بقلم: د. عبدالخالق حسيبن وهذا ما حصل في العراق وسوريا من ويلات وكوارث على يد البعث، سواءً كان في السلطة أو خارجها. وقد أجاد أستاذنا المفكر السوري الكبير في توضيح هذه الحقيقة المرة في مقاله القيم الموسوم (النظام السوري والإرهاب في العراق)(2). وبناءً على ما تقدم، فقد توصلت إلى استنتاج أن البعث ليس حزباً سياسياً وإنما عصابة مافيا واسعة استطاعت بمنتهى الخبث والدهاء والنصب والاحتيال اجتذاب جماهير عربية عن طريق رفع شعارات خلابة وبراقة، ووعود معسولة، فسطت وتسلطت على دولتين، العراق وسوريا، واغتصبتهما عن طريق التآمر والانقلابات العسكرية، فتمادت في اضطهاد وإهانة شعبيهما وشعوب المنطقة. وفي هذا المقال، أود أن أشير إلى بعض سلوكيات وتصرفات بشار الأسد، المفترض به أنه رئيس الجمهورية العربية السورية... تصرفات لا يمكن أن تصدر من رجل طبيعي عاقل، ناهيك عن رئيس دولة، بل تؤكد أن الرجل هو رئيس عصابة مافيا وليس رئيس دولة كما في الظاهر. عند اقتراب وفاة والده الراحل حافظ الأسد، لم يكن الابن، بشار قد بلغ السن القانونية ليتبوأ رئاسة الدولة وفق الدستور السوري، لذلك تم تعديل الدستور رغماً على الشعب، ليقبله كوريث للعرش. ومع ذلك، كان الشعب يتوقع من الابن (الشاب) أن يكون أفضل من والده (الشايب) لكونه من جيل جديد، ولم يكن عسكرياً، بل خريج جامعي، ومن خلفية علمية كطبيب تلقى تدريبه في طب العيون في المستشفيات البريطانية، وأنه يهوى تقنية المعلومات والعاب الكومبيوتر الخ، وبما أنه عاش فترة في بريطانياً، قلعة الديمقراطية الحديثة، فلا بد وأنه تأثر بحضارتها وديمقراطيتها وقيمها الإنسانية، وسيمارس ما اكتسبه منها في بلاده!!. ولكن مع الأسف الشديد، أصيبت الجماهير السورية بخيبة أمل عندما تسلم، الدكتور بشار الرئاسة، حيث فاق والده في الظلم والقسوة والوحشية ضد الشعب السوري، والتآمر على أمن لبنان والعراق، وهكذا أثبت صحة مقولة (الطبيعة أقوى من التطبع). والحقيقة الأخرى التي يجب ذكرها هي، أن البعث دائماً يحقق أغراضه عن طريق الإرهاب، ويستأسد ويتنمر على الآخرين، خاصة إذا ما توسم الضعف في الجانب الآخر، ولكن ما أن يرى بقاءه مهدداً من قبل دولة أقوى منه، حتى ويتراجع بمنتهى الجبن متظاهراً بحبه للسلام. والكل يتذكر عندما آوى حافظ الأسد، عبدالله أوجلان، رئيس حزب العمال الكردي في تركيا (PKK) والذي اتخذ من سورياً قاعدة له لشن الإرهاب على تركيا، فهددته تركيا بشن حرب على نظامه وإبادته ما لم يتخلى عن أوجلان وحزبه. فما كان منه إلا وسارع بطرد عبدالله أوجلان من الأراضي السورية وبمنتهى الجبن والخذلان. وهذه صفة ملازمة لعصابات المافيا عندما تتأكد أن وجودها مهدد بالفناء. ومنذ الحرب الأهلية في لبنان، قام حافظ الأسد باحتلال هذا البلد الجميل وأحاله إلى مستعمرة سورية تعيث فيها قوات واستخبارات سوريا كما تشاء لمدة ثلاثين عاماً. وأصر الابن بعد توليه العرش، على عدم سحب قواته، رغم صدور قرار من الأمم المتحدة يقضي بذلك، ولكن ما أن تلقى تهديداً أمريكياً بتنفيذ القرار وإلا الضربة الماحقة، فسارع بسحب قواته من لبنان وهو صاغر، ولكنه أبقى استخباراته غير المرئية تواصل القتل والتخريب. كما وقد قرأنا في التقارير أن لقاءً تم بين بشار الأسد ورئيس الوزراء اللبناني الشهيد رفيق الحريري في دمشق، قبيل اغتيال الأخير، فراح الأسد في هذا اللقاء يهدد الحريري بأنه سيسحق رأسه!! فهل هذا التهديد يصدر من رئيس دولة أم رئيس عصابة؟ وفعلاً نفذ تهديده بعد أيام من هذا اللقاء، حيث أغتيل الحريري في عملية انفجار مدبرة بمنتهى الخبث والإتقان. والآن النظام السوري متهم بهذه الجريمة التي عقدت من أجلها محكمة جنائية دولية للنظر فيها. كما وسمعنا من مصادر عليمة، أن اللقاء الأخير في دمشق بين رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي، والرئيس السوري بشار الأسد، كان لقاءً متوتراً، على غرار الذي تم بين الأسد والحريري، حيث أطلق بشار الأسد العنان لصياحه وهياجه، ناكراً على المالكي حقه في مطالبته بتسليم المخططين لمجزرة الأربعاء الدامي (يوم 19 آب المنصرم) من المقيمين في دمشق. وفعلاً كاد أن يحصل للسيد المالكي بعد عودته من دمشق ما حصل للرفيق الحريري، حيث كانت عملية الإنفجارات في بغداد مخططة بمنتهى الدقة بحيث يصيب أحدها السيد نوري المالكي ولكنه نجا بالصدفة لأنه تأخر في الوصول إلى المكان المعين. وهذه الحادثة تؤكد دور مافيا البعث السوري في الأربعاء الدامي. دليل آخر على مافيوية النظام السوري وضلوعه في الإرهاب في العراق، هو ما أن أعلنت الحكومة العراقية عن عزمها في مطالبة الأمم المتحدة بعقد محكمة دولية للنظر في الإرهاب في العراق ودور بعض دول الجوار فيه، ورغم أن الحكومة العراقية لم تذكر سوريا في ضلوعها الجريمة بالاسم، إلا إن النظام السوري شعر بالخطر، فسارع وعلى لسان وزير خارجيته، وليد المعلم، بإطلاق تصريحات مفادها، أن سوريا هي التي ستطالب المنظمة الدولية بعقد هذه المحكمة للنظر في جميع الأعمال الإرهابية التي حصلت في العراق منذ عام 2003. وقد أراد النظام السوري بذلك أن يقوم بدور الوصاية على العراق وكأن الحكومة العراقية قاصرة تحتاج إلى من يدير أمورها في المحافل الدولية. وقد أثبتت الأحداث أن تصريح المعلم كان مجرد صرخة خائف، وتهديد لابتزاز الحكومة العراقية، وغطاء لإخفاء خوف النظام السوري من المحكمة الدولية، إذ ما أن تأكد النظام السوري من جدية الحكومة العراقية في عرض القضية على الأمم المتحدة، وملاحقة الدول الراعية للإرهاب، حتى سارع بشار الأسد يستنكر تدخل الأمم المتحدة في هذا الشأن، مدعياً، وكما جاء في مؤتمر صحفي عقده مع ضيفه الرئيس الفنزويلي، هوغو تشافيز، وكما نسبت وكالة الأنباء السورية إلى الأسد القول"إن التدويل لم يكن حياديا ولم يحقق انجازات، حقق فقط مآسي لنا"، مؤكدا أن "الحلول الصحيحة تأتي من أبناء المنطقة تحديدا، التدويل هو دليل على ضعفنا،... وهو اعتراف منا بعدم أهليتنا بإدارة شؤوننا سواء كانت هذه الشؤون صغيرة أم كبيرة". (تقرير بي بي سي، 4/9/2009). أليس هذا دليل على خوفه من المحكمة الدولية لكشف دور نظامه في الإرهاب؟ وقد بلغ الحمق والغرور بالنظام البعثي السوري حداً بحيث راح يعتبر قتل العراقيين مسألة داخلية وحق من حقوقه القومية وفق "الشرعية الثورية". وقد أجاد الأستاذ عبدالرزاق عيد في وصف هذه الحالة التي هي من أسس سياسة البعث السوري بقوله: ((هذا العنف الاعتباطي المريع الوحشي الذي تكون ضحيته مئات القتلى والجرحى، لا يمكن أن يصدر إلا عن أصحاب (الشرعيات الثورية) ذات الحساسية الوسواسية تجاه أية شرعية دستورية قائمة أو ممكنة، إن كانت في الخارج (العالمي) أو الداخل (العربي والإسلامي)، ولذا فإن النظامين اللذين يمكن أن يقتلا باطمئنان (أخلاقي)، هما نظاما (الشرعية الثورية ): الشرعية الثورية البعثية السورية، والشرعية الثورية الإسلامية الإيرانية ... هذه الشرعية هي التي تتيح للشاب وريث طغيان أبيه أن يتحدث بسلاسة عن الأخلاق، فهو يعتبر أن الكشف والتنديد بجرائمه أمر(لا أخلاقي)، لأنه ببساطة يعتبر أن جرائمه لها شرعية (أخلاقية) لأنها جرائم وطنية وقومية تستند إلى الشرعية الثورية ... وعلى العراقيين أن يعلنوا (افتداءه بالروح والدم) لانجازاته القومية على طريق أبيه قائد مسيرة النضال القومي ...!)). الغريب لدى الأعراب أنهم يعتبرون الحكومة الإئتلافية العراقية التي تضم ممثلين عن جميع مكونات الشعب العراقي، والتي شارك في انتخابها 72% من الناخبين العراقيين، هي حكومة عميلة ودمية نصبها الاحتلال الأمريكي، على حد إدعاءاتهم المتواصلة، بينما يعتبرون حكوماتهم التي اغتصبت السلطة من على ظهور الدبابات، وتسومهم سوء العذاب، وتبدد ثرواتهم في الحروب والمؤامرات والإرهاب، هي حكومات شرعية ثورية. وحقاً قال الصديق الأستاذ طعمة السعدي مقاله القيم بقوله: ((إن الحكومة الحالية تبوأت السلطة بانتخابات حرة ونزيهة لم يشهد لها العراق مثيلاً في عصره الحديث أو القديم، ولم يفز بها أحد بنسبة 99.999999999% كما كان يدعي صدامكم الغبي المغفل، وحزبكم الفاشستي الذي كان يسير وراء صدام كما تمشي الكلاب السائبة خلف من يلقي اليها العظام.)) لقد عاتبني أحد الأخوة السوريين على مخاطبتي لبشار الأسد بالرئيس السوري، في مقالي المشار إليه أعلاه، فكتب تعليقاً عليه بعنوان (توضيح وتصحيح) في الحوار المتمدن، جاء فيه: نؤكد للمرة الألف أن النظامين، السوري "العلماني" والإيراني "الإسلامي" لن يتورعا عن ممارسة أخس الوسائل الماكيافيلية لتحقيق أغراضهما في العراق والمنطقة، بما فيه التحالف مع القاعدة الوهابية السعودية. وستبقى دول المنطقة غير مستقرة، ورافضة للأنظمة الديمقراطية الدستورية، طالما بقي هذا التحالف غير المتجانس، السوري- الإيراني- السعودي، لإجهاض الديمقراطية في العراق، ولكل غرضه الخاص. ولكن في نفس الوقت، نؤكد لهؤلاء جميعاً، أن الديمقراطية في العراق هي ليست مسألة اختيار، بل هي ضرورة حيوية ملحة فرضتها غريزة البقاء، لأن بدون السير قدماً في بناء النظام الديمقراطي وهما كانت الصعوبات والتضحيات، سيكون البديل فناء الشعب العراقي. والشعب العراقي قد أدرك هذه الحقيقة وعرف طريقه وحسم أمره من هذه المهمة المصيرية. |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ٣ صوت | عدد التعليقات: ٤ تعليق |