بقلم: د. نجيب وهبة
يقول "ابن القيم" في الأحكام: أن الكنائس هي مساجد النصارى, وأن هذه الكنائس تُهدَم إذا دخل أصحاب فكر جديد بلدًا من بلاد شبه الجزيرة العربية.
ويقول "ابن أبي حاتم" في تفسيره: الصوامع هي التي يكون فيها الرهبان, والصلوات كنائس النصارى. وقال إن الصوامع والكنائس يشرك أهلها بالله وهم كفار وهدم بيوتهم حلال.
وقد تضمن ذكر القلاية والدير والكنيسة والصومعة، وأما الدير فللنصارى خاصة يبنونه للرهبان خارج المحلة, يجتمعون فيه للرهبانية والتفرد عن الناس, وأما القلاية فيبنيها رهبانهم مرتفعة كالمنارة والفرق بينها وبين الدير أن الدير يجتمعون فيه، والقلاية لا تكون إلا لواحد ينفرد بنفسه ولا يكون لها باب بل فيها طاقة يتناول منها طعامه وما يحتاج إليه.
قيل أن الكنائس التي بناها النصارى تهدمت وليس لهم أن يُحدّثوا شيئًا من ذلك. وسئلوا: وما هي الحجة في أن يُمنَع النصارى أن يبنوا كنيسة إذا كانت الأرض ملكهم؟! أجابوا: أي بلد فُتحت بعد العصر الجاهلي فتُهدَم الكنائس ويُمنَعوا من إحداث أي شيء من هذا القبيل.
كما سئلوا لو أنهم فتحوا عنوة إقليمًا, هل يكون الملك شاملاً لما فيه من أموال النصارى والأثاث والمزارع والحيوان والأرض والدور والكنائس والقلايات والديورة ونحو ذلك؟ فأجابوا ما فتحوه تحسب ملكًا لهم. فقد ملّكهم الله إياها كما ملّكهم ما استولوا عليه من النفوس والنساء والأموال والعقار, ومعابدهم ومساكنهم وأسواقهم ومزارعهم وسائر منافع الأرض.
وخلاصة الأقوال التي قيلت: ليس للنصارى أن يحدّثوا كنيسة, ولا يضربوا فيه بناقوس, ولا يرفعوا صليبًا, ولا شيئًا مما يجوز لهم في دينهم، ولا يحدّثوا بناء يطولون به على مبانيهم، وأن يفرقوا بين هيئاتهم في المركب والملبس؛ وبين هيئات أصحاب الفكر الجديد, وأن يعقدوا الزنار على أوساطهم، ويجب أن يتميز النصارى فلا يركبون خيلاً مطلقًا وإن ركب حمارًا ينزل عنه عندما يمر بهم، ولا يسكن دارًا عالية البناء.
وعليه أن يظهر "الكسيبح" فوق ثيابه محوكًا من خيوط الصوف والشعر و"الكسيبح" لفظ فارسي معرب معناه الأصلي (العجز والذل)، ولا يلبس النصراني الثياب الفاخرة كصوف مربع وجوخ رفيع ويلبس قلنسوة طويلة من لبد مصبوغة بالسواد، ومدارساتهم خشنة فاسدة اللون، ويجعل على ملاة المرأة النصرانية خرقة زرقاء.
وأما مسألة ترميم الكنائس المتهدمة وبناء ما تهدم, فقد أفتوا بمنع النصارى من ترميم ما تهدم من كنائس أو بنائه ويجوز هدمها كما لا يجوز تملّك النصراني الأرض.
ولما كان الضرب بالناقوس علامة الكفر, اشترط على النصارى تركه، كما أن أصواتهم تخفض في كنائسهم فإنها أبغض الأصوات إلى الله.
ولقد مُنعوا أيضًا من أن يُظهِروا الصليب لأنه من شعائر الكفر الظاهرة, والاكسر فوق رؤوسهم.
إن كل ما أوردته في هذا البحث, لا يعدو كونه نماذج فقط استشهدت بها من بطون أمهات الكتب لإيضاح وبيان الحقيقة.
لهذا لم يكن هدفي هو تحقير الفكر الجديد، وإنما هدفي أن الجميع يقرءون حتى لا يُخدَعوا. |