CET 09:40:56 - 09/09/2009

مقالات مختارة

بقلم: فاطمة ناعوت

لا أدري أيَّة كوميديا لطيفة في تشويه التاريخ والحقائق العلمية ومقدسات الوطن وخطوطه الحمراء؟ أيُّ مرحٍ في أن نُعلِّم النشءَ الجديدَ، الطالعَ أصلاً في زمنٍ جاهل مُشوَّه، معلوماتٍ مغلوطةً حول ثوابته التاريخية، العظيم منها والموجع؟ أي فنٍّ ساخر يجعلنا نبثُّ في معارف صغارنا أن السدَّ العالي قد بُنِي من أجل وقف "ريالة" والد شخصية "طارئة" على وعي الشعب المصري اسمه "سيد أبو حفيظة". تقول سيرتُه الذاتية، "الكابوس"، أن أباه كان يسيلُ لعابُه، "يُريّل"، فقررتْ مصرُ بناءَ السدِّ العالي من أجل وقف الريالة! ثم إن العدوانَ الثلاثي على مصرَ، لم يقم بسبب تأميم عبد الناصر قناةَ السويس؛ ما أغضبَ انجلترا من قطع الطريق على مستعمراتها وتحجيم تربُّحها من القناة التي كانت تديرها قبل التأميم، ولا بسبب إبرام مصرَ اتفاقيةَ أسلحةٍ مع الاتحاد السوفيتيّ؛ ما أقلق إسرائيلَ وأفزعها، ولا حتى بسبب مناصرة مصرَ الثورةَ الجزائريةَ ضد الاحتلال الفرنسيّ؛ ما جعل فرنسا تستشيط غضبًا؛ بل ضربنا العدوانُ الثلاثي فقط من أجل هدم حفل زفاف "علام" على زوجته السيدة "إيلزا" اللذين سوف ينجبان لمصرَ شخصيةً مرموقة هو "السيد أبو حفيظة"! هل ترون في هذا التشويه الرخيص لثوابتَ تاريخية، عظيمةٍ مثل السد العالي، ومريرةٍ مثل عدوان 56 الذي راح فيه أجدادُنا شهداءَ، هل ترون فيه كوميديا أو مرحًا أو خفّة ظلٍّ من أي نوع؟

ثم برنامج آخر عنوانه "مسلسلات كوم" يقوم على العبث فيما يعتبره المصريُّ خطًّا أحمر؛ لا يجوزُ العبثُ معه. يمثّلون هزيمةً كرويةً، يسمونها "النكسة"، في إشارة إلى نكسة يونيو 67. ثم أحد اللاعبين وقد أمسكه الأفارقةُ ليعذبوه لكي يفشي بأسرار الفريق مقلّدين معتقلات 59 بما فيها من تعذيب للشيوعيين والمثقفين المصريين!
ثم يطلُّ على صفحات "اليوم السابع" كاتبُ أفلام أسهمتْ في إدخال كلماتٍ غريبة على معجم الشعب المصري، مثل "حاحا وتفاحة- وش إجرام- سيد العاطفي- حرامية كي جي تو- صايع بحر- خالتي فرنسا- علي سبايسي، (لا أدّعي أني شاهدتُها، ولكن الفيلمَ يُقرأ من عنوانه). يعلّمنا العجبَ عبر حوارٍ تخيّليّ بينه وبين مذيعة تليفزيونية. سألتْه عن عجائب الدنيا السبع، فقال إنه يعرف السبع بتاع "جونينة الحيوانات". وعن برج بيزا المائل قال: "أموت وآكل البيزا دي، أنا كنت فاكرها كلمة قبيحة اللي هي ولا مؤاخذة بتتقال على ال... ولا بلاش أفسر." سألته عن شجرة الدر، فجاوبها بأنه لا يعرف سوى شجرة البانجو! ولما سألته لماذا سُمّي "مينا" موحّد القطرين؟ قال: "الجماعة المسيحيين دول شاطرين ولو حطوا في دماغهم حاجة بيعملوها، مينا ساويرس ده واد كفاءة بس ربنا تاب عليه وسافر حته اسمها استرانيا وبقى من أقباط المهجر ووعدني حيبعت لي عشان أبقى من مسلمين المهجر." (وهنا إشارة غير مريحة لرجل أعمال مصريّ جاد).
 
فأوضحتْ له المذيعةُ أن "مينا" من فراعين مصر، فقال: "الظاهر الجدع مينا ده راجل كويس مش بتقولي موحد يعني أسلم والحمد لله." سألته عن سور الصين العظيم فأخبرها أنه لا يعرف إن كان فيه لجنة تقف تحته مثل سور مجرى العيون أم لا! سألته عن أسماء أصابع الإنسان فقال: "واحد نعمل بيه أوكي، وواحد تلعب بيه في مناخيرك، وواحد مش حينفع اقول بنعمل به ايه، وواحد بنلقّح فيه الدبلة، والصغير ده بتنضف به ودانك!" ولما سألته ماذا تمثّل مصر بالنسبة له، قال: "مصر معزتها من معزة أشرف أخويا الله يرحمه."!!!
لا أدري أي ظُرف أو "استظراف" في مثل هذا الإسفاف وتشويه المعلومة وثوابتنا التاريخية التي لم نعد نملك سواها! إن كان يظنُّ هؤلاء أن ما يكتبونه هو "الأدب الساخر"، فعليهم أولاً مراجعة الكتب النقدية التي تتناول أنواع الأجناس الكتابية، أو قراءة مقالات "أحمد رجب" و"محمد سلماوي" ليتعلموا منهما أن الأدبَ الساخرَ فنٌّ راقٍ، لا يقوم على لَيّ الكلمة وجِناسها وسَجْعها وطِباقِها الساذج، بل يعملُ على خلق حال ساخرة كاملة، ورؤية فنية رفيعة تدحض السيئَ والرديءَ من أجل الوصول بالقارئ إلى المطالبة بالجميل والجيد والجاد. وأخيرًا، على مصرَ وعلى نشئها الجديد، الذين يشاهدون هذا السَّفه، السلام.-

fatma_naoot@hotmail.com
نقلا عن الحوار المتمدن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١ صوت عدد التعليقات: ١ تعليق

خيارات

فهرس القسم
اطبع الصفحة
ارسل لصديق
اضف للمفضلة

جديد الموقع