بقلم: ماجد سمير
نتقابل بالليل على قهوة أبو "نادم" جملة طبيعي إنك تسمعها في الجيزة، كل المنطقة تقريباًَ بتتقابل في القهوة، ويفضلوا قاعدين عليها لحد بعد نصف الليل سواء فرداني أو جماعات منهم اللي بيلعب طاولة أو دومينو أو اللي بيدخن شيشة، وطبعاًَ بيتناقشوا في كل حاجة.
وأبو"نادم" إسمه الأصلي "مسعد" الصعيدي أبوه جه الجيزة من بلدهم في الصعيد وإستقر فيها وإشتغل كذا شغلانة لحد ما إشترى القهوة اللي كانت زمان مخرن لشركة أقطان بتاعة خواجة "جريجي" إسمه "بنايوتي" سافر اليونان بعد التأميم، والمخزن إتباع في المزاد ورسي على أبو مسعد اللي تقريباًَ باع طين في البلد علشان يأخذ المخزن ده وقلبه قهوة بعد كده، وورث مسعد القهوة بعد ما أبوه مات.
وحكاية إسم "أبو نادم" اللي طلع عليه سببها إنه خلف ولد سماه "نادر" فطبيعي يبقى إسمه "أبو نادر" لكن مسعد دايماًَ عنده إحساس دائم بالندم، يعني مثلاًَ بيندم إنه مكملش تعليمه، وإلا كان زمانه حاجة تانية، كمان بيندم على إنه مقدرش يقنع أبوه بالرجوع تاني للصعيد ويشتروا طين تاني ويعيش سلطان زمانه، ويندم على ..... وعلى ......
فعلى طول إصطادته الست عطيات اللي عندها قدرة غريبة جداًَ في إطلاق الأسماء على الناس بشكل ينطبق عليهم وأولهم عم "جاز" بياع الجاز الشهير بالجيزة، فراحت مسمياه "أبو نادم" والحتة كلها نسيت إسمه الأصلي، كمان الست عطيات مسبتش صبيانه في القهوة على طول راحت مطلعة عليهم أسماء اللي واقف على النصبة بقى إسمه "كنكة" والباقيين عاشور"تفل" وحلمي "حصى" أما الواد محسن اللي شكله خواجاتي على الآخر راحت مسمياه "جميس بن"
يوماتي بيتجمع على القهوة أولاد الحتة وعلى الساعة سابعة بالضبط بيجي "كلكع عقُد الدولة" موظف الأرشيف اللي ساكن في آخر الشارع بكرشه الشهير.
وتبدأ مشكلة كل يوم لأن الراجل بيصر إنه يتفرج على التمثيلية في الوقت اللي بيبقى كل اللي قاعدينٍ عايزين ماتش الكورة، وبيصرخ صبي القهوة ويقولوا يا عم "أبو مختار" أرجوك إتفرح على التمثيلية في البيت وبعدها تعالى شرفنا إشرب اللي إنت عايزه، ويروح ملفوت ل "أبو نادم" و يقول "يا معلم وبعدين في المشكلة بتاعة كل يوم دي عم أبو مختار عايز التمثلية والناس عايزة الماتش"، يقوم "أبو نادم" من مكانه اللي في نص القهوة بالضبط اللي بيقدر من خلال قعدته يتابع النصبة وكنكة وهو واقف شغال، وتحركات صبيان القهوة "تفل" أو "جميس بن" أو "حصى" حسب الوردية، وكمان الزباين وطبعاًَ مفيش مانع من متابعة التليفزيون، ولما يوصل عند "كلكع" يقول له يا "أبو مختار بلاش مشكلة كل يوم دي إتفرج في البيت وأنا ورحمة أبويا هأجيب تليفزيون تاني مخصوص علشانك"، يرد كلكع ويقول له "أنت بقى لك يجي ميت سنة بتقول الكلام دا ومبتجبش حاجة"، ويروح معلي صوته وقايل "إمبارح شغلتوا الماتش يبقى النهاردة نتفرج على التمثيلية".
يرد "أبو نادم" مش معقول أزعل كل الزباين دي وأرضيك أنت يأ ابو مختار ، يشخط فيه "كلكع" أنا زبون من أيام المرحوم أبوك ورضايا أهم من العيال دي، ويفضل الحوار شغال بالطريقة دي لحد ما يروح أبو نادم معلن قصائد الندم المعتادة، أنا إيه اللي شغلني الشغلانة دي، أنا عارف أبويا مرجعش الصعيد ليه وهكذا لحد ما "سعيد ميسد كول" صاحب محل الموبايلات اللي جنب القهوة يجي ويروح قاعد جنب "كلكع" ومطلع موبايل صيني ويشغل التليفزيون اللي عليه ويقول "لكلكع" إتفرج على التمثلية في التليفزيون بتاع الموبايل دا يا عم أبو مختار.
يرد عليه "كلكع" ده صغير قوي هو أنا شايف قدامي، ويبتسم ويبص لسعيد ويقول له هو دا اللي بيشغل خطين، يرد "سعيد" أيوة هو، إبتسامة "كلكع" تزيد ويطبطب على كتف سعيد وقولوا بصوت هادى ممكن يا أبني أعمل مكالمتين، يعني من كل خط مكالمة، يرد سعيد ويقول "مع الأسف ياعم أبو مختار مفيش رصيد على أي خط فيهم"، يشخط فيه "كلكع" إخص عليك واد بخيل زي أبوك، ويدي لسعيد الموبايل في إيده ويقول له خد الهباب ده، أنا هروح أتفرج على التمثيلية في البيت جاتكوا القرف عيال واطية، ويقوم يمشي ببطء وهو بيسند على عكاز، يغمز سعيد لأبو نادم اللي يضحك له من موقعه الإستراتيجي داخل القهوة ويشاور بإيده لسعيد يشكره على حل المشكلة ويقسم إنه لازم يجيب تليفزيون تاني مخصوص علشان "كلكع".
وإسم "كلكع" دا محدش يعرفه في الحتة إنما إسمه الحقيقي "فرج أبو الفتوح" و"كلكع" دي طلعت عليه لما إتعين في وزارة الأزمة من فترة شاب إشتغل معاه في قسم الأرشيف، والشاب دا لاقاه معقد الدنيا في وش المواطنين وزمايله في الشغل فراح قاله إنت إسمك فرج وأبو الفتوح إزاي دا أنت توقف حال بلد كاملة، وراح مسميه "كلكع عُقد الدولة".
وقبل الماتش بشوية بدأت الناس تهل واحد وراء التاني، أستاذ أسامة ميخائيل مدرس الجغرافيا في السعدية الثانوية أشهر مدارس الثانوي في مصر كلها، وعبد الله صاحب محل الحدايد والبويات، وفتوح إبن باتعة صاحبة كشك السجاير اللي على ناصية الحارة الضيقة، وأشرف إبن باهر التابعي صاحب محل إكسسوار السيارات وبقية الشلة.
وبدأ الماتش ومعاه التعليقات والشد والجذب على الأهلي والزمالك، وتنقسم القهوة نصين وكأنها حرب أهلية أو الحتة إضربت بفتنة كروية، وفجأة يقول عبد الله بعد ما مصمص شفافيه بحزن القعدة دي ناقصة "عبده على ماتفرج" ده من ساعة ما مشي يوم ما جاله كشاف الغاز ومفيش أخبار عنه، بيص لعبد الله الجميع ويسكتوا تماماً، ومبيقاش في القهوة غير صوت المذيع اللي عمال يصرخ، ثواني ويركزوا تاني مع الماتش ويرجعوا يتخانقوا ويغيظوا في بعض.
ومن مكانه يتفرج "أبو نادم" على الناس ويقول لنفسه بجد الناس دي عجيبة بتدافع عن حقوقها الكورية بشكل فظيع ولما ييجي دور الدفاع عن أي حقوق بجد بيبقوا زي مايكونوا واقفين "أوف سايد"، وميقدروش يجيبوا حتى "كورنر"، وكل مرة يصفر الحكم والفريقين ياخدوا بمبة والفائز الوحيد بالدوري على طول هو إتحاد الكوسة والقرع، ويتلفت على صوت "زكريا كوع" السباك داخل القهوة ومعاه إثنين غرب عن المنطقة وبيقول لكنكة على النصبة واحد شاي "فريسكا" وإثنين حلبة حصى وشيشة معسل، ويبص لصبي القهوة ويقولوا خلي بالك "يا تفل" الحساب عند "أبو نادم". |