقة. إنني شخصيًا أتكلم فقط في واقع سياسي وهذا ليس له شأن بأي عقيدة دينية -التي لا تهمني على الإطلاق في مجال السياسة-. فلنسرد بعض الأفكار ونحاول بعد ذلك تحليلها:
1- تعديل الدستور المصري الشامل والابتداء بالإلغاء المادة الثانيه به، لا بد للدستور تثبيت حيادته التامة من أي فكر أو عقيده تتعلق بأي تيار ديني مهما كان هذا الفكر. إنه من المستحيل جمع السياسة والدين تحت سقف واحد. الدين يهدف إلى مبادئ إنسانيه وهذه المبادئ لا تتغير، أما السياسه فهى متقلبات لا بد أن يكون لها قدرة التغير مع مسار واحتياجات العصر والمجتمعات مختلفة الهوية وطرق الحياة لديهم.
2- إيقاف السماح للإعلام بالدخول في المناقشات والفتاوى الدينية الهدامة التي تحرض على العنصرية وإهدار حقوق الآخرين الذين لا يتماشوا مع أيديولوجياتهم. هذا يتم غالبًا عن طريق جهل من يفتي ولا يعلم أنه يسفك سمًا يسمم به المجتمع ككل حتى اتباعه. إن كل فكر من أفكار أي متحدث من المتحدثين الجهلة لا يثمر عنه إلا البلبلة وإهانة آخرين، حتى إن كان هذا الفكر الآخر لا يمت لأي عقيده دينية بصلة. بهذا نثبت للعالم أجمع مدى حماقة الشعب المصري وعدم فهمه لما يحدث. إننا بهذا نقول لكل من يسمعنا أننا لم نفهم إلى الآن ما يحدث حولنا لأننا لا نملك العقل الكافي لهذا الفهم.
3- إيقاف السماح لأي رجل أن يتزوج بأكثر من امرأة واحدة، كفاية أطفال لا نستطيع أن نطعمهم أو نعطيهم مأوى، كيف يقول البعض أنه يريد أن يكثر عدد الشعب الإسلامي بهذه الطريقه؟ انظر إلى أطفال الشوارع في مصر، هل هذه الصورة التى تريد أن ترى بها شعب الإسلام؟ لماذا تُثقل على الحكومه همًا فوق هم والخاسر هم كل الناس؟
4- تحديد النسل، وهذا لا يأتي إلا بقطع لسان كل مفتي يفتي بأن هذا شرعًا إلهيًا لا بد من اتباعه.
5- إصلاح كثير من المناطق الخالية على نفقة الدولة وطرحها بالمجان لحق الاستعمال فقط وليس حق الامتلاك لشركات ومصانع أجنيه طوال الفترة التي يستفيد منها الشعب والاقتصاد المصري. إن جْلب التكنولوجيا الحديثه للبلاد عن طريق هذه الشركات والمصانع لاستعمالها للإنتاج في مصر هو من أهم مقومات تقدم البلاد، على أن يكون من أهم أهداف هذه المصانع والشركات ليس فقط إشباع الأسواق المحليه فقط بل للتصدير أيضًا، لدخول رأس مال جديد إلى مصر عن طريق الإنتاج المحلي. لا بد أيضا من إيجاد شروط محددة وصارمة لا تسمح للمستثمر التحكم في مصير البلاد عن طريق الضغط الإقتصادي، بل شروط سوية هدفها الأساسي المنفعة المتبادلة.
6- إيقاف الفتاوى وكل من لا يفهم في شئ لا يُعْطى الحق في التحدث في ما لا يفهمه، كفانا من هذه الفتاوى التي تأتي عن جهل وعن طريق جهله لم يستطيعوا حتى الآن فهم ما هو ضار وما هو نافع لمجتمعاتهم أو حتى لتابعيهم. كفانا تخلف لأن مجتمعاتنا ليس فيها أي شيء أكثر من هذا التخلف.
إن الاستقرار السياسي لأي مجتمع لا يحدث عن طريق البلبلة الفكرية أو الفتاوى الحمقاء التي أدمنها الشعب المصرى، إذا أرادت مصر الاستقرار السياسي لا بد أن تصل إلى الاستقرار الإقتصادي ولا بد أن نتعلم كيف نتحكم في أنفسنا للمصلحة العامة. إن ما فعله السادات فيما أسماه بالإنفتاح الإقتصادي كان جريمة عظمى، لقد سمح السادات بخروج رأس المال من مصر دون إيجاد أي طريق لدخول ما يعوض ما خرج. إن أهم شيء يسند رخاء البلاد هو مقدار رأس المال الداخل عن طريق الإنتاج المحلي وليس رأس المال الخارج عن طريق الاستيراد. |
|
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|