بقلم: مجدي ملاك
المتابع لكل ما يُنشر حول المطالب التي توجّه إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما حول دعوته بالتمسك بالديمقراطية في مواجهة العالم الآخر يتكون لديه شعور بأن الرئيس أوباما ربما قد أعلن في خطبة غير رسمية أنه لن يعطي للديمقراطية مكان في إدارته، وأنه سيرفع شعار مصلحة أمريكا فوق أي ديمقراطية وفي الحقيقة وباعتباري متابع لكل أحاديث وخُطب معظم الرؤساء وليس الرئيس الأمريكي فقط فأن الرجل لم يصرح على الإطلاق بأي من تلك الهواجس التي أصبح الكثير يخاف منها.
وهذا الطرح بالطبع أقدمه بعد ظهور العديد من الخطابات والمطالب من قبل مثقفين عالميين ومن مهاجرين أقباط ومسلمين بضرورة دعم الديمقراطية في عالم الظلم خاصة في دول الشرق الأوسط، وربما ما دفعهم إلى هذا الأمر هو بعض من خطابات أوباما أو برنامجه الانتخابي الذي أعلن فيه أنه على استعداد للتحاور مع الجميع حتى مع أعداءه فربما تلك المقولة أعطت إحساس لدى الكثير أنه سيغلب المصلحة الأمريكية المادية على المبادئ الأمريكية التي بدأت تنتهجها منذ إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي التي صدرت في عام 2001 عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر والتي كانت تؤكد أن الدولة الأمريكية لن تستطيع أن تتجنب أحداث مماثلة وهي في نفس الوقت تشجع أنظمة ديكتاتورية على الظلم والاستبداد.
أبداً بالطبع لم يقل أوباما أنه سيتخلى عن تلك الإستراتيجية في التعامل مع الدول الديكتاتورية وأكبر دليل على ذلك أنه قام بالأمس بتجديد العقوبات المفروضة على إيران لمدة عام آخر، وهو ما يعني أنه لن يتهاون مع أي دول على الرغم من إتباعه سياسة مختلفة في الحوار، ولكننا في نفس الوقت يمكن لنا أن نتفهم تلك المطالب من جانب الناشطين في الولايات المتحدة ذلك لأن دعوة أوباما للتحاور مع الكل ربما قد يكون أشعر بعض الحكام بأن الديمقراطية الأمريكية أصبحت المطلب الأخير في العلاقة مع الولايات المتحدة ومن ثم من الممكن أن تقوم تلك الأنظمة بإظهار حسن نوايا ظاهرية دون أن يعبر ذلك عن واقع فعلي في زيادة مساحة الديمقراطية داخل تلك الدول خاصة أن الأزمة الاقتصادية الأمريكية ربما تشعر البعض أن الإدارة الأمريكية ليس لديها من الوقت لمتابعة كل ما يجري في ظل انشغالها الدائم بمشاكلها الاقتصادية، وبالطبع هم في ذلك يعتقدون أن الإدارة الأمريكية مثل إدارتهم الديكتاتورية التي تتحكم في كل شيء وهو أمر بالطبع خاطئ لأن الإدارة الأمريكية لا تعني فقط الرئيس الأمريكي، فالإدارة الأمريكية تتابع العمل في كل شيء من خلال أجهزة ومراكز دراسات مسئولة عن دراسة الأوضاع العالمية المختلفة وتقديم تقارير دورية بما يجري في العالم، وهو الأمر الذي يساعد الرئيس الأمريكي على اتخاذ قراراته، فمراكز الأبحاث في الولايات المتحدة هي التي تمد الرئيس بكل ما يحتاج إليه في اتخاذ قراراته.
الدعوات المستمرة لمطالبة أوباما بتحقيق الديمقراطية وعدم التخلي عنها من قبل النشطاء هي مجرد تخوفات على مصير الديمقراطية خاصة مع معرفة هؤلاء النشطاء بمدى انتهازية الحكام الديكتاتوريين في استغلال الفرص لصالحهم ولكن لا يمكن أن يقوم الرجل الذي لولا الديمقراطية لما وصل لهذا المنصب في الولايات المتحدة أن يكون من أوائل المتخليين عنها.
وبالطبع أنا في هذا لا أطالب النشطاء بالتوقف عن إرسال هذه الرسائل إلى الرئيس الأمريكي بل على العكس فأنها تمثل ورقة ضغط كبيرة ليس على الرئيس الأمريكي ولكن على كل من اعتقد أن ملف الديمقراطية قد ولى وأن الآن هو وقت المصالح فقط.
الأمر الأهم في تلك الرسائل أن بعضها جاء من شخصيات إسلامية مهاجرة إلى الولايات المتحدة من دول الشرق الأوسط، وهو أمر بالطبع سيصب في مصلحة إعادة تذكير دولهم وحكامهم بأنهم سيعملون قدر طاقتهم على المطالبة بالديمقراطية التي حرمتهم منهم أنظمتهم الديكتاتورية في الداخل، وحرمتهم من الاستمرار في العيش داخل مجتمعاتهم ولعل الدكتور سعد الدين إبراهيم هو أكبر مثال على ذلك حيث لا يزال واحد من أهم النشطاء وهو في الخارج لأنه يعلم ويدرك أهمية استمرارية المطالبة بتلك الديمقراطية التي حرمته من ممارسته حياته الطبيعة داخل مصر، وأصبح مهدد من حين لآخر بتهم التخابر وتلقي أموال من الخارج وهي بالطبع تهم أصبحت جاهزة لكل من أراد الحديث بشفافية عن الأوضاع الداخلية وبصرف عن صحة الاتهامات من عدمها.
التذكير بالديمقراطية أمر يصب في مصلحتنا جميعاً، ولكن إذا كان الخارج يحرص على هذا، فالسؤال هو أين موقف الداخل من تلك القضية؟؟، ولماذا لا نجد بيانات مماثلة من مثقفين في الداخل يطالبون بنفس المطالب التي يطالب بها مثقفين الخارج وهو أمر لو لم يلتفت له المثقفين في الداخل فأعتقد إن هذا سيعد بمثابة انتكاسة أخرى للديمقراطية في مصر، خاصة إذا وضعنا في اعتبارنا حالة الأحزاب الحلية التي مازالت صراعاتها في المحاكم ويبدو أن الأمل في إعادة إحيائها سيأخذ سنوات ومن ثم يمثل المثقفين في تلك الحالة منبر وطريق لابد لهم أن يستغلوه في الضغط على النظام وتذكيرهم بأن الديمقراطية حلم لن يتم التخلي عنه. |