بقلم: مجدي جورج
برغم محبتي الشديدة ومتابعتي المستمرة لكتابات الأستاذ محمد عبد الحكيم دياب الا ان لى عليه عتاب بسبب ما كتبه فى جريدة القدس العربي يوم السبت الماضي 15/8 /2009 تحت عنوان(بدايات الانقسام الرأسي والافقى في مصر) اتهم فيه الأقباط بالانعزالية لأنهم يقولون إن مصر قبطية، واتهم قداسة البابا شنودة بأنه اقترب من هذا التيار الانعزالي وانه بذلك فقد الكثير من رصيده الوطني .
والأستاذ محمد عبد الحكيم دياب رغم ان كتاباته اغلبها رصينة وجادة الا ان طوال فترة بقاءه خارج مصر قد جعله لا يستطيع قراءة الواقع الموجود على الأرض جيدا مما أوقعه في عدة أخطاء منها :
1 قال بان الأقباط الانعزاليين قد اتهموا العرب بالبداوة رغم ان العرب على حد قوله هم من بنوا القلاع والحصون وبنص ما كتب " كيف للموصوفين بالبداوة أن يقيموا المدن و يبنوا الحصون والقلاع فور الفتح فهم من بنوا الفسطاط والقاهرة في مصر" وانا ارد عليه قائلا الم تقرأ سيدي
ان القاهرة قد بناها الفاطميين القادمين من المغرب وهم برغم كونهم مسلمين الا ان هناك شكوك كثيرة فى كونهم عرب ام انك لا تتفق معي انه ليس كل المسلمين عرب ؟
كذلك فان قيام العرب ببناء المدن فى الدول التى غزوها كالفسطاط والقاهرة والكوفة والبصرة والقيروان كما تقول لا يثبت حضارة العرب فهم قد قلدوا اهالى البلاد الذى غزوها وبنوا مدن شبيه بما هو كائن واعتمدوا في بنائها اعتماد كليا على اهالى تلك البلاد. وخير دليل على ذلك هو ان احمد بن طولون وبعد اكثر من مائتي عام من دخول العرب لمصر كان قد استعان بالقبطي "سعيد بن كاتب الفرغانى" الذى كان رجل حسن الهندسة حاذق بها كما تقول كتب التراث لبناء مسجد يحمل اسمه.
وكان قد قدر البعض لأحمد ابن طولون ان بناء هذا المسجد يحتاج الى 300 عمود وقد نصحه البعض بالذهاب الى الكنائس في الأرياف وتخريبها واخذ الأعمدة منها لبناء المسجد ولكن سعيد هذا أقنعه انه قادر على بناء المسجد بدون أعمدة الا عمودي القبلة وتم له ذلك وبني المسجد الذي يحمل اسم ابن طولون
سيدي لن يستطيع احد ان ينكر ان العرب فى زمان غزوهم للبلاد المجاورة لهم كان غالبيتهم قوم رحل وكانت البداوة غالبة عليهم وأثارهم تدل على ذلك فهم لم يكونوا أبدا كالمصريين القدماء الذين بنوا المدن والقلاع والأهرام وأقاموا المشاريع المختلفة وعرفوا الري والاستقرار والزراعة ومما يدل على بداوة العرب هو حرقهم لمكتبة الإسكندرية ومحاولة هدمهم للأهرامات.
2 ويضيف الأستاذ محمد عبد الحكيم دياب قائلا أن "العرب لم يكونوا مستوطنين، ولم يستهدفوا اقتلاع السكان واغتصاب أوطانهم وأراضيهم كما فعل الأوروبيون مع الهنود الحمر وأصبحوا أمريكيين، وكما يفعل الصهاينة مع الفلسطينيين وصاروا إسرائيليين." ويضيف فى موضع أخر قائلا " ولم يسجل التاريخ واقعة لها علاقة بممارسة التطهير العرقي أو التهجير أو الإبادة الجماعية." وانا ارد عليك سيدي قائلا لو قرأت جيدا كتاب مدام بوتشر "تاريخ الامة القبطية " لعرفت مدى الجرائم والفظائع التى ارتكبت ضد الاقباط . ولو قرأت ما كتبه كل من ابن الحكم او المقريزي او د. سيدة اسماعيل الكاشف وكلهم مؤرخون مسلمون لكنت عرفت مدى ما فعله العرب بالأقباط البشموريين الذين قتلهم وأباد أغلبيتهم الخليفة المأمون ومن بقى منهم على قيد الحياة أخذهم اسرى الى بغداد حيث بيع منهم من بيع والباقي توفى او القى به فى السجون. فكيف بالله عليك تقول أن التاريخ لم يسجل واقعة لها علاقة بممارسة التطهير العرقي او التهجير او الإبادة الجماعية ؟
3 من ناحية اللغة أقول لك ان القبطي الذي يتحدث العربية لا يمكن ان يقال عنه انه عربي وهذا ليس عيب فى اللغة العربية او فى العرب بقدر ماهو حقيقة لا يمكن الهروب منها فكما لا نقول على الهندي او النيجيري او الغاني الذى يتحدث الانجليزية انه انجليزي ولا نقول على مواطني بوركينا فاسو او مالي او السنغال أنهم فرنسيين لانهم يتحدثون الفرنسية ولا على اغلب سكان أمريكا الجنوبية انهم أسبان لانهم يتحدثون الاسبانية فهكذا أيضا لا يمكن ان نقول على الأقباط الذين يتحدثون العربية أنهم عرب .
ومن ناحية أخرى لماذا نتهم نحن كأقباط اننا انعزاليون إذا فكرنا فى الاهتمام بلغتنا وثقافتنا وتراثنا القبطي وهو حق انسانى أصيل مع ان كل الأقليات التى حولنا فى الدول العربية او الإسلامية لها هذا الحق كالأكراد بالعراق وتركيا والبربر في الجزائر والمغرب ؟
4 طالما انك فضلت أفعال العرب عند غزوهم مصر على أفعال الأوربيين فى أمريكا فاننى أقول لك رغم عدم اتفاقي معك : رغم كل ما تقول عن هؤلاء الأوربيين وهم خليط من الشعوب المهاجرة من بريطانيا والمانيا وايطاليا واسبانيا وغيرها إلا أننا لم نجد الآن احدهم يقدم انتمائه الانجليزي او الاسباني او الالمانى على انتمائه الامريكى بل الكل أمريكيين فقد انصهروا جميعا فى هذه البوتقة المسماة امريكا.
بينما في مصر تجد المسلم المصري لا يقدم انتمائه العربي قبل مصريته فقط بل هو يقدم نفسه بأنه مسلم عربي وفى نهاية المطاف يقول انه مصري .
5 ثم ياسيدى هل تدرك ان الأقباط لم يبدءوا أبدا بالانعزال بل المتأسلمون هم من فعلوا ذلك وجروا عموم الشعب المسلم وراءهم فقبل السبعينات كنت تمر فى الشوارع فلا تستطيع ان تميز بين الرجل المسلم والرجل المسيحي ولا السيدة المسلمة ولا المسيحية من حيث المظهر فالملابس كانت تقريبا متشابهة فى كل شئ . والأسماء كانت متشابهة خليل وعبده وعبد الله وإبراهيم ... والتحيات والمجاملات كانت واحدة صباح الخير وصباح الورد ويومك سعيد. ولكن فجأة هبت رياح عاتية قادمة من صحراء جافة فوجدنا لافتات فى الشوارع والجامعات والنوادى تقول "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل".فى أشارة للمسلم والمسلمة بعدم مصاحبة المسيحيين ووجدنا لافتات تحذر المسلمات من عدم الحجاب ووجدنا الزى الاسلامى انتشر بين الرجال واللحى طالت ووجدنا الأسماء تغيرت فاختفت الأسماء المشتركة وأصبحت غالبية الأسماء محمده او معبدة ووجدنا كأقباط ان المسلمين لا يردون علينا تحيتنا التى اعتدنا ان نحييهم بها ولا يجاملوننا كما كنا نجاملهم ولا يعيدونا علينا فى أعيادنا كما نعيد عليهم فى اعيادهم . الجامعات أسلموها .النوادي الرياضية أسلموها النقابات اسلموها حتى الأحزاب معظمها أسلموها فبالله عليك من الذي بدأ تيار الانعزال ؟ هل عزل الاقباط أنفسهم ام انكم انتم الذين عذلتموهم فلم يجدوا الا ان يعيشوا عزلتهم التى فرضت عليهم معا .فهل بعد كل هذا يلاموا على خطأ لم يرتكبوه؟
ورغم كل ذلك استاذى العظيم أقول لك تعالى ننسى كل هذا وننسى من بدء العزلة وعزل الآخرين عنه ولنبدأ صفحة جديدة , صفحة نعتز فيها بمصريتنا ونقدمها على ما عداها من انتماءات أخرى. |