بقلم: كمال غبريال أتصور أن أمر الإنسان في منطقتنا، يشبه إلى حد كبير أمر حيوانات السيرك هذه. . فإذا قارنا بين الصفات الشخصية ورؤية الإنسان الغربي أو إنسان الشرق الأقصى لذاته، وبين تلك التي لإنسان الشرق الأوسط، سنجد البون شاسعاً بين هنا وهناك، بحيث لا يعد من قبيل المبالغة أن نقول أن التشابه بين الجانبين، لا يعدو أن يكون في الشكل الظاهري، أو في الصفات التشريحية، التي لا تتطرق إلى الفكر والنفسية، التي تشكل معالم الشخصية، ليكون علينا إن صح تصورنا أو زعمنا، أن نبحث في الأسباب التي أدت إلى تلك الفوارق الكبيرة، داخل جنس واحد هو جنس الإنسان. للإجابة على هذا السؤال اختلف الباحثون، فذهب البعض منهم مذهباً عنصرياً، يرجع الاختلاف إلى أسباب بيولوجية، في أساس التكوين الجيني للإنسان، ورتب هؤلاء البشر إلى مراتب وفق أعراقهم، فوضعوا البعض على رأس القائمة، والبعض الآخر في أسفلها، كما فعلت نازية أدولف هتلر، وفاشية بينيتو موسيليني، وما كانت الحرب العالمية الثانية إلا محاولة تسييد الشعوب التي اعتبروها الإنسان الأعلى، على تلك الشعوب التي عدوها في مؤخرة القائمة، وفي هذا المسار أيضاً كانت المذابح والمحارق لليهود، الذي احتلوا مرتبة متأخرة في القائمة النازية. إذا قررنا تجاوز تلك التصورات والتنظيرات، التي لم تجلب على البشرية إلا الحروب والخراب، وذهبنا مباشرة إلى النتيجة الماثلة أمامنا، وهي شيوع ثقافة شرقية خاصة في تلك المنطقة من العالم، ربما قد ماثلت في عصور ما حقباً ظلامية مماثلة مرت بها مختلف الشعوب، لكنها انقرضت أو تجاوزتها جميع شعوب العالم، فيما بقيت هنا راسخة، وربما تزداد رسوخاً وفاعلية، كلما ظهر التباين بين أحوالنا وأحوال كل آخر. . ثقافة تحول إنسان الشرق كما لو إلى كائن مختلف كل الاختلاف، عن الكائنات الإنسانية في كل الشعوب التي شقت طريقها نحو التقدم والحداثة. . تعتمد ديمومة تلك الثقافة المستأصلة لإنسانية الإنسان على عنصر التنشئة والتربية. . فالمفترض أن التربية تهدف لتأهيل الإنسان لمواجهة الحياة، وتعظيم وصقل قدراته. . فنظرة مقارنة متأملة للقيم التي تم تلقينها لنا، ونلقنها نحن بدورنا لصغارنا، كفيلة بأن تكشف لنا السر في ضعف واستضعاف إنسان هذه المنطقة، وفي خنوعه لحكامه، وعجزه عن إنتاج خبزه، وفي النهاية وقوعه فريسة لأيديولوجيات الكراهية والإرهاب، كمهرب سهل من الفشل المزمن الذي يواجهه، إزاء كل متطلبات الحياة. . في مقابل شعوب أخرى كشعوب الشرق الأقصى، عرفت طريقها نحو العصر، بل وصارت منافساً وشريكاً قوياً لشعوب الشمال والغرب المتطورة والمتقدمة. . وكانت البوابة التي دخلت منها تلك الشعوب إلى مسيرة التقدم، هي إيمان الإنسان الفرد بأنه سيد مصيره. . إيمانه بقوته الذاتية، وبقدراته الشخصية والعقلية، التي بها وبها وحدها، يستطيع أن يتغلب على كل ما يواجهه من صعوبات، في حين بقي إنسان الشرق الأوسط يستشعر ضعفه وهزاله، مستسلماً لقدره، ولسادته الذين يعدونه بعون يأتيه من السماء، يبدل حاله من الكرب إلى الفرج، ما إذا لم يتحقق في هذه الحياة الدنيا، فإن المصير السعيد لابد سينتظره في العالم الآخر!! المشتغلون والمرتزقون بالمقدس هم من يقومون بدور الحراس والمعلمين والمروجين لذلك النحو من التربية للأجيال. . وهم أيضاً أصحاب المصحلة فيما يترتب على استضعاف الإنسان، وشعوره بالمسكنة وانعدام الحول والقوة. . فلكي يصيروا هم سادة، لابد لهم من عبيد يستمرؤون العبودية، ويؤمنون في أعماقهم أنهم لا يستطيعون العيش إلا في ظل سيادة سادتهم، هؤلاء الذين يبررون تلك السيادة بتنصيب أنفسهم وكلاء للإله على الأرض، وبأن من يخالفهم يذهب بنفسه إلى الضياع، لأن العون السمائي في هذه الحالة سينقطع عنه. . في ظل مثل هذه الثقافة التي يتم رضاعتها مع لبن الأم، ينشأ الفرد هشاً مستشعراً الضعف والهوان والعجز عن التقدم بمفرده ولو خطوة واحدة. . وتصبح الحرية مرادفاً للضياع، وتنعدم المسئولية عن الذات، باعتبارها غير قادرة على أن تقرر الصالح لنفسها، فالخير والأمان هو في الانطراح على أعتاب رجال الله المقدسين، الذين يتلقون البركات والتعليمات الإلهية، ليمنحونها لمن يستحق من عبيدهم المطيعين الطيبين، ويمنعونها عن كل من يتجرأ على عصيانهم، أو على الإيمان بأن الله خلق الإنسان كامل القدرات، وقادر على مواجهة كل ما يعترضه من مشاكل بقواه وإمكانياته الذاتية، دون الحاجة لأسياده وكلاء الإله. هكذا يفقد إنسان هذه المنطقة منذ ولادته إيمانه بذاته، ويستبدلة ليس بالإيمان بالله –كما يتم تصوير الأمر له- وإنما بالإيمان بقدرات من صار يلقبهم بأصحاب الفضيلة والقداسة، الذين إذا ما تحدثوا فإن الإله هو الذي يتحدث، وإذا ما مسحوا بأيديهم على جبين الإنسان، فإن الله ذاته هو الذي يمسحه ببركات مقدسة. إن الصورة ليست بالتأكيد على ما قد يبدو من سطورنا السابقة من سواد، ذلك أن ضرورات الحياة العملية، واتصالنا بالعالم والارتباط به، تجرنا جراً إلى ثقافة وروح مضادة لكل ما نؤمن به وما نشأنا عليه. . هو صراع إذن بين السائد الموروث، وبين قيم العصر وضروراته. . هذا الصراع الذين يعاني فيه دعاة الاستنارة والتحرر الأمرين، سواء من المهيمنين وأصحاب المصالح في دوام الحال، من حكام وحلفائهم رجال الدين، أو من الجماهير المنومة والمبرمجة وفق ما تربت عليه وآمنت به كأنه الحقيقة المطلقة. |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ١ صوت | عدد التعليقات: ١ تعليق |