إعداد: نبيل المقدس
في سفر أعمال الرسل 6 : 2-4 [ فدعا الإثنا عشر جمهور التلاميذ وقالوا لا يرضي أن نترك نحن كلمة الله ونخدم موائد, فإنتخبوا أيها الإخوة سبعة رجال منكم مشهودا لهم ومملوئين من الروح القدس وحكمة فنقيمهم علي هذه الحاجة, أما نحن فنُواظب علي الصلاة وخدمة الكلمة.]
عندما نتمعن في هذه الآيات نندهش أن الكنيسة الأولي هي التي أعطت حق الإنتخاب بكامله للشعب دون التدخل الرياسي من الرسل , كما أن عملية الإنتخاب لم تضم الرسل أنفسهم بل أعطوا لشعب الكنيسة حق حرية الإنتخاب وممارسته بالنسبة لخدام الكنيسة أي الذين يقومون بإدارة شئونها الحياتية. بذلك تكون الحياة المسيحية قامت بتأسيس نظام للكنيسة قائم علي قاعدتين ... أولهما مسئولية روحانية , وهي الخاصة بالرسل للتفرغ الكامل للمسئولية الكبري الملقاة عليهم من صلاة ووعظ وتعاليم وشرح قواعد الإيمان ... وثانيهما مسئولية الشئون الدنياوية والتي تشمل النواحي المالية والإقتصادية والإجتماعية علي عاتقي الشمامسة . أي أن الكنيسة نفسها عملت علي فصل الحياة الروحية عن الحياة الدنياوية ... لذلك فهي تكاد تكون قد إقتربت بالمناداة بالعلمانية في هذا الوقت . ولولا لم تكن معروفة هذه الكلمة في حينها كنا نسبنا العلمانية إلي المسيحية مباشرة ... لكن العلمانية مرت في مراحل كثيرة حتي وصلت إلي هذا الشكل الحديث أمامنا.
نلاحظ أيضا أن كلمة إنتخبوا خرجت من أفواه الرسل موجهة إلي جمهور التلاميذ ( شعب الكنيسة) وممارستها عن طريق الإختيار أو ما نطلق عليه بالإنتخاب الحر ... لم يلتجيء الرسل إلي عملية الإقتراع ... فقد إنتهت من الإنجيل بحلول الروح القدس. وأصبح جمهور التلاميذ أو شعب الكنيسة والمملوء من الروح القدس هم المسئولين عن عملية الإنتخاب لمن هو لائق لكل عمل في الكنيسة ... آخذين في الإعتبار أن الروح القدس هو الذي يدبر كل أمور وشئون الكنيسة , وأن المسيح هو فقط رأس الكنيسة لينظر وليسمع وليبارك.
الإلتجاء إلي القرعة معناه غياب الروح القدس وتجاهله ... فتصير عملية الإنتخاب باطلا ... وعندما نعيد قراءة الآيات السابقة وألتي ذكرتها في أول المقال نلاحظ أن جميع الرسل تجنبوا الدخول في ممارسة الإنتخابات حتي يتركوا للروح القدس التدخل المباشر عن طريق جمهور التلاميذ ... فيصبح إختيارهم ( شعب الكنيسة) للمنتخبين معطاة مباشرة من الروح القدس , وكما يقول " متي المسكين أنها سوف تكون أضمن وسيلة للخدمة لتكون حرة وموحاة بتدبير الله مباشرة .... كذلك ليكون الشعب راضيا ومسئولا عن الذي سينتخبه ليخدمه , لأنه هو الذي سيختاره.
هذا حدث في مجال شعب الكنيسة في مهدها ... وواضح جدا أن هذا الحدث هو نموذج لنظام الحياة بأكملها ... وهو فصل الدين عن شئون الدولة ... وممارسة الحياة الإنتخابية في حياتنا الديناوية وإنتخاب من يتولي مسئولية أمورنا المالية والإقتصادية والإجتماعية , متمثلة في المجالس النيابية وغيرها من جميع مؤسسات الدولة .
بالنسبة لمصر وبالرغم أن نظام الدولة التي لها السيادة هو نظام إسلاميي وأكثريته من المسلمين ، إلا أن الله قد أمر بالخضوع لسلطاته كما أكد الرسول بولس في رسالة رومية رو1:13-7 [. لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة لأن ليس سلطان إلا من الله والسلاطين الكائنة هي مرتبة من الله حتى إن من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله والمقاومون سيأخذون لأنفسهم دينونة فإن الحكام ليس خوفاً للأعمال الصالحة بل للشريرة...... ]
نلاحظ في الآيات السابقة أن الخضوع للسلطة هو أمر كتابي واضح فقد إستخدم الرسول بولس في البداية كلمة لتخضع وهو فعل أمر واجب التنفيذ. كما أكد بولس أن الحكام مرتبين من الله ويستمدون سلطانهم من الله وأن من يعمل الصلاح لا يخاف منهم. من الواضح أيضاً أن من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله والمقاومون سيأخذون لأنفسهم دينونة. لأن من يقاوم السلطان كأنه يحارب الله ويقف ضده فيصبح ضد الخضوع لله ومن لا يخضع له يخرج خارج خطته ومشيئته وبالتالي يأخذ لنفسه دينونة.
ويتفق بطرس أيضاً مع بولس في الخضوع للسلطة وأنه كأمر إلهي , ففي رسالة بطرس الأولى13:2-17 يقول.. [فاخضعوا لكل ترتيب بشري من أجل الرب. إن كان للملك فكمن هو فوق الكل أو للولاة فكمرسلين منه للإنتقام من فاعلي الشر وللمدح لفاعلي الخير لأن هكذا هي مشيئة الله أن تفعلوا الخير فتسكتوا جهالة الناس الأغبياء كأحرار وليس كالذين الحرية عندهم سترة للشر بل كعبيد لله أكرموا الجميع. أحبوا الأخوة. خافوا الله. أكرموا الملك ].
لكن هل معني هذا أنه علينا الخضوع مهما وقع علينا من ظُلم من حكومة الأغلبية لكي نتبع أحكام الله ونرضيه .؟ هل علينا أن نتقبل الإهانات والإزدراءات علي عقيدتنا من الصباح إلي المساء ؟. هل لأن دين الدولة هو دين الأغلبية يُلغي حقوق الأقليات ويحددون لهم كيف يقومون بالعبادة , وتعجيزهم في تصاريح بناء دور العبادة ؟, ولا نقوم باي إجراءات عكسية مملوءة عنف أو سلم لكي نأخذ حقوقنا المسلوبة وخصوصا أن مواد الدستور تساند وتعضد الأكثرية ؟؟ هل نتخذ موقف الأعمال السلبية في المطالبة بأن تقوم الحكومة بحماية الأقلية ....!!! ؟؟
واضح من الكلمات السابقة أن الخضوع للسلطات مهما كانت قاسية أو ظالمة , فهو أمر إلهي علينا أن نتقبله ... لكن الله لم يتركنا تحت نير هذا الظلم أو تحت رحمة توجهات السلطات الفكرية والعقائدية ... فقد أعطانا الرب قانون الإنتخابات , ووضعه أمامنا لكي نعمل به آخذين روح الرب مرشدا لنا ... نحن نشكر الرب هنا في بلدنـــا مصر أنه في إستطاعتنا أن نمتلك بطاقات انتخابية لكي ننتخب من هو المناسب لنا ... ومن هو الذي يستطيع أن يوازن جميع المتطلبات لجميع الطوائف.
علينا إستغلال عمليات الإنتخاب ... وأن نترك السلبيات ولا نترك أنفسنا للخضوع الذي تسببنا في وجوده ... بل علينا التكتل في الذهاب إلي صناديق الإنتخاب لكي نقوم بالواجب الإلهي .
[فإنتخبوا أيها الإخوة رجالا منكم مشهودا لهم ومملوئين من الروح القدس وحكمة فنقيمهم ليراعوا أمورنا .]...!! |