في مصر المأزومة بالفساد والاستبداد تتوالى المصائب والكوارث على مجتمعها المأزوم في كل يوم يتم حسابه بالزيادة من عمر النظام الحاكم الذي اختزل كافة السُلطات في إرادته المنفردة, ولا عجب أن يتدخل في إنهاء أزمة الطالبة آلاء التي هزّت عرش وزارة التربية والتعليم من المصحح لموضوع التعبير الذي خرجت به عن المألوف والمعهود إلى وزير التربية والتعليم إلى مجلس الوزراء ليكون رأس النظام هو صاحب القرار في إنهاء أزمة التلميذة آلاء.
وتتوالى الأزمات والنكبات يومياً ليتم تكريس نظام الجباية الغير دستوري والغير قانوني والفارض سطوته على المجتمع المصري المتحول إلى خادم للدولة المصرية لتصير الدولة والمجتمع في نهاية الأمر خادمين للنظام الحاكم.
وأخر هذه النكبات والمصائب, مصيبة زيادة الرسوم القضائية على المجتمع المصري المقهور بالفقر والغلاء والمرض والمأزوم في حياته كلها, بداية من سكناه لأسلوب حياته ومعيشته وعمله ووسائل مواصلاته حتى في مرضه وعلاجه, والمهموم لما بعد وفاته أو إنتحاراته.
فكانت تلك الزيادة البشعة والفظيعة في نسبة الرسوم القضائية الخاصة بالدعاوى القضائية التي يرفعها أبناء المجتمع المصري أمام المحاكم, وكأن الدولة المصرية ترغب بإرادتها المنفردة المأمورة بإرادة النظام الحاكم وتنسحب من ساحة العدالة تاركة أمر العدل وحقوق المواطنين وواجباتهم أمام دولة العدالة التي أصبحت افتراضية بالقوانين الاستثنائية والطوارئ ومحاكم أمن الدولة العليا والعادية بل والتفكير في المحاكم الخاصة الاستثنائية.
الرسوم القضائية التي تريد أن تقرها الدولة المصرية بإرادة النظام الحاكم تعتبر انسحاباً من ساحة عدالة الدولة إلى عدالة أخرى مناطها المجالس العرفية التي سيلجأ إليها الغالبية من أبناء المجتمع المصري تاركة أمر الحقوق والواجبات وتنفيذ طريقة الحصول على الحقوق المتنازع عليها إلى تلك المجالس والتي حتماً ستكون لها ميليشيات عسكرية تجبر بموجبها الخارجين عن إرادة تلك المجالس ليكونوا طائعين لها بموجب تلك الميليشيات التي ستأخذ شكلاً عسكرياً مسلحاً خارجاً عن إطار الدولة ليشكل هو دولة أخرى أو دول أخرى داخل حيز الدولة.
أو أن أصحاب الحقوق من الضعفاء والمأزومين والغير قادرين على مسايرة الدولة في طلباتها النقدية في سدادهم مقابل هذه الرسوم, وبسبب عجزهم عن مسايرة المجالس العرفية في تكاليفها النقدية الأخرى وميليشاتها العسكرية المسلحة, فماذا يفعل هؤلاء الفقراء والمعدمين؟!!
أو بمعنى آخر سيلجأ البعض إلى أعمال البلطجة والإرهاب للحصول على حقوقه الضائعة أو المتنازع عليها ليتحول المجتمع إلى ما قبل مرحلة القبيلة, حيث تسود روح الغابة ليأكل القوي الضعيف لأن مفهوم القبيلة حسب هذا التصور الاجتماعي أصبح أرقى من دولة الجباية والاستغلال, حال كون شيخ القبيلة يضمن الأمن ويحافظ على الحقوق والحرمات الاجتماعية ودوره القضائي داخل إطار القبيلة ومع القبائل الأخرى له فاعلية ومنجز في حل كافة هذه القضايا.
وإذا كان قانون الغابة هو الذي يكاد يكون علي حافة التطبيق الكامل في مواد قانونه ونصوصه المفعّل معظمها في المجتمع المصري, فكيف بإقرار وتفعيل نصوص قانون زيادة الرسوم القضائية؟
إن حق التقاضي مكفول لكل إنسان يستظل بالسماء المصرية وتطأ أقدامه الأرض المصرية أياً كان هذا الإنسان مثلنا في ذلك مثل كافة الدول أعضاء الجماعة الدولية التي تكفل حق التقاضي في صورة تقترب إلى حد المجانية في اللجوء للقضاء والحصول على الحقوق التي لا يمكن أن تضيع في مجتمعات بنيت منظوماتها السياسية والاجتماعية على الديمقراطية والحريات واحترام حقوق الإنسان بل وتقديسه في أحيان كثيرة.
والدستور المصري المغيبة نصوصه عن الواقع المأزوم بالفسادات والاستبداد تذهب مادتيه 68 , 69 إلى أن:
المادة (68) التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي وتكفل الدولة تقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل في القضايا، ويحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء.
المادة (69)
حق الدفاع أصالة أو بالوكالة مكفول، ويكفل القانون لغير القادرين مالياً وسائل الالتجاء إلى القضاء والدفاع عن حقوقهم.
أما أن تتحول الدولة إلي دولة جباية بإرادة النظام الحاكم لتقتات على فقر الفقراء وأزمات المأزومين حتى من خلال البحث عن الحقوق بموجب العدالة المفقودة, وكما أشاع البعض من أن الغرض من زيادة الرسوم القضائية هو لتدبير الموارد القضائية لسد عجز تدابير تلك الموارد للنيابة العامة والقضاة والمستشارين ورؤساء الحاكم وهذا ما نرفضه بل ونطالب باستقلال الموارد المالية ليستقل مرفق العدل بموارده وبسلطته بعيداً عن السلطة السياسية, وليكون وزير العدل وزيراً لشئون المحاكم وليس تابعاً في قراراته إلى السلطة السياسية التي يأتمر بأوامرها وينتهي بنواهيها والتي تمتلك حق تعيينه وسلطة إقالته للتقاعد!!
اللجوء للتقاضي يجب أن يكون متاحاً للجميع، وفي أحوال كثيرة يتوجب أن يكون بلا رسوم على الإطلاق وإلا فالكارثة ستكتمل حلقاتها ويصبح المجتمع المصري قاب قوسين أو أدني من الانفجار الذي ستعجل به مأساة تغييب العدالة باهظة التكاليف.
وفي هذه اللحظة الفارقة سيكون خيار ما قبل القبيلة هو الأقرب للتطبيق ليس من خيار الدولة المنهارة ولكن من خيار القبيلة!!
محمود الزهيري
mahmoudelzohery@yahoo.com |