بقلم: د. عبدالخالق حسين
البعث والإرهاب وجهان لعملة واحدة، وقد تبنى هذا الحزب الإرهاب منذ تأسيسه، فهو الحزب الوحيد في البلاد العربية الذي اعتمد على الاغتيال السياسي لخصومه، و على نشر الرعب في صفوف الشعب، سواء كان في السلطة أو خارجها. لذلك يجب على دول العالم المتحضر وضعه في قائمة التنظيمات الإرهابية مثل القاعدة وطالبان ومنظمة أيتا الباسكية وغيرها. هذه ليست فرضية تحتاج إلى إخضاعها للاختبار لتتحول إلى نظرية، بل هي نظرية اجتازت الاختبار، ونحن كعراقيين عشنا وشاهدنا هذا الاختبار المرير أكثر من نصف قرن، والمختبر هو العراق وسوريا ولبنان، وإيران والكويت. كذلك يصح القول أن البعث هو ليس تنظيم سياسي، بل هو عصابة مافيوية، والوحيدة في العالم التي استطاعت الهيمنة على دولتين، العراق وسوريا.
نعم، حزب البعث هو إرهابي بكل معنى الكلمة، والذي ينكر هذه الحقيقة فهو إما لا يعرف البعث، وهذا في أحسن الأحوال، أو هو بعثي أو متعاطف مع البعث، وفي هذه الحالة فهو مشارك في الجريمة. ولذلك فالبعث مصيره كمصير النازية والفاشية في أوربا، أي لا بد وأن ينتهي في مزبلة التاريخ. وقد باتت هذه الحقيقة معروفة إلى حد أن صار أي عراقي يعتبر كلمة بعث شتيمة ونابية يحاول أن يبعد نفسه عنها، فإذا ما وصفتَ أحداً بأنه بعثي، فسرعان ما يغضب وتحصل مشاجرة دموية. بل وحتى البعثيين أنفسهم، إذا ما أراد أحدهم أن يدافع عن البعث في مقال، أو التعقيب على مقال ضد البعث، فيبدأ أولاً بتبرئة نفسه من البعث وحتى يشتم صدام، ثم يبدأ دفاعه بكلمة (ولكن) ليتلوها بالهراء الفارغ.
نقول هذا الكلام ليس من باب الهوس من البعث كما يتصور البعض من أصحاب النوايا الحسنة، بل اعتماداً على ما عاناه الشعب العراقي من البعث منذ سماعنا بهذا الحزب الفاشي بعد ثور 14 تموز 1958 ولحد الآن. وقد نجح هذا الحزب في السنوات الأولى من تأسيسه في خدعه عدداً كبيراً من الوطنيين الشرفاء بشعاراته الخلابة والجذابة والتي أثبت الزمن أنها كانت أكبر خدعة في التاريخ والضحك على الذقون، ولما اكتشف هؤلاء الشرفاء جرائم هذا الحزب وزيف شعاراته، سرعان ما تبرؤوا منه وساهموا في فضح جرائمه. وكذلك يعرف السوريون واللبنانيون ماذا يعني لهم حزب البعث.
يعرف المسؤولون السوريون أكثر من غيرهم أنهم يدعمون الإرهاب البعثي- القاعدي في العراق، وهم مسؤولون عن قتل أبناء شعبنا الأبرياء. والحكومات العراقية المتعاقبة تعرف من أين يأتي الإرهاب، والدول التي ترعاه، إنها إيران والسعودية وسورية، ولكنها بقيت ساكتة عن ذكر أسماء هذه الدول عسى ولعل أن يستيقظ عندها الضمير، ولكن هيهات.
إيران تقوم بتنظيم وتمويل المليشيات الشيعية، وتجهيزها بأنواع الأسلحة الفتاكة، والسعودية وأئمتها تقوم بالتحريض وتجنيد الشباب السعوديين وإرسالهم إلى العراق عن طريق سوريا لقتل "الروافض". وسوريا تقوم باستقبال الإرهابيين القادمين من مختلف الجهات وتقوم بتدريبهم وإدخالهم إلى العراق. هذا ما كشفت عنه اعترافات العديد من الإرهابيين الذين تم القبض عليهم. كما وأكد ذلك العديد من القادة العسكريين الأمريكان في العراق في تصريحاتهم الصحفية. ومع ذلك يصر المسؤولون السوريون على عدم توفر الأدلة تثبت ضلوعهم بالجريمة. والكل يعرف أن دمشق أصبحت حاضنة لاستقبال البعثيين الصداميين المجرمين والقاعديين ودعم نشاطهم الإرهابي في العراق. ولكل من هذه الدول أسبابها في تدمير العراق، إيران تشن الحرب على أمريكا بالوكالة عن طريق مليشيات الأحزاب الدينية الشيعية، والسعودية تريد إبادة الشيعة "الروافض"، أما سوريا فهي تحلم بعودة حكم البعث الموالي لها.
كانت لدى الحكومة العراقية معلومات مؤكدة عن دور هذه الدول في دعم الإرهاب في العراق ولكنها كانت تتجنب ذكر أسمائها، وكنا ننتقدها بشدة على سكوتها، ونطالبها بالشفافية والصراحة وبالكشف عن أسماء هذه الدول الضالعة في الجريمة، ولأن دماء العراقيين أغلى من العلاقة الواهية مع دول ترعى الإرهاب. ولكن كانت الحكومة ترفض مطالبتنا، متعلقة بأذيال عسى ولعل أن تعود هذه الدول إلى رشدها ويستيقظ ضميرها وتراعي حقوق الجيرة وترأف بالأبرياء العراقيين، ولكن دون جدوى، إلى أن حصلت مجزرة الأربعاء الدامي التي راحت ضحيتها نحو مائة شهيد وأكثر من 600 جريح إضافة إلى الدمار الهائل في الممتلكات والبنى التحتية.
وقد تم القبض على عدد من المجرمين، واعترفوا أمام الشاشات التلفزيونية بجرمهم المشهود. وهذه أول مرة وبعد أن بلغ السيل الزبى، وتحت ضغوط شديدة من الرأي العام العراقي، تقدم الحكومة على عرض الإرهابيين في التلفزيون للرأي العام العراقي والعربي والعالمي، وتكشف عن المجرمين والدول التي تدعمه. (الرابط أدناه).
لا يستحي المسؤولون السوريون، فقبل المجزرة بيوم كان رئيس الوزراء العراقي، السيد نوري المالكي ضيفاً على حكومتهم، وكما أفادت الأنباء أنه سلَّم بشار الأسد قائمة بأسماء مائة من المطلوبين بتهمة الإرهاب وهم مقيمون في سوريا. وكالعادة، وكما في اللقاءات السابقة بين مسؤولي البلدين، أكد السوريون حرصهم على أمن وسلامة العراق وتعهدوا بمساعدة الحكومة العراقية في تحقيق ذلك. ولكن ما أن عاد المالكي إلى بغداد في اليوم التالي حتى وحصلت المجزرة، وكانت موقوتة لوصول المالكي إلى مكان أحد هذه التفجيرات التي نجا منها بالصدفة، حيث تأخر المالكي عن الوصول إلى ذلك المكان فسلم من الموت بأعجوبة.
وإذا ما طالبهم العراقيون بتسليم الإرهابيين المقيمين عندهم، فسرعان ما يردد السوريون أنهم قد احتضنوا الكثيرين من رجال الحكومة العراقية الحالية عندما كانوا في المعارضة، ورفضت تسليمهم إلى حكومة صدام حسين، ولكن كما قال الأستاذ عدنان حسين في صحيفة أوان الكويتية: "... هذا كلام صحيح، لكنه نصف الحقيقة، أما النصف الآخر فهو أن معارضي نظام صدام الذين أقاموا في سورية لم يُسجّل عليهم أنهم استغلوا وجودهم لإرسال المفخخات والقيام بعمليات القتل والذبح والاختطاف وتفجير المؤسسات العامة والممتلكات الخاصة كما يفعل الآن البعثيون الصدّاميون المقيمون في سورية."
إضافة إلى ذلك، فإن احتضان الحكومة السورية للمعارضة العراقية في عهد صدام لا يعطيها الحق والمبرر لإرسال الإرهابيين إلى العراق لقتل الأبرياء من أبناء شعبنا، ولا يعني هذا أن التهم التي توجهها الحكومة العراقية لسوريا أنها "لا أخلاقية" كما أدعى بشار الأسد دون أي خجل. إن إرسال القتلة لقتل العراقيين الأبرياء، هو وحده العمل اللا أخلاقي، وهو سلوك بعثي بامتياز!!
إن ما قاله بشار الأسد في مؤتمره الصحفي المشترك مع نظيره القبرصي في دمشق [إن إتهام سورية بقتل عراقيين وهي تحتضن نحو 1.2 مليون منهم اتهام "لا أخلاقي"،] مسرحية معروفة في ارتكاب الجرائم ونكرانها في نفس الوقت. فالبعثيون معروفون بارتكابهم الجرائم ضد لبنان مثل اغتيال رفيق الحريري، وضد العراق، وإصرارهم على إنهم حريصون على أمن واستقرار لبنان والعراق. حقاً، إنهم لا يخجلون.
نعم، الإرهاب هو العمود الفقري في سياسات وأيديولوجية حزب البعث، وجزء لا يتجزأ من أخلاقيته، سواء كان في السلطة أو خارجها، في سوريا أو في العراق، لا فرق. ونحن كعراقيين، وأصحاب تجربة مريرة مع البعث، نعرف سلوك البعثيين كيف يقتلون الأبرياء ويسيرون في جنائزهم ويتبرؤون من الجريمة، ويلقون التهمة على غيرهم. البعث في العراق أرتكب الفظائع مثل، الأنفال، وحلبجة والمقابر الجماعية، وإشعال الحروب في المنطقة. أما البعث السوري، فمأساة حماه معروفة عندما قتلوا نحو 30 ألف من المواطنين وسووا المدينة بالأرض خلال أقل من أسبوع بسبب مظاهرة احتجاجية قام بها الأخوان المسلمون ليس غير.
يقول الرئيس السوري:" عندما تتهم سوريا بدعم الإرهاب وهي تكافح الإرهاب منذ عقود -عندما كانت دول في المنطقة وخارج المنطقة تدعمه- فإن هذا الاتهام سياسي ولكنه بعيد عن المنطق السياسي ...وخارج المنطق القانوني أيضا".
ولكن الحقيقة الناصعة تؤكد أن حكومات هذه الدول، سوريا والسعودية وإيران، تكافح الإرهاب في بلدانها فقط، وتدعمه في خارج حدودها، وخاصة في العراق. فإذا ما وقعت عملية إرهابية في بلادهم يسمونها إرهاب ويحكمون على الإرهابيين بالإعدام، أما إذا ما وقعت جرائم الإرهاب في العراق ومن نفس الجماعات الإرهابية فيسمونها جهاداً ومقاومة وطنية شريفة.
خلاصة القول، نطالب الحكومة العراقية بالسير قدماً في فضح الدول الحاضنة للإرهاب، وملاحقتهم قانونياً أمام المحاكم الدولية. إنهم يرتكبون جرائم إبادة الجنس ضد شعبنا.
ــــــــ
لقطة فيديو من موقع بي بي سي، تثبت هوية المجرمين وكيف دخلوا العراق
العراق: بث اعترافات سعودي بتنفيذ عمليات مسلحة
http://www.bbc.co.uk/arabic/middleeast/2009/08/090830_om_iraq_saudi_tc2.shtml |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|