CET 00:00:00 - 31/08/2009

مساحة رأي

بقلم: يوسف سيدهم
لا أحد ينكر أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في حبرية قداسة البابا شنودة الثالث انفتحت علي المجتمع ولم تشعد مجرد المظلة الروحية التي تضم رعاياها من الأقباط الأرثوذكس، بل تجاوزت ذلك لتصبح مؤسسة مهمة من مؤسسات المجتمع لها دورها الوطني والاجتماعي والتعليمي والثقافي. وذلك إسهام إيجابي جداً يحسب للكنيسة ويضعها في صدارة المؤسسات التي تستحوذ علي اهتمام الإعلام وتكون مواقفها من شتي القضايا والأحداث محط اهتمام الرأي العام.

هذا التطور الإيجابي له جوانبه السلبية والذي تدفع الكنيسة ضريبته،فبعد أن كانت لقرون طويلة مؤسسة شبه مغلقة لها حرمتها ويهاب الجميع الخوض في خصوصياتها،جاءت سياسة الانفتاح لتحولها في نظر البعض إلي مؤسسة مستباحة يسهل الخوض في أدق خصوصياتها ويلهث الإعلام وراء أخبارها، حتي باتت أخبار الكنيسة مادة صحفية ساخنة ومطلوبة، وذلك أمر لا بأس به في إطار الالتزام بتدقيق الخبر ومصداقيته، لكن عندما تضيق قنوات المعلومات ويستعصي علي من يلهثون وراء أخبار الكنيسة الحصول علي ضالتهم المنشودة، نجدهم يلتقطون أي شائعة غير مؤكدة ليروجوها ويبنوا عليها أو يختلقوا قضية لإثارة النقاش حولها أو يصنعوا معركة مثيرة تتصارع أطرافها ويقدمون فصولها المتتابعة للقراء....المهم أن يكون لهذه المادة مكان شبه دائم في صحفهم لما لها من جاذبية تجذب القراء.

وإذ أقول ذلك،لا أصادر حق أي صحيفة في أن ترسم سياستها التحريرية التي تحقق مصالحها ورسالتها الإعلامية تجاه قرائها، فمهما تعددت التوجهات والأساليب بين المنابر الصحفية الموجودة علي الساحة سوف يظل المعيار الأقوي للنجاح هو استمرار احتياج القراء إلي الصحيفة وعدم إعراضهم عنها، ويبقي بعد ذلك السؤال المهم: إذا كنا مع حرية التعبير وإذا كنا حريصين علي عدم المساس بحق أي صحفي يسعي لخدمة السياسة التحريرية لصحيفته، فما العمل إذا تجاوزت تلك الصحيفة الحقيقة أو اندفعت لنشر مادة مثيرة دون تدقيقها؟

هذا الموقف تكرر انفجاره في الآونة الأخيرة، فبعد أن كان الإعلام يهتم بأخبار أعياد الكنيسة واحتفالاتها،وأخبار قداسة البابا وتحركاته وأسفاره وحالته الصحية تطورت الأمور ليهتم الإعلام بموقف الكنيسة من سائر القضايا التي تشغل المجتمع مثل قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وقضية التطبيع وعلاقتها بزيارة الأقباط للقدس،ثم قضية نقل الأعضاء، وقضية حقوق المرأة وغيرها وغيرها من القضايا.. الآن أصبح الإعلام لا يشبعه الاقتصار علي تلك الدوائر، فتجاوزها ليفتح ملفات أكثر سخونة يخوض بها في خصوصيات الكنيسة مثلما يسحب الكنيسة إلي مناطق تتجاوز دورها الوطني، فبتنا ننشغل بقضايا قوانين الأحوال الشخصية للمسيحيين حيث يتطاول الإعلام علي حق الكنيسة في التشريع في هذا الخصوص وواجب القضاء في احترام ذلك، ثم تفجرت قضايا ذات نكهة جدلية مثل قضية «من يخلف البابا شنودة؟» وقضية «دور المجلس الملي العام» وقضية «علاقة العلمانيين بالكنيسة» حيث صال الإعلام وجال للخوض في خصوصيات الكنيسة وقوانينها وتقاليدها وسمح لنفسه أن ينقب ويفتش في النفوس والضمائر ويفرض وصايته علي الكنيسة متستراً وراء شعارات حرية الرأي والتعبير.. ثم جاءت الطامة الكبري الأخيرة.

لنحو شهر مضي تابعنا فصول شائعة أطلقها الإعلام - بعد أن فقدت قضية «من يخلف البابا شنودة؟» بريقها - وهي أن السيدة العذراء مريم ظهرت في رؤية لأحد الأساقفة المقربين من قداسة البابا وأبلغته بأنه سوف يكون البابا القادم، وطبعاً علي أثر إطلاق هذه القنبلة أحدثت دويا هائلاً وجاءت توابعها اليومية تشكل مادة بالغة الإثارة تفترش صفحات الصحف وتتحدث عن ردود الأفعال لشتي الأطراف وعن تفجر الصراعات داخل الكنيسة بين فريقي المرحبين والرافضين لذلك، ثم انهمرت الأخبار تنسج تطورات الأحداث بين مساءلات ومحاكمات وإبعاد لهذا وذاك.. كل ذلك نجح في دغدغة مشاعر القراء وجعلهم يتكالبون علي متابعة ما ينشر دون أن يجد من سعوا وراء المصداقية أو المرجعية أي دلائل علي دقة أو واقعية المادة المنشورة.. وتساءل بعض الحكماء في استغراب: لماذا يتم خلط الإيمان بالغيبيات؟ وهل اعتاد من ظهرت لهم السيدة العذراء رؤية أن يبادروا بإعلان ذلك علي الملأ إلا إذا كانت قد طلبت منهم الإعلان لتحقيق قصد واضح من وراء هذا؟.. المؤسف أننا عشنا كل هذا اللغط ووقفنا حائرين عاجزين عن وضع حد له لأننا لا وصاية لنا علي الإعلام الذي يستمرئ سلوك هذا السبيل، لكن عندما أشفقنا علي الرأي العام الذي يستنزفه الإعلام في معرض الخوض في هذه المغامرات الصحفية،وجدنا أنه جاء وقت فتح ملف مغلق مسكوت عنه من شأنه أن يكبح جماح الإعلام ويحتوي انفلاته ويهدئ ويطمئن الرأي العام أولاً بأول فور انفجار مثل تلك القنابل الإعلامية...إنه ملف رد فعل الكنيسة الذي لم تعد الأمور تسمح بأن يتمهل أو يتأخر،فالكنيسة في مقابل انفتاحها المحمود علي المجتمع لم تعد تمتلك اختيار تجاهل الإعلام أو عدم الرد عليه لأن الضحية في هذه الحالة هم رعاياها أولاً ثم الرأي العام ثانياً.. وهذه قضية حتمية آن أوان الحديث عنها،ويتواصل لقاؤنا حولها.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٣ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق