CET 00:00:00 - 28/08/2009

مساحة رأي

بقلم: د.عبد الخالق حسين
منذ مدة وأنا أستلم عن طريق بريدي الإلكتروني مقالات تحت أسماء مستعارة، تحذر من وقوع كارثة في العراق، وأن هناك مخططاً رهيباً وضعته جهات عديدة في داخل العراق وخارجه، تتمتع بالنفوذ الواسع، داخل البرلمان العراقي وفي السلطة، وبدعم من عدد من دول الجوار. ومن هذه المقالات مقال وصل في اليوم التالي من مجزرة الأربعاء الدامي، بعنوان: (ضباط البعث يحرقون بغداد تنفيذا لمخطط"حرق الأعشاش" وسلسلة اغتيالات بانتظار مسؤولين كبار في الدولة)، بقلم رياض العراقي، والذي نشر على بعض مواقع الإنترنت، الرابط أدناه.
ونظراً لخطورة ما ورد في المقال، أجتزئ أهم ما جاء في المقال مع الاعتذار عن طول الاقتباس: "أن دولاً عربية وضعت مشروعا منذ عام 2005 لإعادة حزب البعث إلى السلطة، ولكنه اصطدم دائما بالموقف المتصلب لإدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش. وفي مقدمة هذه الدول هي السعودية، وسورية ومصر... وتجدد المشروع في عهد أوباما الذي تبنى مطالب الدول العربية الفاعلة في انحياز واضح لجهة تحسين علاقة أمريكا بهذه الدول ولو على حساب المنجزات السياسية الفتية في العراق..." ويضيف الكاتب: " ومن ابرز فقرات الخطة الجهنمية هي: أولا- استهداف الشيعة في المناطق ذات الغالبية السنية، بشكل عنيف يؤدي إلى تهجيرهم بعد تهديم منازلهم حتى لا يكونون رقما في الانتخابات النيابية المقبلة.

كذلك استهداف الشيعة في بغداد. ثانيا- استهداف الرموز الشيعية في العملية السياسية من خلال الاغتيال أو من خلال الإشاعة واصطناع التهم وتضخيمها إعلاميا. ثالثا- تسخير قنوات إعلامية فضائية ومقروءة مثل صحيفتي الشرق الأوسط والحياة والوطن والراية، وصحيفة الزمان لسعد البزاز، البعثي، العراقي المعروف بقربه من صدام حسين، وقنوات فضائية مثل العربية والجزيرة والشرقية ودبي والمستقلة والخليجية، وتسخيرها لدعم حزب البعث وتشويه كل إنجاز تحقق بعد 2003 واستخدام الإعلام بقوة لخدمة إعادة حزب البعث إلى السلطة في العراق. رابعاً- شراء مثقفين وكتاب من الشيعة وإبرازهم على أنهم ضد الأحزاب الشيعية في مسعى لخلخلة ثقة الناخبين الشيعة بسياسييهم ومرشحيهم...، فتوجيه اللوم والنقد للشيعة على لسان أشخاص من طائفتهم يلقى آذانا صاغية بعكس الأمر فيما لو تم ذلك من خلال أشخاص آخرين. خامساً- العمل بجد من أجل فك الارتباط التاريخي بين الشيعة والكورد، سادسا – التنسيق مع الأحزاب السياسية السنية "هيئة علماء المسلمين، الحزب الإسلامي، قائمة التوافق، قائمة صالح المطلك" من أجل عدم التعرض للمكتسبات الكردية وإظهار الوئام مع الكورد خصوصا في الفترة التي تسبق الانتخابات؟. سابعاً - استهداف مسؤولين وسياسيين كبار من الشيعة، بالاغتيال مع اقتراب الانتخابات النيابية. ثامنا - إسقاط السياسيين الشيعة بنظر المواطنين الشيعة من خلال الإشاعة. تاسعاً - التنسيق مع تركيا لتقليص تدفق المياه نحو العراق وخلق مشاكل اقتصادية وبيئية للعراقيين لزعزعة ثقة العراقيين بقدرة الشيعة على إدارة دفة الحكم. هذه أبرز النقاط التي تشكل منها مشروع إعادة البعثيين إلى السلطة والذي يجري تنفيذه هذه الأيام، بالاشتراك مع ساسة عراقيين مشاركين في العملية السياسية.)). وللمزيد يرجى فتح هذا الرابط
http://www.iraqoftomorrow.org/iraqiat/70933.html

نلاحظ من هذه الخلاصة، أن الكاتب لم يشر مطلقاً إلى دور إيران في تخريب العراق، ودعمها للمليشيات الشيعية وخاصة جيش المهدي، وفيلق بدر وعصائب أهل الحق، وغيرها من مليشيات القتل والتخريب، ولا عن الأسلحة الإيرانية التي تتدفق على العراق باستمرار... ولا إلى قيام إيران بتغيير مجاري 42 نهراً تنبع من أراضيها وتصب في العراق... الخ، كذلك نرى أن كاتب المقال يحاول ابتزاز الكتاب الشيعة بقوله: "شراء مثقفين وكتاب من الشيعة وإبرازهم على أنهم ضد الأحزاب الشيعية...الخ". لا شك إن القصد معروف وهو إسكات الكتاب من توجيه أي نقد للأحزاب الشيعية، وقد نسي أن وظيفة المثقف الأساسية، ومهما كانت خلفيته المذهبية، هي توجيه النقد، وبالأخص نقد السلطة فيما لو ارتكبت أخطاءً، وإلا ستتراكم الأخطاء وتؤدي إلى كارثة.

ولكن هذا لا يعني أن المقال ليس فيه شيء من الصحة. إذ نجد بعض مراحل هذه الخطة التي أشار إليها الكاتب في طور التنفيذ على أرض الواقع، وأهمها تصاعد وتيرة التفجيرات وحرب إبادة الجنس في المناطق التي يتواجد فيها الشيعة، مثل قتل الشيعة التركمان في تازة خرماتو، وتلعفر، وقتل الشبك (وهم شيعة) وتدمير قراهم في شمال الموصل... وأخيراً مجزرة الأربعاء الدامي في بغداد، وما تبعها من مجازر في الحلة وغيرها، وكلها عبارة عن حرب إبادة ضد الشيعة.
وقد رافقت هذه الأعمال الإرهابية حملة إعلامية عربية تهدف إلى تبرئة البعثيين والقاعدة من مجزرة الأربعاء الدامي وغيرها من المجازر التي صارت ممارسة يومية في حياة العراقيين، وإلقاء اللوم على الحكومة وإظهارها بالعجز، والتلميح بأن مرتكبيها هم من الأحزاب الشيعية ومليشياتها بسبب الصراعات فيما بينها على السلطة.

لقد ذهب السيد طارق الحميد، رئيس تحرير صحيفة (الشرق الأوسط) السعودية، يوم 24 آب الجاري، في مقال له بعنوان: (العراق.. القادم أكبر وأسوأ) إلى حد اعتبار اتهام البعث والقاعدة بهذه الجرائم هو اتهام موجه إلى السنة العرب، إذ قال: "فهناك نقطة مهمة نبهني لها أحد الشخصيات الأمنية العراقية المرموقة وهي أن اتهامات حكومة المالكي المستمرة لمن تسميهم بالتكفيريين والبعثيين تمثل رسالة بالغة الخطورة، فمع تكرار تلك العبارة مع كل حدث أمني فإن الرسالة التي يفهمها نصف الشعب العراقي هي أن ما يريد المالكي قوله هو أنه يتهم السنة بتلك العمليات الإرهابية، وهذا من شأنه أن يستمر في تعقيد الأمور في العراق، سياسيا وطائفيا، وبالتالي أمنيا."
نلاحظ أن السيد الحميد، أسند هذا القول إلى شخصية أمنية "مرموقة" ووهمية، ولم يقل أنه من تأويلاته. وهذه طريقة ليس أسهل منها في نشر الإشاعات. إذ نرى الفكرة ذاتها تتكرر في معظم وسائل الإعلام العربية تقريباً، وتصريحات سياسيين عراقيين طائفيين بشكل منسق، يحلمون بعودة حكم البعث، يحاولون إفشال العملية السياسية وبأي ثمن.
بالتأكيد نحن لا نبرئ الحكومة من التقصير خاصة في اختراقات الإرهابيين للأجهزة الأمنية وغيرها من مؤسسات الدولة، وإهمال المسؤولين الأمنيين وعجزهم في الكشف عن الجريمة قبل وقوعها. ولكن المستفيدين من تصاعد وتيرة الإرهاب بالتأكيد هم فلول البعث والتكفيريون ومن وراءهم، إضافة إلى أن خصوم المالكي الذين يطمحون إزاحته عن رئاسة الحكومة في منافسة مخجلة وشرسة على السلطة، يدفع ثمنها الشعب العراقي. والسؤال هو: هل الذين ينافسون المالكي ويحاولون تشويه صورته وإزاحته، كان بإمكانهم دحر الإرهاب والعمل أفضل منه لو كانوا هم على رأس الحكومة؟ لا أعتقد ذلك.

لا شك أن الحملة الإرهابية في العراق وراءها حكومات وبالأخص من دول الجوار، تتمتع بإمكانيات هائلة، غرضها إفشال العملية السياسية والمشروع الديمقراطي في المنطقة لكي يقولوا لشعوبهم: تريدون الديمقراطية، أنظروا إلى حال العراق، هذه هي الديمقراطية التي تريدها أمريكا في المنطقة، الديمقراطية معناها الفوضى والقتل والخراب والإرهاب...الخ، لذلك أبقونا جاثمين على صدوركم  وتحملوا مظالمنا أفضل لكم بكثير من الوضع العراقي. وفي نفس الوقت، وبدلاً من أن يلوموا الإرهابيين في هذه الفظائع، فإنهم يلصقونها بأمريكا والصهيونية، ويبرؤون البعث والتكفيريين منها.
من المؤسف، بل والمقرف أن تبلغ المنافسة بين القوى السياسية على السلطة إلى حد انحياز بعض السياسيين العراقيين إلى تلك الدول التي تعمل على دعم الإرهاب في العراق على حساب أمن البلاد وسلامتها. أن الخراب البشري الذي أصاب المجتمع العراقي في الصميم خلال أربعة عقود من حكم التيار القومي - البعثي، جعل مهمة هذه الدول سهلة جداً في تسخير العراقيين أنفسهم لتدميربلادهم. فمعظم الأحزاب السياسية، الدينية، (السنية والشيعية) في العراق تعتمد في تمويلها واستمرارها في العمل والنفوذ على دول أجنبية مقابل تنفيذ أجندات هذه الدول على حساب الشعب العراقي.

مشكلة بعض المعلقين والسياسيين العراقيين أنهم يركزون على تدخل طرف واحد في الشأن العراقي ويتغاضون عن تدخل الطرف الآخر. فالسياسيون الشيعة لم يتطرقوا إلى الدور الإيراني في التخريب، كما وينكر السياسيون السنة العرب دور السعودية في تدمير العراق ويدافعون عنها ويبرؤنا بالكامل، رغم أن معظم الإرهابيين الأجانب هم من السعودية. ولنكن صريحين وبلا غموض أو تزلف ومداهنة لهذا الطرف أو ذاك، إن معظم دول الجوار، وبالأخص إيران وسوريا والسعودية، مشاركة بجريمة تدمير العراق وقتل شعبه، والعمل على إفشال العملية السياسية الديمقراطية الجارية فيه. إن الصراع أساسه المصالح السياسية والنفوذ في المنطقة، وهم يوظفون الطائفية لتحقيق أغراضهم هذه. لذلك تم تصعيد الصراع الطائفي بين إيران والسعودية لإشعال حرب طائفية بينهما ولكن بالوكالة وعلى الأرض العراقية وبدماء أبنا العراق. ولم يكن لهذه الدول أن تحقق أغراضها لولا اعتمادها على السياسيين العراقيين أنفسهم وسهولة شرائهم ومن مختلف انتماءاتهم.

وقد ظهر ذلك جلياً عندما طلبت الحكومة العراقية من الحكومة السورية تسليم محمد يونس الأحمد وسطام فرحان، المدبرَيْن لجرائم الأربعاء الدامي حسب اعتراف أحد المنفذين للجريمة، ودعت سفيرها في دمشق للتشاور معه حول الأمر، فكان رد فعل النظام السوري البعثي عنيفاً، إذ أنكر ذلك، ودعا  هو الآخر سفيرها في بغداد، وطالب العراقيين بالأدلة الثبوتية، وإلا فالأدلة العراقية فبركة!! بينما القرار العراقي لم يتضمن أي اتهام للنظام السوري، ولكن رد فعل الأخير العنيف دليل على دعمه للإرهاب منذ سقوط البعث الفاشي وإلى الآن، وإلا فلماذا هذا الانفعال والإنكار، يقول المثل (يكاد المريب يقول خذوني). والأسوأ أن بعض السياسيين العراقيين المعارضين للسيد المالكي، وبدلاً من أن يدعموا إجراءات الحكومة في مواجهة الإرهاب ودحره، راحوا يلومون الحكومة ويدافعون عن الحكومات التي تدعم الإرهاب.
إننا نناشد السياسيين العراقيين ومن جميع انتماءاتهم، أن يتذكروا ما حصل بعد ثورة 14 تموز 1958، عندما تخلّوا عن المصلحة الوطنية وحماية مكاسب الثورة والوطن من مؤامرات الدول الأجنبية، وانشغلوا في صراعات دموية فيما بينهم،  وفضلوا مصالحهم الفئوية والشخصية على المصلحة الوطنية، واستقووا بالخارج إلى أن نجح أعداء العراق في تحقيق أهدافهم بانقلاب 8 شباط 1963 الأسود، وابتلى العراق بحكم ديكتاتوري دموي لأربعين عام. فهل تعلمت القوى السياسية العراقية الدرس، فتترك خلافاتها الثانوية ومصالحها الذاتية جانباً لتركز على المصلحة الوطنية؟ أم سيعيدون نفس الأخطاء القاتلة التي ارتكبوها قبل خمسين عاماً ليدخلوا البلاد ثانية في نفق مظلم جديد لخمسين سنة أخرى؟

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق