بقلم: جورج رياض
تلقىَ زيارة الرئيس مبارك للولايات المتحدة اهتمامًا متزايدًا سواء في تغطية الصحف المصرية والأمريكية على حدًا سواء وكذلك في لغة وحسابات السياسيين والمفكرين، فالزيارة تعد الأولى التي يقوم بها مبارك للولايات المتحدة منذ 5 سنوات بعد فترة طويلة من الخلافات والمشاحنات مع الإدارة الأمريكية السابقة بقيادة الرئيس جورج دبليو بوش الذي أصر كثيرًا على انتقاد مصر ورئيسها في مناسبات بسبب غياب الديمقراطية واعتقال بعض السياسيين مثل أيمن نور ود. سعد الدين إبراهيم، لكنه فشل في الوقت ذاته بشكل ذريع في إقناع النظام المصري أو الضغط عليه لتحقيق هذه الشعارات.
ومع مجيء الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما تبدل الحال وتحسنت العلاقات المصرية – الأمريكية بشكل واضح، وكان من نتائج ذلك إلقاء أوباما خطابه التاريخي للعالم الإسلامي من القاهرة وقبلها أفرج النظام عن أيمن نور ود. سعد الدين إبراهيم كبادرة حسن نوايا وبدون ضغوط علنية من الإدارة الأمريكية الحالية مثلما كان يفعل بوش، ويبدو أن أوباما فهم "سيكولوجية" النظام في مصر وكيف يتعامل معه بعرض ما تطلبه بلاده بشكل غير معلن والاستجابة تبدو معقولة حتى الآن.
الجديد أن بعض التقارير الأمريكية أشارت إلى أن أوباما قد يتجنب الحديث مع مصر عن مسألة الإصلاح الداخلي في مقابل قيام مصر بلعب دور أكبر يخدم المصالح الأمريكية في المنطقة، فتشير دراسة هامة تابعة لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى إلى حدوث تغيير في أولويات الإدارة الأمريكية تجاه مصر ودورها الإقليمي.
وتقول أن إدارة أوباما تخلت عما نادت به الإدارة السابقة من ضرورة الإصلاح السياسي وتحسين سجل حقوق الإنسان وتحقيق تطور ديمقراطي في مصر، مقابل أن تقوم القاهرة بدور نشط في احتواء التهديد الإيراني وتطوير عملية السلام بين العرب وإسرائيل.
وأشارت الدراسة إلى أن مصر تبنت عدة خيارات إستراتيجية فيما يتعلق بإيران وعملية السلام العربي- الإسرائيلي لخدمة الأمن القومي المصري، وأن إدارة أوباما ترى في هذه الخيارات ما يخدم في الوقت نفسه العلاقات بينهما. وترى الدراسة أن "استمرار الضغط المصري على حركة حماس عن طريق وقف التهريب من سيناء لقطاع غزة، إضافة لمنع حصول حماس على المزيد من الأموال يعكس أهمية دور مصر في هذه القضية".
وفيما يتعلق باحتواء إيران، أشارت الدراسة إلى عمليات القبض الأخيرة على خلية تابعة لحزب الله في مصر، لبيان أهمية الدور المصري في هذا الخصوص.
لكن في الوقت ذاته أوضحت هذه الدراسة وبعض التقارير الأخرى التي تناولتها وسائل الإعلام الأمريكية أن الزيارة تأتي في وقت يقترب فيه حدوث عملية تغيير "في الحكم" داخل مصر مما يعني أن التوقيت الآن سيكون جيدًا لتتحدث الإدارة الأمريكية مع الرئيس مبارك عن هذه القضية بطريقة جادة وأقل علنية، وأفردت صحيفة "بوسطن جلوب" تقريرًا استعرضت فيه الجدل السائد حاليًا بشأن تداول السلطة في مصر، وقضية مَن سيخلف الرئيس وهل سيكون نجله جمال مبارك أم أحد الأشخاص الآخرين الذين ينتمون للمؤسسة العسكرية.
هذه القضية ومعها مشاكل الأقباط في مصر أعتقد أنه سيتم تناولها خلال الزيارة بشكل سري وهادئ بخلاف ما كان يقوم به الرئيس الأمريكي السابق، وعلينا أن ننتظر النتائج، فربما يثبت لنا أوباما أنه ليس بالكلام المطاط والتصريحات النارية تحل المشاكل والقضايا الخلافية، ولكن يمكن تجاوزها بما يطلق عليه "الدبلوماسية الناعمة" وعدم إثارة هذه القضايا من خلال وسائل الإعلام. |