بقلم : مفيد فوزي |
أحفظ عن ظهر قلب عبارة جاءت علي لسان أحد أبطال مسرحية شكسبير تقول( السعادة.. نوم عميق), ولا أظن أني تذوقت طعم هذه السعادة كثيرا, الأرق, ضيف شرف في نومي, ومن هنا لجأت الي المنومات المصنوعة من أعشاب ويبدو أن الجهاز العصبي من فرط تعوده علي منوم بعينه لم يعد يؤثر فيه... وأصبح النوم عصيا, الأرق زائر ليلي يجلس علي حافة سريري, ولا أجد بجواري سوي الروموت كنترول, المنقذ, في هذه اللحظات, أتجول به في صندوق الدنيا.. تلك الشاشة العريضة بعرض الحياة, تلك الليلة لم أكن نصف نائم, بل كنت يقظا و... أرصد! بضغطة خفيفة علي الروموت, ملأت الشاشة أم كلثوم تغني( من أجل عينيك) قصيدة لشاعر سوداني, الموسيقيون خلف كوكب الشرق بزي أسود وبابيون أبيض, الاحترام يسود العلاقة بين أم كلثوم وجمهورها والجمهور في أبهي ما عنده, وتسريحات النساء أكاليل ورد فوق الرءوس.. والرجال يصفقون ويستحسنون ولكن عطر الاحترام يفوح من صالة وبناوير تعرف آداب الاستماع, اسمع أم كلثوم تشدو القصيدة وهي تسقي حروفها احساسا كلثوميا ـ نعم, ان قصائد أم كلثوم التي غنتها روجت للفصحي, ضغطة أخري علي الروموت أخذتني الي قصيدة لنزار صار يستطيع أي شاب وسيم ولو كان صوته صوت ضفدعة, مقدما لبرامج علي الشاشة, وصار بعض أصحاب الفضائيات يحاورون( بفلوسهم)! وصارت المخرجة مذيعة والممثلة مذيعة ومهندسة الديكور مذيعة, ناهيك عن جيش جرار من الصحفيين صاروا مذيعين دون سابق إعداد أو لهم( طلة) بأن الأمر وكأن الشاشات أفران لا تتوقف! وبسبب هذه الخلطبيطة, فإن كليات الإعلام وأكاديمياته أصبحوا في مأزق, فأين يذهب الخريجون والخريجات بعد أن ذابت الحدود الفاصلة بين المذيعة والممثلة, وما قيمة الدراسة والبحث مادامت أي( شابة, أجاد الله توزيع60 كيلو وزنها) قادرة علي الجلوس في مقعد المذيعة؟ جلست أفكر والليل من حولي ساكن والدقائق تمضي بطيئة والأرق لا يرحل, وبضغطة فوق الروموت, جاءت بشخصية تتكلم علي الشاشة, وردد مديحا لمسئول أربع مرات خلال5 دقائق وأزعجني هذا النفاق, وتساءلت ما هدف النفاق.. مال..؟ منصب؟ محافظة علي الكرسي؟ انها أشياء زائلة لا تساوي أن يخسر الإنسان نفسه ويظهر ضعفه وعورته أمام الملأ, انه ـ بلغة الحس الشعبي ـ( مسح جوخ) رخيص يندرج تحت الفهلوة المصرية أو غياب المعايير الصحيحة. حين كانت تأتي أمامي مسلسلات( موائد الرحمن الدرامية) كنت أهرب من الاعلانات التي لا تسعد إلا جابي هذه الاعلانات, أما الناس العاديين مثلي, فالاعلانات بحجمها المهول تقطع التواصل مع أحداث المسلسل أو سياق البرنامج, ولا يهم صاحب القناة أن يرتفع ضغطك وربما لا يعلم أنك تنصرف عن المشاهدة. يكاد يقترب الفجر ولم يداعبني النعاس, قمت من سريري الي باب الشقة ربما أجد صحيفة معلقة في أكرة الباب, ووجدتها وتصفحت عيناي المثقلة بقلة النوم السطور وانهار الكلمات المحشوة بها الأعمدة لاحظت( المبالغات) في الأوصاف, فمن يكتب أن فلانة( مخ) وهي محدودة! ومن يكتب أن أحد المحافظين( عنده الحلول لكل مشكلاتنا)! ومن يكتب أن وزيرا ما خسرته مصر, وربما في نفس الصفحة أن الوزير أساء الي مصر! السالب والموجب بنفس الحرارة! شأشأ الفجر, وبدأت أفكر: هل نحن نتقدم أم نتأخر؟ هل نحن نتطور أم نتخلف؟ هل مظاهر الحراك الاجتماعي قفزة أم ورطة؟ ومنذ متي كان التحديث مرمطة للقيم والمعايير, وهل نحن بلد فقير أم يدعي الفقر؟ هل تقلصت الصفوة؟ هل نكذب ونردد أكاذيبنا فنصدقها؟ هل من فرط الصخب في المجتمع صرنا لا نسمع سوي أنفسنا؟ هل تسربت جرائم الأرحام ـ التي طفت علي سطح المجتمع ـ الي أقلام وحناجر البعض فصاروا يؤلمون أمنا.. مصر؟ طلع النهار, ولم استطع النوم, واكتشفت أن ذلك الأرق الذي يزورني ليالي كثيرة هو في حقيقة الأمر.. أرق عام. نقلا عن الأهرام |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ١ صوت | عدد التعليقات: ٠ تعليق |