بقلم: طارق حجي |
(*) ذكرني صديق كنت أحرر معه سنة 1971 مجلة أدبية - ثقافية (الربابة) كانت تصدر عن نادي الثقافة العربية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة بست شعراء كنا معاً نتغني بأشعارهم وهم ناظم حكمت وبابلو نيرودا وأراغون وغارسيا لوركا ومايا كوفيسكي وبول إيلوار . هؤلاء الشعراء كانوا رفاق سنوات من حياتنا ابان حقبة لم تكن دنيا منطقتنا خلالها قد تلونت بالوان الثيوقراطية-الماضوية التى تفشت فى مجتمعاتنا فأصبح الناس يقرأون فتاوي مفكر تنويري عظيم (!) مثل إبن باز ومفكرين (عمالقة !) مثل سيد قطب والسيد سابق والعثيمين ومتولي الشعراوي ومحمد الغزالي والقرضاوي ومحمد عمارة والعالم العلامة والبحر الفهامة عمرو خالد ... بينما كنا نحن منذ أربعين سنة من الضالين اذ كنا نضيع وقتنا وجهدنا مع ألبير كامو وجان بول سارتر ومارتن هايدغر وغابريل مارسيل وبرتراند رسل وجون ديوي ووليام جيمس وآلتوسير وهربرت ماركوزا وجان جينيه وفريدريش ديرنمات وماكس فريش وبول إيلوار وصمويل بيكيت ويوجين يونيسكو وجون شتاينبيك .... وعشرات غيرهم ممن لا تبلغ قامة أي منهم عشر قامة أي من أفذاذ زمانهم مثل العبيكان (وما أدراك ما العبيكان) والنجيمي وسائر العمالقة الذين يستحي أرسطوطاليس أو سبينوزا أو جان جاك روسو أو فولتير أو ديدرو أو عمانوئيل كانط أو هوبز أو لوك أن يقارنوا أنفسهم بأي منهم ... تري هل حسر موجة الماضوية ووقف مسيرة الهجرة لماضي لم يوجد ببهائه ومجده المتخيلين إلا فى أوهام بعضنا ، ناهيك عن إمعان البعض فى النأي بعقول أبناء وبنات مجتمعاتنا عن مسيرة الحداثة والرعب الهستيري من العصرنة - هل هذا قابل للإحداث ؟ أم أن المسيرة الماضوية (بالغة الاستنارة ! ) ستتواصل وأن الشقة بيننا وبين مسيرة الإنسانية سوف تتفاقم ، وأننا سنواصل مسارنا صوب حرب كونية بين فريقين : فريق الماضوية والماضويين وملاك الحقيقة المطلقة وحدهم دون سواهم ، وفريق الحداثة والتقدم والعلم والأنسنة ؟ ... يقينا " لست أدري " . (**) فاضل إيه تاني ؟ تفوه بها صديق تعليقا على فتوي لرجل دين السعودي بحرمة البوفيه المفتوح (!!!!) ... ثم نظر هذا الصديق صوبي وسألني : "ماذا تبقي ؟" وكان جوابي كالتالي : تبقي أن علي كل عاقل أن يرفض أن يكون هؤلاء البسطاء انصاف المتعلمين واصحاب المحصول المعرفي والثقافي المتواضع بمثابة مرجعية بالنسبة له . العيب ليس عيب هؤلاء الذين نصبوا انفسهم دعاة ومراجعا (فهم ثمرة ظروف اجتماعية واقتصادية وتعليمية وثقافية جد متواضعة) ، وإنما عيب النظام السياسي والمجتمعي والثقافي والتعليمي الذى يجعل منهم مرجعية . بإختصار مالم تكن مرجعيتنا الوحيدة هى العلم (العلم فقط) فسوف نصبح قريبا محمية أنثروبولوجية يحيطها العالم المتحضر بسور ويقوم بدراستها ككائنات أحفورية (حفريات) ... حقيقي أن الجرثومة جائتنا من ترابستان ، ولكن مسئوليتنا لا تنكر ، فمعظم الناس من حولنا تآكلت عقولهم وصاروا مضحكة العالم المتمدن. و بدون توفر إرادة سياسية لوقف هذا الطوفان من مضادة العلم والتقدم وسلطان العقل. وأكرر اننا فى طريقنا لأن نصبح بؤر معزولة سيحيطها العالم المتمدن بالأسوار كمراكز الحجر الصحي ويعتبرها محميات أنثروبولوجية ويرسل علماءه لدراسة شعوبها الأحفورية ، وبالذات تلك الكائنات البدائية التى تنظر لهم شعوب منطقتنا كمراجع و قادة رأي فى محميتاهم الأنثروبولوجية. (***) لاشك أن الثقافة العربية - الإسلامية القرون - أوسطية المضادة للعقل والتمدن والتقدم والأنسنة الممولة بالبترو- دولار قد تفشت فى معظم المجتمعات العربية والإسلامية ، وقد تهيئت لها البيئات بفعل الإستبداد والقيادات المترعة فى الجهل والفساد وفى ظل مؤسسات دينية وتعليمية غارقة فى الجهل والماضوية والثيوقراطية ... ولاشك أن سياسة القوي العظمي الوحيدة القائمة على التحالف مع السعودية (ركن الأساس فى نشر ورعاية وذيوع الإسلام السياسي ) لاشك أن كل تلك الحقائق جعلت من يفهمون ما حدث ومل هو حادث ، وهم قلة وسط سواد أعظم من الغوغائية القرون-أوسطية والذين علي كل موضوعي أن يتسامي عن لومهم ، فما هم إلا ثمرة حقائق تاريخية وسياسية وإقتصادية وإجتماعية وثقافية ما كان لها إلا أن نتنتج هذه الثمرة المسممة ... إنني أكتب هذه الكلمات وأنا محاط بأمواج وأنواء وعواصف الإحباط ، لا سيما وأن أقرب الناس لي لا علاقة لهم بهمي أو مهمتي ، ناهيك عن وحدة فكرية ضارية ... ولكنني مصر على أن أقاوم وأحضك على المقاومة ... (من رسالة لصديق) ... (****) كتبت أكثر من مرة عن سبب إستقالتي من مجلس أمناء مركز إبن خلدون ، وكتبت أكثر من مرة عن(أخطاء وخطايا سعد الدين إبراهيم) بل وطلبت أن أناظره فى الولايات المتحدة ، وأنا على يقين أن مناظرتي له ستجعل الرأي العام فى الولايات المتحدة (حيث يستمع له كثيرون) وفى كل مكان يعرف من جهة سطحية معظم رؤاه السياسية والثقافية ، ومن جهة أخري مدي خطأ أفكاره عن إمكانية أن يكون الثيوقراطي (أي ثيوقراطي) جزءا من العملية الديموقراطية . إن سعد الدين إبراهيم (بسوء نية أو بحسن نية) يروج لأفكار من شأنها شق الوطن المصري شقاً لا علاج ولا رأب له . وأختم بهذه القصة : ذات مساء منذ أقل قليلاً من أربع سنوات كان هناك أربعة أشخاص على مائدة عشاء إمتد للفجر بالقصر الأميري بالعاصمة القطرية . وكان هؤلاء الأربعة هم : أمير قطر الحالي حمد بن خليفة آل ثان ، والزوجة رقم (2) للأمير الشيخة موزة بنت ناصر المسند ، والدكتور سعد الدين إبراهيم ، وكاتب هذه السطور . فى هذا اللقاء إستمع الأمير من سعد الدين إبراهيم لمدح له أول وليس له آخر عن قناة الجزيرة . وفى نفس الجلسة إستمع الأمير مني لنقد بالغ العنف للدور التخريبي والهدام لقناة الجزيرة التى أطلقت عليها ليلتها (قناة المريرة) ... وعندما كنت أقول للأمير : (كيف تترك قطر إدارة قناة الجزيرة لفتي من إفرازات دائرة الإعلام بمنظمة حماس ؟) كان سعد الدين إبراهيم يضغط على يدي لأتوقف عما كنت أقوله ويعلم هو أنه لن يرضي الأمير. بعد اللقاء وأثناء عودتنا للفندق قال لي سعد أن كلامي عن قناة الجزيرة قد أغضب الأمير وزوجته ، فكان ردي بشعر قاله نزار قباني ( ان شعري لا يبوس اليدين ، وأحري بالسلاطين أن يبوسوا يديه ) ... وكنت قد وضعت كلمة (فكري) محل كلمة (شعري...) بعد هذا اللقاء بأسابيع بلغني أن قرينة الأمير إشتكتني لشخصية مصرية كبيرة (جدا) ، كما بلغني (من سعد إبراهيم شخصياً) أن قطر تبرعت لمركزه بعشرة ملايين دولار ، ولمركز تديره زوجته بالجامعة الأمريكية بعشرة ملايين دولار أخري ... ثم توالت الأخبار عن زيارات سعدالدين ابراهيم لحماس و حزب الله !!!! (*****) أتعجب ممن لا يرى الصلة بين نظام التعليم في دولة من الدول الإسلامية و بين إفراز المجتمع لأمثال سكان كهوف وزيرستان من قادة القاعدة. الرحلة تبدأ من التعليم بمعناه الواسع أي الذي تقدمه المؤسسة التعليمية و المؤسسة الدينية و ينتهي بتفجيرات اندونيسيا و بومباي و لندن و مدريد و نيو يورك و غيرها. هذه "الحالة" هي حالة ثقافية سائدة إما توجد أو لا توجد لكنها لا يمكن تهذيبها أو تأديبها أو أقلمة أظافرها. يسألني كثيرون: هل مساهمة السعودية في إنتاج الإسلام المحارب أكبر من مساهمة مصر؟ و الحقيقة انهما ليسا مجرد شريكين بل انهما (في هذا الصدد) "كيان واحد".و سأشرح قليلاً: كان محمد رشيد رضا، تلميذ محمد عبده الذي لم يرث عن استاذه انفتاحه و اعتداله و جرأته على ما يعتبره البعض من مسلمات الفقه الإسلامي. منذ وفاة محمد عبده سنة 1905 أخذ تفكير محمد رشيد رضا يتخذ إتجاها مغرقاً في السلفية و ما أن تمكن عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود في سنة 1925 من صيرورته ملكاً للحجاز و سلطاناً لنجد على أسنة رماح و حراب و سيوف "الإخوان" (اخوان نجد) حتى كان محمد رشيد رضا هو أقرب المشتغلين بالدراسات الإسلامية مما حدث في الجزيرة العربية أي وصول الوهابية إلى سدة الحكم في بلد ليس هو فقط أكبر البلدان العربية شرق البحر الأحمر و إنما أيضاً مقر أقدس مقدسات المسلمين. أما الرجل (محمد رشيد رضا) و الذي كان على أوثق الصلات بعبد العزيز بن سعود و بالمؤسسة الوهابية كان هو الأستاذ الأكبر لمدرس اللغة العربية الشاب حسن البنا. و كان هو الذي حضه على تأسيس الإخوان المسلمين في مصر كجمعية دعوية و بمباركة من ممثلي الإحتلال البريطاني و شركائهم الفرنسيين الذين كانوا مديري قناة السويس و بمباركة الملك فؤاد الذي كان يحلم مع الإنجليز بوجود ند قوي للوفد بزعامة سعد زغلول الذي كان قد مات للتو (23 أغسطس 1927). وهكذا فإن الحديث عن: من المسؤل أكثر عن ظاهرة الإسلام المحارب هو حديث عبثي. فنحن أمام كيان واحد و لسنا أمام كيانين. ثم جاءت السنون بما دعم الإرتباط العضوي بين المؤسسة الدينية السعودية و حركة الإخوان المسلمين في مصر. فعندما وجه جمال عبد الناصر الضربتين القويتين للإخوان (1954 و 1965) كانت السعودية لزعماء الإخوان و للآلاف من أتباعهم هي الملاذ. و أخيراً فإن القىء الجيولوجي (البترول) جعل بمكنة السعودية أن تحول الحلف الوهابي الإخواني من حركة سعودية مصرية لحركة كونية تؤسس مراكز بث أفكارها من أستراليا إلى كاليفورنيا مروراً بكل القارات و سائر البلدان.وكل ما "وفته" هنا لا يجدي معه التعامل الأمني ... وبتحديد أكثر ‘ فبإستثناء الذين يقترفون ما يعتبر وفق قوانين العقوبات (او القوانين الجنائية او الجزائية) جرائما ‘ فإن التعامل مع غيرهم (اي غير مقترفي الجرائم) بغير الأساليب الثقافية وتطوير وتحديث النظم التعليمية لن يكون مجديا - فالمعضلة فكرية وثفافية وتعليمية فى جوهرها وفى كافة تجلياتها ... نقلا عن الحوار المتمدن |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت | عدد التعليقات: ٠ تعليق |