نعم، مواطننا يشكو: البدن مكدود والفكر شارد والقلب موجوع، والأمل يخبو في كثير من الأحيان، والهدف الذي انتظر تحقيقه بعد ثورة تأخر اندلاعها حقباً من الزمان يراه وقد ولي مساحات إمكانية التحقق، والنور الذي كان يبدو علي استحياء ويخفت في أحيان أخري في نهاية نفق التحول من اليأس إلي الرجاء قد تباعدت فرص توهجه.
في حلقة تليفزيونية أراها مهمة من برنامج مسائي حواري حقق في الأونة الأخيرة نجاحاً كبيراً وهو برنامج «في النور» يبث حلقاته اليومية عبر قناة مسيحية معتدلة الأداء الإعلامي «سي تي في» حاور فيها مقدمه الرائع إيهاب صبحي ضيوفه الثلاثة حول مخاطر معطيات الواقع الحالي، وكيف يري الحضور مدي تداعيات الأحداث والتصريحات التي تتدفق عبر كل وسائط الميديا، تنطلق من مكتب الإرشاد ورئاسة الجمهورية والجمعية التأسيسة، وعبر فتاوي الدعاة والكهنة.
وأشار الحضور إلي كارثة محاصرة المحاكم بميليشيات ضاغطة للتأثير علي الرأي العام وبالتالي علي أهل العدالة وسدنتها (ترهيب لو جاء الحكم مخالفاً وتأييد لو جاء موافقاً)، وأن الانفلات الأمني يتزايد في الشارع رغم محاولات الشرطة للعودة والتواجد، وتداعيات تراجع الحالة الأمنية علي عودة السياحة إلي سابق عهدنا بها مصدراً هاماً لدعم الدخل القومي، وفقدان الثقة بين الناس ورموز السلطة الحالية بعد التراجع عن تحقيق الوعود الانتخابية بداية من محاولة إعادة البرلمان وتشكيل الجمعية التأسيسية بنفس الأخطاء التي تم بها تشكيل الجمعية الأولي والتي حكم القضاء ببطلانها، ووصولاً لتعيين رئيس وزراء وفق خيار أراه ضد كل قناعات القوي الثورية التي كانت قد خرجت مهللة مبشرة الرأي العام فور خروج رموزها من اجتماع مع الرئيس المرشح د. مرسي يؤكدون موافقة مرشحهم علي خيارات تبشر بصعود رئيس لكل المصريين لا رئيس مرؤوس من مكتب الإرشاد جاء لتحقيق أهداف جماعة الإخوان فقط، وأعرب الحضور في البرنامج عن أملهم في خروج القضاء بكل مؤسساته ورموزه من المعادلة السياسية، وألا يكون طرفاً بأي حال من الأحوال في تفاعلات العمل السياسي، وأن هناك نكتة تتردد أن الإخوان يمثلون الأغلبية أو الأكثرية علي وجه الدقة وأن من حقهم كذا وكذا وهنا أسأل: أي أغلبية والمجالس النيابية التي جاءت بهم هي في حكم اللاشيء بعد الحكم بحلها، ولم يعد لدينا سوي حقيقة واحدة أن هناك رئيساً منتخباً؟!
وأعرب ضيوف الحلقة عن خيبة أملهم في قيادة تحدث رموزها عن حرصهم علي عودة الأمن وفي المقابل يتردد في وسائل الإعلام ولم يتم النفي الحديث حول قرارات الإفراج عن مجموعة لهم تاريخ في التشدد جعلتهم يرتكبون العديد من الجرائم الجنائية استحقوا عليها الأحكام، فهم ليسوا رموزاً وطنية مجاهدة وجب فك قيدهم بعد ثورة جاءت لإسقاط نظام قامع للحريات، بالإضافة إلي السماح بعودة مجموعة من أشاوس النضال الكابولي في بلاد المنفي، وهم من ظلوا يمارسون في مواقعهم بث مشاعر الكراهية والفرقة وضرب حالة السلام الاجتماعي في بر مصر!
قال ضيوف الحلقة الكثير عبر زمنها المتاح بتنوع أتاحه المُعد المتميز عزت حزقيال وفق خيارات تخدم الموضوع وبدون افتعال حالة من التشابك المرضي بين الضيوف لتخرج الحلقة ساخنة بلغة أهل الكار، ولكن وهو الأهم وما دعاني للحديث عن تلك الحلقة هو ما أثاره مواطن جميل في مداخلة بديعة، قال علي وجه التقريب: أنا أشكر البرنامج الرائع ومقدمه، وممتن لكل ما قاله ضيوف الحلقة وتحليلاتهم الوطنية، ولكن كنت أرجوهم أن يحدثونا عن الكارثة الأعظم، ألم تسمعوا عن قرارات دعم غزة بالسولار والكهرباء، وأنباء حول عودة ضخ الغاز لإسرائيل، كنت أتصور أن تحدثونا عن مصر الشقيقة التي يعاني أهلها ولأول مرة في تاريخها الحديث ظاهرة قطع الكهرباء علي هذا النحو، وطوابير السيارات التي تتلهف تموينها بالسولار لتواصل مسيرتها في لعب دورها في النقل ودعم انتقال السلع والتجارة، مش بيقولوا يا حضرات ولا مؤاخذه يعني «اللي يعوزه البيت يحرم علي الجامع»؟ وبعدين ليه ماحدش يخرج علينا ويقول الحقيقة فين؟!
ورغم مرارة تعبير المشاهد «مصر الشقيقة» ودلالة إحساسه الفطري بغربته علي أرض وطنه، إلا أن المباغتة بطرحه أضحك الحضور باعتبار شر البلية ما يضحك ولكنه ضحك كالبكاء، فقد كشف المواطن عبر مداخلة قصيرة ماهو أكثر أهمية من كل ما قاله الضيوف وكنت من بينهم، وقد أسعدنا هذا القدر العالي من الوعي لدي المواطن المصري.
والآن ينتشر علي صفحات الفيس بوك تلك المقولة لمواطن فسبوكي شهير «أول مرة أشوف بلد تعمل ثورة وأول رئيس منتخب تبقي أهدافه يضلم البلد علشان ينور البلد اللي جنبها ويقطع الميه عن شعب البلد علشان يروي اللي جنبها ويفتح حدود البلد لسكان البلد اللي جنبها ويروح البنزين والسولار اللي البلد مش لاقياه للبلد اللي جنبها.. بالنسبة لي هي دي كل الإنجازات اللي اتحققت لحد دلوقتي للبلد اللي جنبها.. هو أنا مين ومنين؟.. أنا مش عارفني أنا تهت مني!».
وفي إطار تلك الغربة التي يستشعرها المواطن في الفترة الأخيرة تعالي عزيزي القارئ نطالع الخبر التالي علي موقع الأقباط متحدون «تلقي مدير منظمة العدل والتنمية بالمنيا الناشط الحقوقي نادي عاطف والقيادي بالمجلس السياسي للمعارضة المصرية الوطنية تهديدات بالقتل والتصفية من قبل جماعات متشددة متهمينه بأنه نصراني كافر يعمل لدي منظمات تبشيرية بأوروبا وأمريكا وهددوه بأنه حال عدم تراجعه عن التقارير التي تصدرها المنظمة كتحليلات سياسية للأحداث سيتم شنقه وتطبيق الحد عليه، واتهام المنظمة الحقوقية بالعمل ضد الإسلام بسبب كشفها الكثير من الحقائق حول طبيعة تنظيم الإخوان المسلمين الدولي وعلاقتهم أيضا بكل من قطر والسعودية والولايات المتحدة، وتقدم عاطف بعمل محضر في قسم شرطة بندر ملوي برقم 1735 إداري وأمر رئيس محكمة ملوي بعمل التحريات اللازمة».. ولا تعليق لدي سوي انتظار تعقيب مسئول في مصر الشقيقة حول مدي وقع الحدث بتلك التفاصيل التي ذكرها المواطن عليه، ورد فعله المأمول لضمان عدم تكرار مثل تلك الأحداث! |