بقلم: لطيف شاكر
يقول الجبرتي كشاهد عيان: لما عانته الجماهير المصرية علي يد العثمانيين الاتراك, والانتكاسة التي منيت بها هذه الجماهير فالعثمانيون اعتبروا مصر دار حرب وأن ارض مصر كلها للسلطان .... وجنودهم عاثوا في الارض فسادا وأنهم أشر من مشي علي الأرض .
ويبسجل د. أحمد ذكي بدوي: أن المماليك خلآئق خارجة عن االمألوف مسلم بحكم الضرورة ليس لها يقين بدين , الجهل غالب عليهم والخرافات مالكة عقولهم , كثيروا الائتمار , جبناء يرتكبون انواع المفاسدد والمفاسق ووحشيين .
عند سماعه خبر القلاقل الحادثة في فرنسا أسرع نابليون بالسفر للوقوف علي هذه االاحداث بغية تحقيق حلمه بالامبراطورية الفرنسية تاركا القيادة العامة للجيش الفرنسي في مصر الي القائد الثاني كليبر .
وهنا حدث انقسام القوات الي ثلاث أحزاب :
الاول الحزب الاستعماري: ويقوده القائد مينو الذي اعتبر باسلامه له الحق في بقاء مصر تحت أمرته كمستعمرة فرنسية , لذا لم يكن يؤمن بالجلاء وكان يري ضرورة استقرار الحملة الفرنسسية في مصر والبقاء علي ضفاف النيل .
الثاني الحزب المتردد: وكان يتزعمه القائد كليبر وكان يري ان الفشل قد حل بالحملة االفرنسية منذ موقعة ابي قير البحرية التي وقعت بين الجيش الفرنسي ضد القوات البيريطانية بتعضيد القوات التركية وفرسان المماليك بالاضافة الي المسلمين الكارهين للاحتلال( الكافر) وقد ندموا علي خروجهم أشد ندم فيما بعد وتمنوا عودتهم .
وكان كلييبر هنا مترددا بين البقاء بمصر أو الرحيل وقد صب جام غضبه علي نابليون لسفره الي فرنسا واعتبره كليبر هاربا من المعركة .
الثالث الحزب المعتدل: ويتزعمه ديزيه وكان يري انه لاينبغي علي الفرنسيين ان يتركوا مصر الا اذا ارغموا علي ذلك أو أجبرتهم المصلحة الوطنية الي التضحية , كأن تهزم فرنسا مثلا في اوربا ويصبح التخلي عن مصر بمثابة الثمن الذي يدفعه الفرنسيون نظير الصلح العام في اوربا أي تستخدم مصر كورقة مؤثرة في التطاحن بين فرنسا وانجلترا .
وبعد رحيل بونابرت الي فرنسا أقبل كليبر علي تصريف الامور بمشاركة الديوان الذي ألفه نابليون من شيوخ المسلمين والفرنسيين مؤكدا رغبته في حماية الدين الاسلامي والسهر علي خدمة المصريين . وبدأ فعلا في عمل اصلاحات كثيرة نتيجة تعايشه مع المصريين ليحظي بقبولهم له .
ثورة القاهرة الثانية مارس 1800 م
كان كليبر قد عقد مع ممثلي الدولة العثمانية سنة 1800م معاهدة العريش التي تقضي بجلاء الفرنسيين وجدولة الخروج , وطوت الدولتان صفحة القتال , الا ان العثمانيين والغدر يملأ قلوبهم كالمعتاد ونقض المعاهدات عادة في سلوكهم أنقضوا علي الجيش الفرنسي وتوجسوا ان موافقة الفرنسيين علي المعاهدة انما ينم علي ضعفهم , فتكون فرصة غانمة للاتراك لانزال الهزيمة فيهم والاستيلاء علي كل مافي أيدي القوات الفرنسية كسماتهم في السلب والنهب , وتحرك يوسف باشا الصدر الأعظم بقواته الي بلبيس وتقدمت طليعة الجيش العثماني بقيادة ناصف باشا ومساعد نصوح باشا لمنازلة الجيش الفرنسي وهنا شعر كليبر بالخطر فهب مسرعا للدفاع عن قواده وانزل هزيمة ساحقة للاتراك في منطقة عين شمس اضطروا فيها الي الهروب من امام القوات الفرنسية وتسللوا الي القاهرة مع المماليك ورعاع المسلمين بزعامة عمر مكرم لينتقموا من الفرنسيين المدنيين والمسيحين الشوام والاقباط, بعد ان اشاعوا امام الناس ان الجيش الفرنسي الكافر انهزم (يسجل المؤرخ عبد الرحمن الرافعي ان ناصف باشا وقواته كانوا في الواقع فئران في ميدان القتال ) ويلقي الجبرتي المسئولية علي نصوح باشا الذي نادي اقتلوا النصاري وجاهدوا فيهم (يوجد شارع كبير في منطقة الزيتون بالقاهرة باسم نصوح تخليدا لذكراه السيئة في قتل المسيحيين )..!
ويقول د.رياض سوريال في موسوعته الاقباط في القرن العشرين الجزء الثاني صفحة 41 الاتي: هرب ناصف باشا القائد العام للجيش العثماني من امام كليبر ودخل القاهرة خلسة مع نصوح باشا وكثير من افراد الجيش التركي وابتدأ عمله بذبح جميع الاقباط ونهب كل الاحياء المسيحية . وأخذ الاتراك والعامة يبحثون عن كل مسيحي فيذبحونه بلاشفقة ولا رحمة , وكانوا يذبحون الرجال ويفضحون النساء ثم يجلدوهن عرايا , ويقطعون رؤوس الاطفال أمام امهاتهم , وأكثر من ذلك أخذوا يحرضون الغوغاء علي رفع رآية العصيان واعلان الثورة في وجه الفرنسيين .
ولم تقف الثورة عند هذا الحد بل ارادت سحق الحي القبطي (كلوت بك وحارة النصاري ) وابادة أهله. ولولا أن المعلم يعقوب كان ذكيا وشجاعا , وأحسن الدفاع عن الاقباط وأنقذهم لحلت علي الاقباط مصيبة هائلة اذ أظهر في تلك الظروف العصيبة مواقف عظيمة , واستيقظت فيه الروح الحربية فحصن منزله في منطقة الدرب الواسع الذي امتلأ بالاقباط طالبين نجدته, وثبت حتي النهاية امام خصمه اللدود حسن بك الجداوي احد كبار المماليك الذي حاربه يعقوب يوما كاملا حتي سقط عدد كبير من رجال هذا المملوكي, واستطاع يعقوب اختراق سياج الاسلحة بجيادهم فاخترقوها, وفشل الحصار الذي كان يؤدي لو نجح الي فناء أقباط القاهرة عن بكرة أبيهم . ويقول المؤرخ يعقوب نخلة روفيلة صاحب كتاب تاريخ الامة القبطية ص 194 مايأتي : وكان حي الاقباط في الازبكية محصورا بين القلعة التي أنشأها يعقوب بجوار الجامع الازهرمن جانب وقنطرة الدكة من جانب آخر , وقيل ان بعض الثائرين هجموا عليه من سوق النصاري ودخلوا الي حي الاقباط, واغلقوا الباب ووضعوا ورائه احجارا كبيرة وثقيلة حتي لايفلت احد من الاقباط ويتم ذبحهم جميعا دون فرار احد من المصيدة التي وضعوها هؤلاء الاوباش , ولكن يعقوب استطاع بدهائه الرائع وذكائه البارع(حارب يعقوب سابقا في جيش المماليك ضد الاتراك ومع الفرنسيين ضد الاتراك والمماليك ويشهد له الجميع بقدرته القتاليه وشجاعته الخارقة في ميدان القتال وكان فارسا مغوارا) أن يخترق حصار الاعداء وفتح الابواب امام القوات الفرنسية والامساك بالثائرين الهائجين الاشرار ونجا الاقباط من غدر العثمانيين وندالة المماليك ورعاع المسلمين المتواطئين معهم .
ويقول الرافعي في هذا الصدد ( برز دور الحجازية والمغاربة في ارتكاب المنكرات من نهب وقتل وتجريع الاقباط كاسات المرارة ومنهم من قطع رأس البنية الصغيرة طمعا فيما علي رأسها وشعرها من الذهب ) .
وهنا يستوقفني القلم لاقرأ ماسطره التاريخ من عمل عظيم يستحق ان أسجله بافتخار عن المسلمين الشرفاء العقلاء الذين حموا الاقباط الفارين من سيوف الاتراك الاشرار والمماليك الاوغاد ورعاع المسلمين حيث التجأوا الي أخوتهم المسلمين في منطقة مصر القديمة فوجدوا لديهم الآمان والسلام .
وأذكر في المقابل للتأكيد علي اصالة شعب مصر العظيم من المسلمين والمسيحيين واخص بالذكر والاشادة بالمسلمين الاقباط وهم العقلاء المخلصون الاوفياء , ماقاله د. شفيق غربال عن موقف مماثل ليعقوب مع اهله المسلمين (كانت للمعلم يعقوب كلمة مسموعة في الشئون الادارية والمالية وكان الجنرال بليار يتولي الاشراف علي جباية الضرائب وحدث ان اهل قرية من قري بني سويف وتأخروا عن دفع الضرائب فقبض الجنرال مليار علي مشايخ القرية رهينة عنده حتي يدفع أهلها ماعليهم من ضرائب , واتفق أن المعلم يعقوب ذهب الي بني سويف قادما من الفيوم بصحبة الجنرال ديزيه , ولما علم يعقوب بما حدث مع الشيوخ احتج بشدة وثار علي تصرف بليار ونصحه باستعمل الصبر والكف عن ارهاق الشعب بالجباية حتي لايكونا مثل العثمانيين فسمعوا له وأخلوا سبيلهم ).
والباحث في بطون التاريخ والدارس لامهات الكتب القديمة والمدقق في الوثائق الرسمية للمحتلين , نجد سلوكا ايجابيا ومواقف مشرفة من عنصري االأمة , والذي كان يعكر صفو المحبة بينهما ويضعف وشائج الوحدة في صفوفهم عناصر خارجية لايهمها ابدا مصلحة الوطن كالحجازيين والمغاربة والعثمانيين والمماليك والمسلمين البدو ضعفاء النفوس الذي كان يحلو للجبرتي بوصفهم بالرعاع والحرافيش والذين وجدوا قبولا لتحريض الغريب بقتل المسيحيين ونهبهم واغتصاب نسائهم- اما المسلمون الاقباطالشرفاء فوقفوا في خندق واحد مع اخوتهم المسيحيين الاقباط وكان في اغلب الاحيان لايفرق الاتراك والمماليك بينهما في سلبهم ونهبهم لبيوت كل المصريين بلا استثناء وجلدهم واغتصاب بناتهم وحريمهم وخطف ابنائهم وبيعهم بأرخص الاثمان في سوق النخاسة فطالهم جميها هموم وعذاب واضطهاد وقذارة الغرباء الاغبياء.
ويشهد التاريخ بأن الجزية كانت تجمع من الأمصار لتأخذ طريقها الي بلد المحتل بالخارج فقد أخذت طريقها الي بغداد في عهد العباسيين او الاستانة تحت حكم العثمانيين , وان الجزية ايام العثمانيين كانت تؤخذ من عموم المصريين مسلمين ومسيحيين علي السواء .
وكان المسلم التركي يجلد ظهر المسلم المصري ليقاسمه رزق أرضه وعرق جبينه , انه اشنع اشكال القهر لانه قهر مقدس باسم الدين يقتل الحس الوطني او يسرق االاقوات ويجلد الظهور ويقتل الابرياء ثم يعرض علي مسلمي البلاد الدعوة فوق المنابر للخليفة بطول العمر ودوام العز ,أي يجعل نزعة الاستقلال الوطني شكلا من اشكال الخيانةوالخروج علي ولي الأمر معصية ويتهم بالخيانة كحال الجنرال يعقوب مع الذين رشقوه بالخيانة لانه لايريد الحكم العثماني الغاشم او المملوكي الاجير لكن يبدو للكاتب احمد الصاوى ومؤيديه رأي لاخر ...!!!
الم يحن الوقت ان يتحد الاقباط المسلمين مع الاقباط المسيحين لنبذ الخلافات المعوقة للحاق بركب الحضارة والتقدم , وان نتعايش معا في حب وسلام لنتمتع بعيشة هنية ونضمن لاجيالنا القادمة الحياة السعيدة ,ونتيقن ان الوطن للجميع ونرفض كل المزايدين علي الوطن الراكبين موجة الدين المتشنجين بالصوت العال ونحمد الله انهم قلة ليس لهم وزن او قيمة الا في حالة رغبة المسئولين في استخدام ضجيجهم المزعج لغرض ما..... |