بقلم: مجدي جورج
قامت قوات حماس يوم الجمعة الماضية باقتحام مسجد ابن تيمية الموجود في مدينة رفح الفلسطينية بعد قيام المدعو د. عبد اللطيف موسى بالتحصن فيه هو وأنصاره من جند انصارالله وإعلانه عن قيام إمارة إسلامية في هذه المدينة وتهديده لحركة حماس بالويل والثبور وعظائم الأمور إذا هي تدخلت وحاولت إفشال خططه والسبب في ذلك من وجهة نظره أن حماس لا تحكم بشرع الله كما يجب وانه هو وأنصاره هم من سيقومون بهذه المهمة خير قيام .
وقد أسفرت عملية اقتحام المسجد عن مقتل 28 قتيل بما فيهم زعيم هذه الحركة وأحد كبار قادة كتائب القسام وإصابة العشرات من بينهم أطفال.
ولن نتناقش هنا مدى حرمة اقتحام المساجد ؟ ومدى حرمة القتل والتدمير ؟ ومدى حرمة اقتتال الأشقاء ؟
كل هذه الأسئلة وغيرها لن أتطرق إليها فقد تطرق إليها الكثيرين ولكنى سأناقش مسألة أخرى حيوية وهامة ولا تتعلق بملف حماس فقط بل تتعلق بكل الحركات والأنظمة الإسلامية التي تتخذ من الدين ستار لترسيخ وتثبيت أرجلها في مقاعد الحكم .
فإذا نظرنا حولنا شرقاُ وغرباً شمالاً وجنوباُ سنرى أن كل الدول التي قامت فيها أنظمة حكم شبيه بحكم حماس لم تجنى إلا الدمار والقتل والاقتتال والتشرذم والتأخر.
فاتخاذ الدين وسيلة ومنهاج للحكم يخلق مزايدين وبقدر المغالاة في تطبيق ما تعتقد انه شرع الله بقدر مغالاة الآخرين ومزايدتهم عليك فلا حدود في المغالاة ولا يوجد خط نهائي يمكن أن تتوقف عنده.
فعندما طبقت حماس تجربتها في غزة بدأت بدايات طيبة قائلة أنها حركة إسلامية معتدلة لن ترغم احد على فعل شيء ولكن أجندتها تختلف عن أجندة حركة فتح العلمانية الفاسدة ولكن سرعان ما رأينا إن حماس انقلبت على كل هذا ونسيت كل تعهداتها بسبب نشوء جماعات مزايدة عليها في الدين ومتهمة إياها بأنها لا تحكم بشرع الله كجند أنصار الله وجيش الإسلام وغيرها لذا فإنها سرعان ما اضطرت الى فرض قوانين متشددة فى قطاع غزة كفرض الحجاب على المحاميات والعمل على الفصل بين الجنسين وغيرها من الممارسات الأخرى لتثبت للآخرين وللشعب الذي تحكمه أنها اكثر أسلاما من كل الحركات المتمردة عليها.
في الصومال عندما وصل الزعيم الاسلامى ورئيس البرلمان السابق شيخ شريف شيخ احمد إلى سدة الحكم بعد محاربته للحكومة السابقة بقيادة عبد الله يوسف قائلاً أنها لا تطبق شرع الله كان من أول قراراته تطبيق الشريعة الإسلامية في الصومال ولكن بعدها بشهرين لا أكثر ظهرت جماعات أخرى كشباب المجاهدين والحزب الاسلامى بقيادة طاهر اويس وغيرها تتهمه بأنه لا يطبق شرع الله و قد قامت هذه المجموعات بمحاربته في حرب ضروس موقعة ألاف القتلى والجرحى .
في نيجيريا لم يمنع قيام ولايات الشمال بتطبيق الشريعة الإسلامية منذ سنوات لم يمنع هذا من قيام جماعة أكثر تطرفا تدعى "بوكو حرام" تنادى بتطبيق الشريعة بصوره اكثر صرامة حتى اصطدمت هذه المجموعة مع قوى الأمن النيجيرية الأيام الماضية وأسفر هذا عن سقوط عشرات الضحايا.
في مصر ومع بدايات حكم السادات وتمسحه بالدين لترسيخ حكمه وإضافته ألف ولام التعريف بالمادة الأولى من الدستور وبدل من النص على أن "الشريعة الإسلامية هي مصدر رئيسي للتشريع" جعلها "الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع " ثم قوله إنا رئيس مسلم لدولة إسلامية وكذلك إفراجه عن المعتقلين الإسلاميين واستخدامهم لضرب اليسار ولكن كل هذا لم يشفع له وزايد عليه الإسلاميين في اسلامه وكفروه ونجحوا في قتله أخيراً سنة 1981.
وبعد ذلك رغم مزايدة حكومتنا ونظامنا المصري على الإخوان والمتطرفين وتبنيهم لنفس روائهم ورؤيتهم إلا أن ذلك لم ينفع مع الإسلاميين فاستمرت الحرب الضروس بين الإسلاميين وبين نظام مبارك حتى نهايات القرن الماضي بل وحاولوا اغتياله بدعوى انه لا يطبق شرع الله وما زال الإسلاميين للان يتهمون الدولة بعدم تطبيق شرع الله في محاولة ابتزازية مستمرة لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة.
وفى السعودية ورغم حكمها بالشريعة فأن هذا لم يمنع من يزايد على حكم ال سعود ويحاربهم ويقول أنهم لا يحكمون بشرع الله والتفجيرات التي قام بها المتطرفين هناك هى خير دليل على ذلك.
الأمر شبيه بذلك في أفغانستان والسودان واليمن وباكستان وغيرها من الدول. ولا حل لهذه الأزمات إلا بإبعاد الدين عن السياسية والحكم فمحاولة تطويع احدهما لخدمة الأخر تضر بالاثنين معا. |