CET 00:00:00 - 08/09/2009

مساحة رأي

بقلم: باحث/ صبري الباجا
الانتخابات البرلمانية القادمة ومستقبل مصر

مما لا شك فيه أن مستقبل مصر وتطورها السياسي مرهون بنتائج الانتخابات البرلمانية القادمة في 2010، ومن المتوقع ألا تخرج نتائج هذه الانتخابات عن احد الإحتمالين التاليين:
الأول: فوز الحزب الوطني الحاكم بأغلبية مُطلقة.
الثاني: حصول أحزاب المعارضة والمستقلين على أغلبية نسبية، أو أغلبية عددية، تستطيع بها أن تحرم الحزب الوطني من الأغلبية المطلقة والانفراد بحكم مصر ورهن مستقبلها السياسي وفقًا لأجندته الخاصة.
ولكل من الإحتمالين السابقين فرص تكاد تكون متساوية حتى الآن، وعملية الحسم وتغليب حدوث أحدهما متوقف على عوامل بعضها داخلي (حركة أحزاب المعارضة وتوحدها) والآخر خارجي (رقابة وإشراف دولي على الانتخابات).

الإحتمال الأول: فوز الحزب الوطني بأغلبية مطلقة
غير خافٍ الوسائل التي يمكن أن يتبعها النظام من أجل تحقيق أغلبية مطلقة للحزب الوطني في الانتخابات القادمة، والتجارب السابقة تؤكد ذلك، وما يجب الإنتباه إليه في الانتخابات البرلمانية القادمة أن أهميتها تختلف عن المرات السابقة لكونها المقدمة المؤدية لحسم انتخابات الرئاسة في 2011، وما ستكون عليه شدة الصراع لرغبة النظام وحزبه في الحصول على مجلس بدون معارضة حقيقية تقريبًا، أو معارضة شكلية يتم تحديدها واختيارها لاستكمال الشكل الديمقراطي، ولتحقيق هدفه لن يتورع من اللجوء لاستخدام كافة الأساليب حتى ولو كانت هذه الأساليب ستقضي على المتبقي من شكل الدولة أو تؤدي إلى مخاطر جمة على مصر ومستقبلها، وفقدها لسمعتها في الأوساط الدولية، نرصد منها بعض ما هو جاري بالفعل حاليًا:
1- الإجراءات العنيفة التي يقوم بها النظام ضد (الإخوان المسلمين) من جهة وتبني النظام لسياسة أكثر ليونة مع الجماعات السلفية والعمل على تشجيعها على جذب أعداد كبيرة من المصريين إلى صفوفها، بهدف مواجة إتساع النفوذ السياسي للإخوان (1) وهو أمر ستكون له عواقبه الوخيمة أبسطها زيادة التطرف وحدة الإحتقان في المجتمع نتيجة نشر الفكر المتطرف لهذه الجماعات، وتجربة طالبان ليست ببعيدة.
2- صمت النظام تجاه تصرفات سلبية تمس الوحدة الوطنية، وتهدر حقوق أساسية لمواطنين مثل تصرفات بعض المحافظين وعدم مساءلتهم، والإبقاء عليهم لسابق خبراتهم الأمنية وما يحمله ذلك من إيحاءات عما سيكون عليه المشهد عشية الانتخابات من عنف وتزييف للانتخابات لصالح الحزب الوطني (2).
3- استمالة بعض الأحزاب الورقية والتحالف معها ووعدها بالحصول على بعض المقاعد في الانتخابات القادمة بما يدمر بناء الثقة في أية حياة حزبية مستقبلاً والسعي لتخريب الأحزاب التي يمكن أن تلعب دورًا -ولو محدودًا- في الانتخابات القادمة عن طريق إثارة الخلافات والنزاعات من داخلها أو التضييق على أنشطتها الجماهيرية.
4- البدء في تأهيل بعض الوجوه الجديدة في الحزب الوطني، خاصة الموالين للجنة السياسات لترشيحهم كبدلاء لبعض الوجوه وقيادت الحزب المستهلكة والمكروهة جماهيريًا، كنوع من تجميل وجه الحزب الوطني تحت شعار "فكر جديد" كنوع من التمويه، ولكي يبدو الحزب الوطني في ثوب جديد لخداع الناخب.
5- نشر شائعات عن قرب موافقة النظام على إصدار قانون دور العبادة الموحد، كترضية ولاستقطاب أصوات المسيحيين لصفّه في الانتخابات القادمة.

ماذا يعني مجيء الانتخابات القادمة بالحزب الوطني بأغلبية مطلقة؟!
• فوز الحزب الوطني بأغلبية مطلقة سيعني الاستمرار في نفس السياسات مع استمرار مبارك الأب على رأس النظام، أو نقل السلطة بـ "التوريث" لمبارك النجل، وكل ما سيضاف هو المزيد من الإجراءات القمعية، والمزيد من معاناة المواطنين خاصة مع انعكاسات الأزمة العالمية على الاقتصاد المصري وعدم تبني النظام لأية حلول جذرية أو جادة في مواجهة مشاكل متراكمة لن تصلح معها أية مسكنات، الأمر الذي ينذر بحدوث فوضى عارمة بالبلاد.
• يعني استمرار العمل بقانون الطوارئ، واتباع نفس السياسات الاقتصادية التي تعتمد على بيع المتبقي من القطاع العام، وضياع موارد الدولة لصالح الأثرياء من رجال الأعمال من أعضاء لجنة السياسات، وزيادة حدة البطالة، والمزيد من الإفقار لغالبية طوائف الشعب، وتدهور مكانة مصر سواء على المستوى العالمي أو الإقليمي.
• حدوث خيبة أمل ستصيب كل من يتوقع تحقيقًا لمطالبة، أو حدوث انفراجة سياسية عند فوز الحزب الوطني.

الإحتمال الثاني: حصول أحزاب المعارضة والمستقلين على أغلبية نسبية، أو أغلبية عددية، تستطيع بها أن تحرم الحزب الوطني من الأغلبية المطلقة والانفراد بحكم مصر ورهن مستقبلها السياسي وفقًا لأجندته الخاصة.
قد تبدو صعوبة تحقيق هذا الاحتمال تحت شبح الخوف من تكرارالأجواء السياسية التي تميزت بها الانتخابات السابقة ومنها:
• ضعف مشاركة لناخبين وعزوفهم عن اداء واجبهم الإنتخابي، وتشير بعض الأرقام لتدني مستويات المشاركة دون نسبة الـ 25%.
• ضعف حالة الأحزاب السياسية بشكل عام وتنافسها فيما بينها في بعض الدوائر مما أدى لتشتيت الأصوات ولصالح الحزب الوطني.
• ضعف تمثيل المرأة والمسيحيين في البرلمان حيث اتصفت نتائج الانتخابات البرلمانية في السنوات الأخيرة بمحدودية تمثيل المسيحيين والمرأة، سواء على مستوى المرشحين أو على مستوى الفائزين، ولم تفلح عملية التعيين في أن تعدل من نسبة تمثيلهم النسبي في البرلمان، وإذا ما كان النظام المستحدث لانتخابات المرأة (كوتة المرأة) (3) سيتغلب على القصور في تمثيلها بالبرلمان، تبقى قضية التمثيل المناسب للمسيحيين في الانتخابات البرلمانية القادمة.
• إنضمام نسبة كبيرة من الأعضاء المستقلين الفائزين إلى الحزب الوطني.
• لجوء الحزب الوطني لاستخدام العنف والبلطجة، الأمر الذي أدى إلى وقوع قتلى وجرحى، واستخدام جهاز الشرطة لأساليب القمع، ومنع وصول الناخبين لصناديق الانتخاب، واستخدام الغازات المسيلة للدموع ضد جمهور الناخبين والتوسع في الاعتقالات، وممارسة كافة وسائل التزوير داخل اللجان، وكذلك في عمليات الفرز.

تطور تمثيل المرأة والمسيحيين في البرلمان (1976/ 2005) *

 البيان  المرأة المسيحيين
السنة الأعضاء فوز تعيين إجمالي فوز تعيين إجمالي
1976 350 4 2 6 - 8 8
1979 382 33 2 35 4 10 14
1984 448 37 1 38 6 5 11
1987 444 14 4 18 6 4 10
1990 444 3 7 10 2 6 8
1995 444 4 5 9 - 6 6
2000 444 4 7 11 3 4 7
2005 242 4 5 9 1 5 6


* الجدول من إعداد الباحث استوفاه من عدة مصادر رصدت نتائج الانتخابات البرلمانية للدورات المُشار إليها.

ورغم تلك الصعوبات التي تم الإشارة إليها فإن تحقيق هذا السيناريو ليس بالأمر المستحيل خاصة فيما لو أحسن الإعداد له من الآن، خاصة مع توافر عوامل موضوعية متوافرة حاليًا تصلح كأرضية للحركة نرصد منها:
* تزايد مضطرد في حجم الكراهية للنظام والحزب الوطني على مستوى مختلف فئات المواطنين.
* رغبة الجماهير العارمة في التغيير، وظهور الحركات الاحتجاجية والإضرابات والاعتصامات بشكل شبه يومي.
* وجود حراك سياسي ونشاط نسبي من بعض الأحزاب، والحركات السياسية و قناعات ومبادرات من شخصيات ذات ثقل علمي وقانوني، خرجت عن صمتها مطالبة بالتغيير، وداعية له الجميع، بما فيهم السيد الرئيس نفسه الذي خاطبته منبهة لصعوبة استمرار الأوضاع الراهنة ومحذرة من مخاطر لاحدود لها، وعدم رد السيد الرئيس وإهماله لهذه االنداءات المخاصة، يؤكد أهمية عدم ترك الساحة خالية للحزب الوطني (4).
* وجود قبول مبدئي لفكرة تجمع وطني على أجندة حدود دنيا لدولة مدنية حديثة قائمة علي المواطنة وعدم التمييز بسبب اللون أو الجنس أو الاعتقاد الديني.
* ظهور بوادر حراك سياسي لدى المسيحيين تمثل في مطالبة البعض بكوته لهم علي غرار (كوتة المرأة) وقد أبى الكثير منهم نظام الكوتة وانضم لذلك أصوات من المسلمين، داعين إلى أهمية خوضهم الانتخابات كمواطنين مصريين وليس كأقلية أو طائفة وهو ما من شأنه إكساب الحياة السياسية مزيدًا من الحيوية.
* التغيرات العالمية وأهمها تولي إدارة جديدة من الديمقراطيين في الولايات المتحدة، متحررة من أية تحالفات للإدارة الأمريكية السابقة مع النظام المصري، وتبنيها لأفكار مناصرة الشعوب المقهورة بنظم حكم ديكتاتورية.
* قبول مبدئي ودعوة صريحة من بعض النشطاء السياسين لفكرة رقابة وإشراف دولي على الانتخابات القادمة، ويلاحظ تزايد الموافقة والتأييد لفكرة الإشراف الدولي من بين أوساط وتيارات مختلفة من الشعب.

حول كيفية تفعيل هذا الاحتمال والتعامل معه كهدف استرتيجي:
• بذل كافة الجهود للتنسيق بين كافة القوى السياسية في مصر للاتفاق علي أجندة الحدود الدنيا.
• التنسيق بين كافة الأحزاب وأطياف العمل السياسي في مصر للاتفاق على قائمة مرشحين موحدة لكافة الدوائر الانتخابية وحشد الموارد البشرية والمادية وتوحيدها لمؤازرة ومساندة القائمة الموحدة الممثلة لجميع فئات المجتمع دون تمييز.
• توحيد جهود مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني في مصر لتوعية الناخبين بأهمية الانتخابات القادمة، والقيام بإعداد فرق المتطوعين المحلين لمراقبة الانتخابات، وتدريبهم وتوعيتهم بالحقوق القانونية لهم وطرق ممارستها، وكل ما من شأنه ضمان نزاهة سير العملية الانتخابية.
• الدعوة محليًا وعالميًا إلى نقل مهمة إدارة الانتخابات القادمة من وزارة الداخلية إلى جهات محايدة مع الدعوة إلى كون الشخص المسئول عن إدارة الانتخابات مسئول مسئولية شخصية أمام جميع المصريين عن أية إنحرافات أو تزوير في العملية الانتخابية، واعتبار ذلك جريمة لا تسقط بالتقادم.

تبقى المشاركة الشعبية الشاملة وتغليب المصلحة الوطنية فوق أية اعتبارات طائفية ضيقة، وأتصور أن مشاركة الأخوة المسيحيين لمساندة وتأييد هذا البديل (حصول أحزاب المعارضة والمستقلين علي أغلبية نسبية، أو أغلبية عددية) هي المدخل الموضوعي والسليم لتمثيل الأشقاء المسيحيين، كمشاركة فعالة تتمثل في (تقدم أعداد من المسيحيين للانتخابات القادمة) ويجب ألا يقع الجهد المطلوب لتحقيق ذلك على عاتق الأخوة المسيحيين وحدهم، ولكن على الأحزاب السياسية الواعية أن تتحمل مسؤليتها التاريخية بترشيح شخصيات مسيحية على قوائمها، وتتولى حشد الدعم لها من الناخبين المسلمين أولاً، وهو محك سيثبت مدي جدارة ووعي هذه الأحزاب من عدمه، وما زلت أراهن على عدم تطرف أغلبية الأخوة المسلمين، وفي هذه التجربة المقترحة وهو ما ينفي عنهم وعن الدين الإسلامي الكثير مما شابه بسبب بعض الممارسات المتعصبة خاصة في الفترة الأخيرة، وفي نفس الوقت ينفي شبهة الانعزالية والسلبية عن شركاء الوطن الأخوة المسيحيين، ويفعّل المواطنة، ويبني الدولة المدنية الحديثة التي يتطلع إليها الجميع، وليس بخافٍ عن الجميع الآثار الاجتماعية والسياسية التي يمكن أن تترتب قيام الدولة المدنية الحديثة والتي لن تتحقق إذا ما جاءت الانتخابات القادمة بالحزب الوطني الديمقراطي!!

باحث/ صبري الباجا
قبطي مسلم
s.elbaga@yahoo.com

ــــــــــــــــــ
1- مركز مكافحة الإرهاب بالأكاديمية العسكرية الأمريكية في وست بوينت USMA, West Point تحديات ثلاثة أساسية تواجهها الجماعة في مصر. ابريل 2009
2- لمزيد من التفاصيل يرجع لما نشرته الصحافة عن أحداث طائفية بالمنيا وأسيوط والإسكندرية والقليوبية كانت تستوجب مساءلة السادة المحافظين.
3- صدر قرار بتخصيص 64 مقعد للمرأة في 32 دائرة انتخابية ولمدة دورتين برلمانيتين
4- كان الدكتور يحيى الجمل الفقيه الدستوري قد وجه خطاب مفتوح للسيد الرئيس، وتكرر ذلك من بعض النشطاء السياسين، وبعض المنظمات المصرية بالولايات المتحدة الأمريكية.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٢ صوت عدد التعليقات: ٥ تعليق