بقلم: عزيز الحاج
تمر ذكرى الجريمة الإرهابية الكبرى في نيويورك وواشنطن، والتي هزت العالم، وبدلت الاستراتيجيات الدولية. لقد نقل ذلك الحدث الدولي الخطير حرب الإرهاب الإسلامي، المشتعلة منذ الثمانينات في العديد من البلدان، إلى حرب دولية متنقلة وعابرة ما بين القارات، حتى صارت توصف بالحرب العالمية الثالثة.
لقد كُتبتْ أطنان من المقالات والتعليقات، ونشرت مئات الوثائق عن تفجيرات 11 سبتمبر، ومع ذلك، فلا بد من وقفات جديدة مع المستجدات.
كان جورج دبليو بوش على رأس الإدارة الأميركية عند وقوع الحدث، وكان رده حازما، أي بالحرب على طالبان والقاعدة دفاعا عن أمن شعبه وبلده، والذي كان في الوقت ذاته دفاعا عن أمن العالم. فحرب أفغانستان لم تكن غزوا كحرب الاتحاد السوفيتي، بل كانت عملية دفاع مشروعة عن النفس، والإجراءات الحازمة التي اتخذتها تلك الإدارة جعلت أميركا آمنة، وبفضل ذلك أمكن لأوباما تسلم الرئاسة بسلام وبلا حدث إرهابي خطير، وهو ما ينكره اليوم! إن الحرب في أفغانستان لم تكن حربا على العالم الإسلامي، ولا أيضا حرب تحرير العراقيين من صدام، وهما الحربان العادلتان، اللتان يعتبرهما الإسلاميون والقوميون والدعاة المزيفون لحقوق الإنسان حربين إمبرياليتين، غاشمتين على الإسلام والمسلمين، وعلى حقوق الشعوب وحقوق الإنسان.
لقد دلت كل الوقائع، وعلى صعيد الدول العربية والإسلامية قبل غيرها، على أن الإرهابي الإسلامي قد غسل دماغه باسم الدين، فصار مهيئا لنسف نفسه مع المئات والآلاف، حلما بالجنة وحورها العين وولدانها "الحلوين". فالنزعة الإرهابية تتحول إلى جرثومة دائمة لا يشبع نهمها غير القتل، مثله مثل محترف اغتصاب النساء والأطفال، فما أن يعتقل أحدهم ويطلق سراحه فيما بعد، حتى يعود لاقتراف جرائم مماثلة، وربما مع القتل هذه المرة. وإن المئات من وقائع الجرائم في الغرب تبرهن على ذلك، رغم إن القضاء الغربي يتساهل أحيانا بحجة حقوق المجرم، أو بحجة إن السجين حسن سلوكه في السجن، وهاهو القضاء البريطاني يطلق سراح 40 متطرفا إسلاميا ليسرحوا ويمرحوا في شوارع لندن. إن الإرهابي الإسلامي، المندفع باسم الدين والجنة والمشحون بالكراهية العمياء- ما أن يجري التساهل معه، حتى يتشجع على المزيد من الجريمة.
إن أوباما قد قرر منذ اليوم الأول غلق غوانتينامو، وروج لكل المزاعم عن التعذيب ولا أخلاقية الاستجوابات والمحاكمات. وراح كل إرهابي يطلق سراحه من هناك يجد عشرات من المحامين ودعاة حقوق الإنسان يصدقون مزاعمه عن التعذيب، ويطالبون بمحاكمة عناصر المخابرات الأميركية. وهو ما تفعله الإدارة الأميركية نفسها، مما يؤدي لتفكيك وشل سياسة مكافحة الإرهاب.
لقد فتح معتقل غوانتينامو مؤخرا أبوابه للصحفيين، واستطاعت صحيفة "الحياة" مقابلة المسئولين العسكريين هناك، وفي مقدمتهم الأميرال توم كريمان، قائد القوات المشتركة في القاعدة، الذي تسلم مهامه في حزيران الماضي. أكد كريمان ما سبق لإدارة بوش أن أكدته عن حسن معاملة المعتقلين، وما هو مسموح لهم من ملاعب رياضية وكتب وتلفزيونات وأداء الصلاة. وقد أبدى أسفه لرواج أكاذيب الإرهابيين المطلق سراحهم، وزود الصحيفة بالوثيقة المعروفة باسم "وثيقة مانتشستر"، التي عثرت عليها الشرطة البريطانية في مايو 2000 في شقة أبو حمزة المصري. وهذه الوثيقة صارت دليل للمحققين الأميركيين للتعرف على تفاصيل سلوك الإرهابي، والتعليمات المعطاة له عن كيفية تصرفه خلال المحاكمة وبعد الخروج. ومن فصول الوثيقة نص يقول:"على الإخوة في المحاكمة الإصرار أمام القاضي على إن الاعترافات انتزعت منهم بالتعذيب والقوة." كما يرد:" في الزيارات على الإخوة استغلال الزيارات للتواصل مع من هم في الخارج وتبادل المعلومات معهم بما يفيدهم في مهماتهم . إخفاء الرسائل مهم جدا في هذه الحالة".[ الحياة عدد 4 سبتمبر 2009 ]
لقد تأكد أن العشرات ممن أطلق سراحهم من غوانتينامو عادوا للإرهاب فعلا. أما ما يدعى ببرامج "التأهيل" في السعودية وأندونوسيا واليمن، فإن ما لا يقل عن عشرين بالمائة من "المؤهلين" يعودن للعمل الإرهابي- وربما العدد اكبر. في مراكز التأهيل السعودية يثقفهم مشايخ لا نعرف بماذا يلقنونهم، وبأية أفكار قادرة على مكافحة التطرف والكراهية. أما "المتخرج"، فيقدمون له سيارة وزوجة كإغراء! وفي هذه الحالة، فإن من حقنا أن نرى أن هؤلاء المتطرفين الإرهابيين يعتبرون دوراتهم فترات راحة واستمتاع وأنس، لحين أن تحركهم الجرثومة من جديد للانخراط مجددا في الإرهاب.
أوباما يعتبر استعمال عبارة "الحرب على الإرهاب" عدوانية ولا أخلاقية. ولكن ماذا يجب أن يكون الرد على الحرب التي يواصل الإرهابيون شنها في كل مكان، غير حرب عادلة في مواجهة حرب ظلامية على الحضارة والقيم الإنسانية والديمقراطية؟؟
الإرهاب يضرب ويدمر الحياة والأمن في كل مكان، وهو ما يعانيه العراقيون منذ سنوات، وآخرها تفجيرات الأربعاء الدامي، التي لم تعلن رسميا كل خيوطها، ولم تكشف كل أطراف الجريمة، ونعني إيران، شريكة سوريا.
إن سياسات أوباما قد أدت وتؤدي، ومن حيث لا يريد، لاستفحال نشاط الإرهابيين وأنظمة التوتر والإرهاب والانتشار النووي، لاسيما إيران وكوريا الشمالية. وما لم توقف هذه السياسات الملائكية الساذجة، فإن قوى الشر والإرهاب هي التي ستنفرد بشعوب العالم. |