الوطني الغيور مكرم عبيد ابن سعد البار (المقالة الاولي)
بقلم: لطيف شاكر
«خطيب يؤثر بالعاطفة كالموسيقى، صديق مخلص، عدو جبار، ملاك في صداقته، شيطان في خصومته» د. محجوب ثابت الأديب في وصف مكرم عبيد
«اسمع يابني.. أنا مكرم عبيد، ولدت وفدياً، وعشت وفدياً، وسأموت وفدياً» رده على أحد الضباط الذي هتف «كلنا هيئة التحرير» في الاحتفال بذكرى وفاة سعد زغلول في 23 أغسطس 1953 بميدان باب الحديد، وكانت قيادة الثورة تحاول أن ينضم الجميع إلى التنظيم الواحد بعد حل كل الأحزاب باستثناء الإخوان المسلمين.
مكرم عبيد بعيون المستعمر البريطاني..
بالسفارة البريطانية بالقاهرة الملف رقم 27 بإسم وليم مكرم عبيد سكرتير حزب الوفد يقول: "قبطي من مواليد 1889. نال الشهادة الابتدائية وعمره 11 سنة، التحق بالكلية الأمريكية باسيوط ثم استكمل تعليمه في اكسفورد بين عامي 1905 و1908 حيث نال أجازته في القانون. حصل عام 1912 على درجة الدكتوراه في القانون وعاد إلى مصر.
التحق عام 1913 بوظيفة سكرتير الجريدة الرسمية بوزارة الحقانية، ووضع مذكرة في أعقاب إضراب الموظفين عام 1919، قدمها إلى المستشار القضائي الإنجليزي يقترح فيها تحالفاً بين إنجلترا ومصر. عين عام 1919 أستاذاً بمدرسة الحقوق، غير أنه فُصل من الوظيفة في أغسطس عام 1921 بعد إحالته إلى مجلس تأديب بتهمة الإشتراك في إقامة مأدبة لزغلول باشا. أرسله سعد زغلول إلى لندن للدعاية أثناء مفاوضات عدلي يكن رئيس الوزراء. استقبل استقبالاً شعبياً لدى عودته، وكان زغلول نفسه على رأس مستقبليه لدى وصوله إلى محطة مصر.
نُفي مع سعد زغلول إلى جزيرة سيشل، وعاد إلى مصر في يونيو 1923، وفاز في الانتخابات التي حدثت في السنة نفسها عن دائرة قنا بالتزكية.
اصطحبه زغلول في رحلته إلى لندن عام 1924 أثناء المفاوضات مع ماكدونالدز، واعتقل في 27 نوفمير عام 1924 بتهمة التحريض على اغتيال السردار. نجح في دائرتين في انتخابات عام 1926، وانتخب سكرتيراً للوفد في اكتوبر عام 1927.
تزوج في نوفمبر 1923 من السيدة عايدة ابنة مرقص حنا باشا. عنيف ومتطرف في عدائه للبريطانيين، ويعرف بين الزغلوليين بإسم ابن سعد.
حركاته المسرحية وفصاحته اللغوية تعطيه تأثيراً كبيراً على الطلاب والجماهير. تولى وزارة المواصلات في وزارة النحاس في مارس 1928. قام بحملة ناجحة ضد محمد محمود باشا في إنجلترا، واستقبل استقبالاً حافلاً بعد عودته في سبتمبر 1929.
تولى وزارة المالية في وزارة النحاس التي تألفت في يناير 1930، وفي يوليو وسبتمبر من نفس السنة سافر إلى لندن للدعاية ضد وزارة صدقي. أصبح وزيراً للمالية في وزارة النحاس في مايو 1936 وحصل على لقب الباشوية.
كان عضواً في وفد المفاوضات المصري للمعاهدة. كان صديقاً لصيقاً للنحاس مما أكسبه تأييداً كبيراً في الوزارة وفي الوفد.
ابن سعد البار..
يقول د. مصطفى الفقي في كتابه «الأقباط»: «وقد أصبح الأقباط وثيقي الصلة بسعد زغلول وأظهروا دوماً ولاءهم وإخلاصهم لزعماته، وعندما واجه الانشقاق الأول في الحزب في يونيو 1921، ظل معظمهم إلى جانبه مؤيدين خطه الوطني المتشدد من أجل الاستقلال الكامل، وقد التف حول سعد زغلول أثناء خلافه مع عدلي يكن ثلاثة من الأقباط هم: واصف غالي، وسينوس حنا، وويصا واصف.»
وكان مكرم عبيد بين الشباب القبطي المحيطين بسعد زغلول، وقد أعجب سعد زغلول بذكاء مكرم عبيد، وثقافته وتأثيره القوي وسحر شخصيته لدى الجماهير، إلى جانب كفاءته كمتحدث وكاتب ممتاز باللغة الإنجليزية في ذلك الوقت، لذلك فقد قدر لمكرم عبيد أن يكون مبعوث سعد زغلول إلى لندن في أكثر من مناسبة ليقدم الاحتجاجات ضمن أنشطة المعتدلين في الحركة الوطنية، وذلك لأن مؤيدي سعد زغلول كانوا يعتبرون انفسهم الممثل الحقيقي للأمة المصرية.
وبعد توطيد أواصر الصداقة بين مكرم وسعد، اصبح كلا منهما لا ينفك عن الآخر في السراء والضراء، ونجدهما معاً في المنفى عدة مرات ومعاً في أسفارهما للخارج من اجل استقلال البلاد، بل أكثر من هذا عندما شرع مكرم في الاقتران بزوجته عايدة، رفضته في أول الأمر بسبب اختلاف مذهب كل منهما، فالزوجة عايدة أرثوذكسية أباً عن جد، ومكرم بروتستانتي العائلة، فلما سمع الزعيم الخالد سعد زغلول بهذا الموقف، قال لمكرم: ما هذا يا ابني، لقد نشأنا طوال عمرنا لا نعرف كاهناً غير ذاك الذي يرتدي العمامة السوداء، فهو ابن مصر الصميم، فلماذا تركته؟" وكانت هذه الكلمات كافية لأن يعود مكرم إلى أمه الكنيسة المصرية ويتزوج من السيدة عايدة ابنة مرقس باشا حنا.
ولقد عبر سعد زغلول عن ثقته واعتزازه برؤيته لرفاقه الأقباط يحيطون به جنباً إلى جنب مع اخوتهم الوطنيين المسلمين.
وأنه من الواضح أن حركة سعد زغلول كانت حركة وطنية مصرية خالصة إلى حد بعيد مجردة من أية نزعة دينية، بينما تضمنت حركة عرابي وجهود مصطفى كامل إيحاءات إسلامية واضحة. ومرجعنا في هذا إلى محمد زكي عبد القادر «محنة الدستور من تاريخ مصر،» ويدلف قائلاً: «ولو تابعنا شخصية الحركة الوطنية المصرية لأدركنا أنه بينما كانت حركتا عرابي ومصطفى كامل لا تخلوا من مسح دينية، فإن مسلك سعد زغلول ورفاقه كان وطنياً مصرياً صرفاً.» والراوي هنا د. مصطفى الفقي.
وهذا الحس الوطني افتقده أكثر رجال ثورة 1952، حيث أن كلا من حسين الشافعي وكمال الدين حسين وعبد المنعم عبد الرؤوف كانوا متأثرين بفكر وتنظيم جماعة الإخوان المسلمين. لذلك كان الدور القبطي في الحياة السياسية في عهد عبد الناصر محدوداً بسبب اختفاء الأحزاب السياسية وصعود تيار الإخوان المسلمين، وأيضاً ضعف المؤسسات الديمقراطية بوجه عام.
لذلك فإن الدور النشط للأقباط أثناء ثورة 1919 يجسد ذروة تاريخهم الوطني. ففي 22 ديسمبر 1922، وعندما وجهت السلطات البريطانية في القاهرة انذاراً إلى الشخصيات البارزة حول سعد زغلول تطلب منهم الابتعاد عن القاهرة واقامتهم في الريف، وإلا أقدمت على نفيهم من مصر. ولقي الإنذار الرفض من سعد زغلول ومصطفى النحاس ومكرم عبيد وصحبهم، فتقرر نفيهم إلى جزيرة سيشل. ويرى د. حسين مؤنس - الكاتب والمؤرخ - أن تأكيد مكرم عبيد على ضرورة رفض الإنذار هو الذي دفع زملاءه إلى اتخاذ القرار، إذ كانوا يناقشون الأمر وعند وصول مكرم إلى اجتماعهم، أصر بشدة على ضرورة رفضهم لذلك الإنذار.
ويذكر الاستاذ محمود سليمان غنام أن في كل مرة يعود مكرم عبيد من لندن كمبعوث شخصي للزعيم سعد زغلول، يستقبله الشعب بهتافات مدوية خاصة أثناء خطبه المتتالية التي ألقاها في محطات القطار أثناء طريقه إلى القاهرة. والترحيب الحار به في محطة مصر وكان على رأس مستقبليه زعيم الامة سعد زغلول وصحبه عليه حزب الوفد، وأكد هذا القول أحمد شفيق باشا في كتاب «حوليات مصر السياسية.»
وحول وطنية مكرم عبيد أنه رأى أن اسمه الأول شائع بين الأجانب، فإذ به يسقط من اسمه كلمة «وليم» مكتفياً بأسم والده وجده المنتشرين بين الشعب المصري «مكرم عبيد.» وأحبه الشعب المصري ومن فرط اعجابهم به كانوا يعتبرونه المثل والقدوة لأبنائهم وأطلقوا اسمه عليهم، وأصبح اسم مكرم ذائع الصيت في الأوساط المصرية والعربية أيضاً.
ويقول د. حسين مؤنس أن لمكرم عبيد قول مأثور كان يردده في خطبه قائلاً: «إن كل المصريين أقباطاً ومسلمين أخوة لأن مصر أمهم، وزغلول أبوهم.»
وقد ذكر د. مؤنس عن محادثة جرت بين مكرم وسعد حينما اشار فيها مكرم أنه يوجد أقباط في جماعة زغلول أكثر من المسلمين، فرد زغلول عليه انه لم يكن يعرف عبيداً وزملائه بصفتهم أقباطاً ولكن بوصفهم مصريين قبل كل شئ.
وعن فترة المنفى يقول د. مصطفى الفقي أن من نتائج المنفى بالنسبة لعبيد تمثلت في ثلاث نتائج، كالآتي:
أولاً: أصبح مكرم وثيق الصلة على المستوى الشخصي لسعد زغلول وأكثر إلتصاقاً وصداقة وألفة بالزملاء الآخرين لاسيما أنه كان أصغرهم سناً.
ثانياً: أن فترة المنفى كانت فرصة لصقل لغة مكرم العربية، فقد كانت لغته الأساسية الإنجليزية نظراً لدراسته بأكسفورد. وكان بين جماعة المنفيين المصاحبين لسعد، عاطف بركات ابن أخت سعد، وكان يعمل ناظراً لمدرسة القضاء الشرعي وساعد مكرم في اتقان اللغة العربية حتى أصبح أشهر الخطباء في تاريخ الحياة السياسية.
ثالثاً: كانت فترة المنفى بمثابة العنصر الأساسي الذي دعم مكرم عبيد بمصطفى النحاس وأصبحا شيئاً واحداً كما يقول النحاس عن علاقته بمكرم.
وفي المقالة القادمة سنذكر علاقة الوطني الغيور مكرم عبيد بالزعيم طيب الذكر مصطفى النحاس. وقبل أن نختم هذه المقالة تتذكر ما قاله سعد زغلول عن وطنية الأقباط قائلاً: «لولا وطنية الأقباط لتقبلوا دعوة الاجنبي لحمايتهم وكانوا يفوزون بالجاه والمناصب بدلاً النفي والسجن والاعتقال. ولكنهم فضلوا أن يكونوا مصريين معذبين محرومين من المناصب والحياة والمصالح ويساقون للضرب ويذوقون الموت والظلم على أن يكونوا محميين بأعدائهم وأعداء الوطن.»
لطيف شاكر
lampra333@yahoo.com |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|