CET 00:00:00 - 18/08/2009

مساحة رأي

بقلم: جرجس بشرى
لست أفهم لماذا يتشنج البُسطاء والمُغيبون ومُتصنعوا الوطنية لمُجرد ذِكر اسم إسرائيل؟ ولماذا والعياذ بالله تركبهم العفاريت وتُصيبهم موجة غريبة ومُضحِكة من الجنون والهيستريا لمُجرد أن واحدًا من الناس يتجرأ ويجيب سيرة إسرائيل على لسانه؟ وكأن إسرائيل البُعبُع إللي لا يجب أن يقترب منه أحد في مجتمعاتنا، ولو اقترب منه أحد فعليه أن يلعنها ويسبها ويشتم سلسفين إللي جابوها لكي يصبح بطلاً عظيمًا مُبجلاً في عيون سامعيه!!!
لقد دأب النظام الحاكم في مصر على تخويف المغيبين والجهلة والبسطاء من إسرائيل، وحشد الرأي العام ضدها إعلاميًا، لجعله في حالة استنفار دائم منها، فالحكومة المصرية والحكومات العربية والإسلامية تصور للناس إسرائيل على أنها العدو الأوحد الذي يجب مقاومته في كل صوب وفج لدوافع أغلبها دينية في الأساس، لدرجة أنه ما زال خُطباء وشيوخ المساجد يطالبون الله سبحانه بهلاك إسرائيل وإذلالها.
وأتذكر عندما كنت صغيرًا شيخ الجامع في بلدتنا وهو يطالب ووراءه المصلين بقوله "اللهم خرّب بيوت اليهود والنصارى ويتِّم أولادهم ورَمِّل نساؤهم"، وكنت أتعجب هل من المعقول أن يقبل الله صلوات ترتفع إليه طالبة النقمة واللعنة للعباد؟ وهل التقرب إلى الله سبحانه يكون بهذا الشكل المُزري؟ فمعروف أن الله يستجيب فقط للصلوات الطاهرة المرفوعة إليه طالبة الخلاص والرحمة والهِداية حتى للأعداء والمُعتدين، كي يردهم الله عن ظلمهم وعدوانهم وشرهم!!
الغريب أن الحكومة المصرية تعيش حالة غير مسبوقة ولا معهودة من الغرام مع إسرائيل، فهي تصدر لها الغاز، ولها علاقات تجارية ضخمة مع إسرائيل، ورئيس المُخابرات المصرية يقوم بدور الوسيط بين إسرائيل ومصر، ومعروف أنه لا يصلح أن يكون أي شخص وسيطًا!! ومبارك نفسه يلتقي في مصر مسئولين إسرائليين بارزين بدءًا من رئيس الدولة إلى وزراء الخارجية وغيرهم، هذا على مستوى المسئوليين غير الدينيين بالدولة، أما عن المسئولين الدينيين فقد طالب فضيلة شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي الرئيس الإسرائيلي ووزيرة خارجيته من قبل بزيارة الأزهر الشريف، كما قال شيخ الأزهر أنه مستعد لزيارة إسرائيل إذا سمحت الظروف بذلك، والأغرب في الموضوع أن وزير الأوقاف المصرية د. محمود حمدي زقزوق قد دعا المسلمين بزيارة القدس ولو بتأشيرة إسرائيلية، وأصر على موقفه، وطالب مُعارضيه بتحكيم العقل، ومؤكدًا لهم أن المكاسب التي تنطوي عليها فكرته تفوق كثيرًا الخسائر التي قد تُنجم عنها!!!..
أرأيتم غرام أكثر من هذا.. الحكومة ومؤسساتها الدينية تمارس التطبيع العلني والغرامي مع إسرائيل، وفي نفس الوقت ترفض التطبيع معها على المستوى الشعبي، ويبدو أنها تستخدم هذا الإسلوب كورقة من ورقات الضغط على الحكومة الإسرائيلية -وبرغم رفضنا القاطع للمُمارسات الحكومية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين الُعزل- إلا أن معرفة رجل الشارع العادي ما يحدث داخل إسرائيل ستكون لها نتائج إيجابية مهمة على البلدين -وخاصة مصر-، لأن إسرائيل تعرف أدق التفاصيل عما يجري في مصر وتوظفها لصالحها، لدرجة أنها كانت تحاول تتوصل لأسرار عسكرية من خلال معرفة أسماء العسكريين المتوفين المنشورة بصفحة الوفيات بجريدة الجمهورية، كما يجب أن نعرف أيضًا ما تنشره إسرائيل عن الداخل المصري في وسائل إعلامها ونوظفه لمصلحة مصر، فإسرائيل ليست كما يدّعى المغيبون والمسطحون فكريًا ومتصنعوا البطولة سواد في سواد، ولكن هناك نقاط مضيئة داخل إسرائيل تحدث، وعلينا أن نعرفها ونتعلم منها ونستفيد بها.
فإسرائيل تعد من الدول العظيمة في مجال البحث العلمي وبراءات الإختراع، وعدد الأبحاث العلمية المنشورة، كما انها دولة ديمقراطية بمعنى الكلمة، إنها دولة لا تسمح بأن يرتع فيها الفاسدين والمُفسدين، بدءًا من رئيس الدولة إلى أصغر موظف، دولة تحترم مواطنيها، ولا تستند في محاسبتهم على آليات دينية بل تستند على قوة وهيبة القانون، إننا في أَمَس الحاجة أن نعرف أكثر عن هذه الدولة الصغيرة التي استطاعت أن تصدّر أجهزة رؤية ليلية لأكبر دولة في العالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية، وحسنا فعلت قناة (on tv) عندما اتخذت زمام المبادرة بتخصيص برنامج خاص بإسرائيل يسمى "إسرائيل من الداخل"، وحسنًا فعل مركز الأهرام للدراسات الإسرائيلية عندما خصص مجلة عن إسرائيل بعنوان "مختارات إسرائيلية".
فمن المعروف أن الإنسان عدوًا لما يجهله، فكم بالأولى الجاهلون.. إنهم أعداء لأنفسهم!!

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٧ صوت عدد التعليقات: ٤ تعليق