بقلم: زهير دعيم
دخل الموسيقار لولي -1632-1687 إحدى الكنائس ، فسمع عزفًا من لإحدى أوبراته ، فلم يتمالك أن قال : " ربّاه ، اغفر لي ، فأنا لم أضع هذه الموسيقى من أجلك "
قرأت هذا القول ، وتحرّيتُ ؛ هل عاد هذا الموسيقار ليخصّص موسيقاه للربّ الإله ؟! أم أنّه نسي فعاد يُمجِّد كلّ الناس الا الخالق .
ولم أهتدِ، فأغلب الظن أنّ لولي عاجله القدر ، ولم يمهله كثيرًا ، حتى يتغنّى بخالقه حتى في أيام كهولته.
أثّرت فيَّ هذه الكلمات ، أنا الذي خُضت تجارب كتابة القصص والخواطر والشِّعر وقصص الأطفال....تغزّلت ، ورسمت الحبّ بالألوان ، ولوّنت الشباب بالحياة ، وجلست أراقب الأيام وهي تمرّ جذلى بجانبي ، تمرّ تارةً فتحتكّ بي ، وتارةً تُدبر ، وأنا لا التفت الى فوق الا قليلا. ربما في سويعات اليأس والضّيق والمرض ؛ ساعات الحاجة .
انقضى الشباب وفورته وحيويته ولم أتغزّل بالخالق مرةً واحدة ، ولم أناجيه مرة ، ولم أسطّر له خاطرة الا فيما ندر. لست نادمًا على أنني لوّنتُ الحُبّ وسطّرته بحروفي وكلماتي ، فالحبّ نعمة أسبغها الله على خلقه حتى تزهر حياتهم وتخضرّ.
لست نادما على أنّني رسمت من الحروف قصائد عِشقٍ شبابيّ ، وزركشتُه بلون الفرح والمرح والهناءة ...ولكنني كنت أتوق الى العودة الى هناك ، حتى أعطي للفادي حيِّزًا كبيرًا من إبداعي وما خطّه يراعي
كنتُ أريد أن أعود لأرسم الفداء بالكلمات الوثّابة ، المُحلِّقة ، الملوّنة ، فاتغزّل بالعريس السّرمديّ وخصاله الحميدة ، وسيرته العطرة ، وشبابه الغضّ ، وعطائه الذي لا يعرف الحدود.
كنْتُ أريد أن أغوص في بحر حكمته ، واوقيانوس تسامحه ، وبحيرات محبته ، فأسقي تربة خيالي من ذاك الذي لا يحدّه زمان ولا مكان ولا لون او شعب.
لستُ نادمًا على قصص الأطفال التي حاولت فيها أن أزرع في النفوس البريئة قيمةً وهمسةً وضحكة وجذلا، ولكنني نادم على بعثرة شبابي كلّه – وما زلت شابًّا-على مذبح الأرضيات والألوان التي ستبهت وتخبو.
اتهمتني قبل أيام معدودات احدي المُعقّبات الفاضلات في موقعحرّ ورائد بالتخلّف لأني أحكي عن يسوع ، وأفاخر به الدُّنيا ، و"أسوِّقه " للبشر على أنّه المُنقذ والشفيع الوحيد والطريق والحقّ والحياة - وهو كذلك- ، فما زادني هذا الاتهام الا حُبًّا به ، وتمسّكًا بسيرته الشذية العبقة.
وكيف لا يكون هذا وهو المُطمئن ، الذي يهدّئ النفس والنفوس.؟
وكيف لا يكون هذا ، وهو الإله الذي كان وسيكون ، وبدونه لم يكن شيء ممّا كان؟!...دعانا وما زال من خلال كلماته لتلاميذه، وجلّهم من صيادي الأسماك البسطاء ، دعانا بِ- إخوتي ...أحبّتي .
أيّ تواضع هذا ، وأيّ تنازل !!! الجبلة توازي الخالق المبدّع ، الخزّاف الأعظم ؟!!...لا يا سيدي فتنازلك عظيم ومحبتك عظيمة ايضا.
كيف لا يكون هذا وكل يوم يغسل أرجلنا تواضعًا ومحبةُ ، ويُبلسم جراحنا ويمسح دموعنا ، ويُربِّت على أكتافنا ، ويحملنا على منكبيه في كل نوء وعاصفة ؟!
واضحك ملء فمي وأنا أقرأ تعقيبي لتلك الأخت ، التي تثور كلما رأت اسم يسوع يُكوكب في كتاباتي ، نعم تثور وتمتعض وترعد ...
" سأبقى يا أختاه أرنّم وأسبّح ليسوع اليوم وغدا وكلّ الأيام ؛ لأنه الخالق والفادي والسّيّد والإله المُتجسّد.....حياتي يا أخية مع الربّ مفروشة بالسعادة والطمأنينة ، فلا أخاف حتى الموت ما دام ربّ الحياة معي....إنّني ادعوكِ أن تقرئي إنجيله وسيرته فعسى يمُنّ عليك بصفاء نفس ، وهو القارع على القلوب دومًا.
حقًّا سأبقى أرنّم وأتأمّل في عظمته ، وسأجنِّد قلمي المتواضع هذا في خدمته ، علّني أردّ جزءًا من مليار من نعمه عليّ.
لست نادمًا ، ولكنني قلبت صفحةً جديدة ، أداعب فيها الفنّ والشعر والقصص من منظار آخر ورؤيا أخرى ....رؤيا تربط الأرض بالسّماء.
|