CET 00:00:00 - 18/03/2009

مساحة رأي

بقلم: محمد عبد الفتاح السروري
السؤال... هل يتعاطف الأقباط مع الفلسطينيين في صراعهم المرير مع الإسرائيليين؟، هل يشعر الأقباط بأنهم بالفعل يمثلون الجانب العربي من طرفي الصراع؟، وهل انتصار الفلسطينيين يعد انتصاراً ضمنياً لجميع سكان المنطقة العربية بما فيها الأقباط من هذا الصراع؟، والسؤال الأكثر أهمية كيف استطاع الإسرائيليون تحويل الصراع في فلسطين المحتلة من صراع ثلاثي الأبعاد (يهودي – مسيحي – إسلامي) كما كان معتاد دائماً وتحويله إلى صراع ثنائى (يهودى – إسلامي) يمثل فيه اليهود وحدهم وجه النظر الغربية ويمثل الجانب الإسلامي وجه النظر الأخرى؟.
على الرغم من المكانة الهائلة التي تحتلها الأراضي الفلسطينية في الضمير المسيحي العالمي إلا أن اليهود وببراعتهم المعتادة استطاعوا أن يجعلوا من أنفسهم حراساً على هذه الأراضي المقدسة، وبعد أن كان اليهود يُطردون مع من كل أرض يحتلها جنود الحملات الدينية المسيحية في سالف الأزمان تغير الأمر وأصبح الآن اليهود وحدهم هم حراس الأرض المقدسة من وجه النظر الأوربية أو هكذا يبدو الأمر.
المفارقة أن المكانة التي تحتلها فلسطين في قلوب وأفئدة المسيحيين في كل أنحاء الأرض المفروض أنها تتجاوز بكثير المكانة التي تحتلها في قلوب وأفئدة كل من المسلمين واليهود، لأنه كما هو معروف فإن المكانة التي تمثلها فلسطين عند المسلمين هي مكانة اكتسبت أهميتها من أن هذه الأرض هي التي يوجد فيها أولى القبلتين لدى المسلمين وهو المسجد الأقصى بها (مسرى نبى المسلمين كما هو معروف ومعتقد في الإسلام)، أما المكانة التي تحتلها لدى اليهود في أنها الأرض التي وعد الله اليهود أن يجمع شملهم فيها بعد طول شتات، أما عند المسيحين فهي الأرض التي ولد عليها السيد المسيح ومن البديهي أن تكون هي الأكثر أهمية لدى مسيحيو الأرض نظراً لمكانة المسيح وما هو مُعتقد فيه سواء عند (الكاثوليك أو الأرثوذكس)، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا لماذا لا يشعر الضمير المسيحي العالمي بإفتقاد أرض فلسطين كما كان يشعر بها أجدادهم القدماء والتي من أجلها شنوا حروباً طاحنة؟.
هذا بالنسبة إلى المسيحيين من غير أبناء الوطن العربي أما فيما يخص أقباط مصر تحديداً ومسيحيي الشرق عموماً فإن ذلك يعود بنا إلى أول الحديث... ما هو موقف الأقباط من قضية فلسطين؟.
في الحقيقة... أننى لا أرى موقفاً مؤيداً من أقباط مصر للفلسطينيين ولا أشعر أن هناك تأييداً شعورياً لهم وقد يعود هذا لعدة أسباب.... وأول هذه الأسباب وأكثرها أهمية هي (أسلمة) القضية الفلسطينية من جانب المسلمين وتحويلها في الخطاب السياسي والإعلامي من قضية أرض محتلة إلى قضية أرض إسلامية محتلة ومن كونها قضية تتعلق بالكفاح ضد مستعمر أو محتل إلى قضية إسترداد (المسجد الأقصى)، وأنا أظن أنه لا يوجد أحد من الأقباط يمكنه يتخيل أن يدفع حياته ثمناً في حرب من أجل استعادة المسجد الأقصى ومعه في ذلك حق (هل يقبل أحد من المسلمين أن يدفع حياته أو حياة أحد أبناؤة دفاعاً عن كنيسة القيامة؟).
لقد أخطأ المسلمون كثيراً عندما تعاملوا مع القضية الفلسطينية على أنها قضية إسلامية في المقام الأول وكان الأحرى بهم أن يحولوها في خطابهم العام وخطابهم الدولي إلى قضية إنسانية تتعلق بالكفاح المشرف لإستعادة حق مسلوب... أما أن ينّصب الحديث الإعلامى والسياسي (والمنبري) ليلاً ونهاراً على أن قضية فلسطين هي قضية المسجد الأقصى قد حصرها في خانة واحدة وجعل منها قضية فئة معينة من الناس دون غيرهم حتى وإن كانوا متعاطفين معهم.
في جميع الملصقات الدينية التي تخص التيار الديني في مصر نجد عبارات من نوعية (اللهم أعد إلينا الأقصى) وأقول الملصقات الدينية وليست الملصقات السياسية كما أن لافتات صلاة العيدين الفطر والأضحى من كل عام تكون محاطة بكم هائل من الشعارات الدينية التي تدعو المسلمين (والمسلمين وحدهم) إلى العمل على استعادة المسجد السليب أكثر مما تدعوهم إلى استعادة الأرض السليبة، فبأي قلب وعقل من الممكن أن يتعاطف الأقباط مع هذا الخطاب خاصة وأنه خطاب حماسي شديد النبرة زاعق الهتاف.
لقد استطاع اليهود ببراعة أن يحولوا الصراع إلى صراع ديني صرف وانقاد المسلمون (كعادتهم) إلى هذا الصراع كما خطط له أبناء عمومتهم، ولو كان لدى العامة منهم قليل من الحصافة السياسية والتاريخية لرفضوا جميعاً أن يتم تحويل هذه القضية الإنسانية العامة إلى قضية دينية صرفة.
لقد استطاع مناضلين من أمثال جيفارا وغاندي ومانديلا أن يكونوا خير واجهه لقضيتهم العادلة لأنهم عندما تحدثوا عن مأساتهم ومأساة بلدانهم لم يتحدثوا من وجه نظر دينية وذلك على الرغم من أن بعض المحتلين لبلادهم كانوا مخالفين بهم في الديانة، صحيح أن الصراع أساساً لم يكن صراعاً دينياً كما هو الحال في قضية فلسطين لكنني هنا أتحدث عن طبيعة العقلية نفسها التي لم يرد على خاطرها إدخال العامل الديني في الخطاب.
فهل يستطيع أحد من الأخوة الفلسطينيين أن يذكر لى اسماً من أسماء مناضليهم استطاع أن يحفر له مكانة في قلوب العالم مثلما حدث مع جيفارا وغاندي؟!!! (لا تقولوا عرفات فهو محل خلاف حتى بين الفلسطنيين أنفسهم)
إن أسلمه القضية الفلسطينية قد أضر بها كثيراً كما ذكرت وكان من الأفضل أن يكون جميع المتحدثين باسمها من أنصار المجتمع المدني ويكون لهم خطاب حضاري مختلف بالكلية عن الخطاب السائد حالياً... فلا يمكن لعاقل أن يتعاطف مع الخطاب الإسلامى لقضية فلسطين خاصة وأن جميع المتحدثين لهذا الخطاب يملكون حنجرة رائعة ولا يملكون عقلاً يوازي هذه الحنجرة في قوتها كما أن الكثيرين منهم مرفوضون من المجتمع الدولي ومن المجتمع العربي أيضاً.
لقد كان من الممكن أن يمثل الصوت المسيحي العربي عاملاً هاماً من عوامل استنصار العالم الحر لقضية فلسطين نظراً لما كان سوف يمثله هذا الصوت من توازن في الخطاب وعقلانية في الطرح وكان يجعل منها قضية إنسانية تخص مشترك إنساني بدلاً من مخصوص ديني.
ولكن هذا الصوت المسيحي العربي ضاع في وسط هذا الصخب الإسلامي الذي يعشق الهتاف ويفخر بالعناتر وينتظر نصراً على يد أشخاص هم أبعد ما يكونوا عن المضي قدماً في المنهج الذي يؤدي إلى الإنتصار في أي صراع أياً كان.
إن الأرض التي ولد عليها المسيح ليست ملكاً للمسيحيين فقط وليست حكراً على اليهود وحدهم كما أنها لا تخص المسلمين دون غيرهم بل هي أرض خلقها الله وجعل منها محط قلوب وافئدة أتباع الديانات الثلاث، وبدلاً من أن يتكافل الجميع ليجعلوا منها أرضاً للإيمان جعلوا منها أرضاً للدماء تموج فيها الكراهية والبغضاء ويريد كل طرف أن يستخلصها لنفسه بمزاعم دينية يرى أتباع كل دين أنهم الأحق بها.
الصراع الآن بين المسلمين وبين اليهود (وكان من الأفضل ألا يكون هناك صراع أساساً) بعدما خرج مسيحيو الأرض من الصراع وخرج مسيحيو المشرق منه أيضاً، فلقد أصبحت أرض فلسطين الآن إما أرضاً للميعاد أو أرضاً لأولى القبلتين ونسى الجميع أنها الأرض التي وُلد عليها المسيح أو تناسوا، وياليتهم يتذكرون ففي هذه التذكرة فائدة قد تعيد التوازن لصراع ثنائي طال به الأمد حتى ملّه الجميع كما أنه سوف يحوّل القضية من مشكلة ثنائية إلى ثلاثية وحينذاك قد يتفق الأطراف الثلاثة على حل تنتظره أجيال لا تريد حرباً ولا قتالاً ولا ترغب في أن تعيش في ظلال الكراهية التي تجد لها سوقاً رائجة بيننا في هذه الأيام.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٤ صوت عدد التعليقات: ٧ تعليق