بقلم: محمد عبد الفتاح السرورى
(الطريق الي جهنم مفروش بالنوايا الطيبة) لم يبدأ الأستاذ فهمي هويدى كتابة بهذه المقولة ولكنني أبدأ بها في عرض كتابة (المفترون) فلقد كنت أتذكر هذه المقولة المشهورة كلما توغلت قدما بين ثنايا الكتاب وسبب استحضاري لهذه الجملة المأثورة لم يأتي من فراغ بل ان له دواعي كثيرة سيأتي سردها في حينها ولكنني أردت فقط أن أوضح ما استشعرت به حينما قرأت الكتاب و احببت أن تكون هذه المقولة مدخلاً لحديثنا وعرضنا لأسطر الكتاب.
• (الإسلام وأزمة النخبة) هذا هو العنوان الفرعي لما بدأه الأستاذ هويدي في عرضه لفكرة أزمة الإسلام مع بعض ما أطلق عليهم النخبة وفيها يذكر عدداً من الموضوعات الصحفية والإعلامية التي لفتت انتباهه وأراد أن يوضح فيها وجه نظره ونحن بدورنا وحقناً في الاختلاف نبغي أيضاً توضيح وجه نظرنا وخلافنا معه.
يقول الأستاذ (هويدي) ما نصه (هل يشك أحد في أن أكثر الوسائل فعالية لتحقيق مآرب الطامعين المتربصين والكارهين أن يقوم بنو جلدتنا أنفسهم بتلك المهمة سواءً استدرجوا إليها أو تواطئو عليها؟ على الصعيد السياسي لبنان نموذج يجسد ما نقول (الكلام لا يزال للمؤلف) إذ لاخلاف على أن لبنان ضحية مؤامرة جهنمية لكن الذي ينفذ المؤامرة هم اللبنانيون أنفسهم الذين لا يقتلهم أحد من الخارج لكنهم يقتتلون وينتحرون!) ونغلق قوس سرد ما قاله المؤلف تفتح قوس تعليقنا على ما كتب.
لا يا سيدي الفاضل لا يوجد خلاف على أن لبنان ضحية مؤامرة جهنمية وصحيح أن اللبنانيون يقتتلون وينتحرون وهذا بسبب غياب المشروع الوطني اللبناني الذي يضع لبنان فوق الجميع وما ذكرته يعد خلافاً للمشروع الإسلامي المطروح ... لبنان ضاع لأنه وقع ضحية الطائفية والتعصب وأصبح تحت وطأه صناع الكراهية. والذي ينقذ لبنان الآن هو نفسه ما ينقذ العراق فلبنان يحتاج الي (لبننه) والعراق تحتاج إلي (عرقنة ) لا لبنان يحتاج الي نصرنة ولا العراق يحتاج الي أسلمه.
• يقول المؤلف في وضع آخر (كأن الجهاد الإسلامي يشتمل عنصراً لإفساد المقاومة) وذلك في خلال سياق عرض المؤلف لظاهرة المقاومة الفلسطينية في الأراضي المحتلة. وما لفت نظري هو لفظ (كأن) رغم أن ما ذكرة المؤلف يعد حقيقة بالفعل فلقد أساء الجهاد الإسلامي للمقاومة الفلسطينية كثيراً حتى أن القضية الفلسطينية تحولت من قضية إنسانية عامة الي قضية إسلامية خاصة وذلك بفضل صبغ المقاومة كلها بصبغة دينية إسلامية أدت الي أن أصبحت القضية الفلسطينية مؤسلمة إعلامياً وأصبحت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بحركة المد والجزر الإسلامي الدولي وموقف المجتمع الدولي ككل من قضايا المسلمين على وجه العموم وكان الأحرى بنا أن تكون القضية وطنية إنسانية أكثر منها قضية دينية كما هو حادث الان في الضمير الاسلامى العام لأننا خسرنا بذلك كثيراًبل أننى أسمح لنفسى أن أقول أن القضية الفلسطينية الان اصبحت لا تشغل بال كثير من العرب غير المسلمين بسسب كثرة ما سكب فى أذن العامة من شعارات إسلامية و جهادية فيما يخص الكفاح الفلسطينى فى إستعادة اراضيهم المغتصبة وتحويل القضية من قضية ارض محتلة الى أرض إسلامية محتلة ..والفرق كبير
• (دين غير الذي نعرف) في هذا الفصل عرض المؤلف رأيه فيما قاله السيد (ميشيل جوبر) وزير فرنسا الأسبق وعد المؤلف خمس أخطاء وقع فيها الوزير الفرنسي عندما كتب مقال له بعنوان (رؤية للتطرف من دار الحرب) ما يعنيينى هنا ليس سرد ما قاله جوبر أو الرد الذي أورده المؤلف عليه ولكن ما يعنيني هو الخطأ السادس الذي لم يذكره الأستاذ فهمي هويدي وهو الخطأ الخاص بنا نحن ... فالذي ذكره السيد جوبر لم يأت به من وحي نفسه بل أنه بمثابة إنتاج لما يقوله الكثير من المسلمين ليلاً ونهاراً في شأن الجهاد ودار الحرب وأنني أدعو السيد فهمي هويدي لمتابعة المتصدرين للمشهد الاسلامى العام لتسمع بنفسك ما يقولونه (متحدثين بإسم صحيح الإسلام) في شأن الحرب والكفاح و سوف تتأكد بنفسك أن ما قاله وزير الخارجية الفرنسي يعد شيئا هيناً أمام ما يقوله دعاه المسلمين أنفسهم.
• في موضع أخر بعنوان (شيوخنا المفتري عليهم) يقول المؤلف ما نصه (أن خطاب غلاة الإسلاميين محدود الأثر والصدى حيث أن الدوائر التي تستجيب لهم ضيقه محصورة في قطاع الشباب تحديداً وفي أغلب الأحوال فإنها دوائر خفيه وبعيدة عن الأعين وما يطبعون من كتب يروج في نطاق تلك الدوائر دون غيرها بينما غلاة العلمانيين يبثون إفكارهم عبر وسائط الاتصال الطبيعية ومن فوق منابر الخطاب العام ذات التأثير الأوسع في أعرض قطاع من الجماهير) ونعلق القوس حيث ينتهي سرد المؤلف وينتهي معه أيضاً كل ما يمت للواقع بصلة ... فلم يوجد بين ثنايا هذا الكتاب جزءاً خالف الواقع مثل هذا الجزء ولا أدري في الحقيقة عن أي مجتمع تحدث الأستاذ فهمي هويدي!!!.
هل خطاب غلاة الإسلاميين محدود الأثر والصدى؟! كما ذكر المؤلف حقاً... وغلاه العلمانية يثبون خطابهم من فوق منابر الخطاب العام أم أن العكس هو الصحيح.. سواء في العام الذي صدر فيه هذا الكتاب أو حتى العام الحالي.... يا سيدي الفاضل لا توجد منابر للعلمانيين.. المنابر للإسلاميين سواء في المساجد أو القنوات الفضائية أو أشرطة الكاسيت التي تبث أفكارها في عقول وآذان العوام وعلى حد علمي إن أجهزة الأعلام يوجد فيها مساحة للفكر الديني لكن لا يوجد أي مساحة للفكر العلماني المخالف له.... أذكرلي برنامجا ناجحاً له توجه علماني أو صحيفة قومية لها مثل هذا التوجه!؟! إن أي فرد يسير في الشارع يستطيع أن يذكر لك عدة أسماء من مشاهير الخطاب الديني على إختلاف توجهاتهم لكن كم فرد ترى يستطيع أن يذكر لك أسم مفكر علماني أيا كانت شهرته بين المثفقين؟ مجرد سؤال... أجابته توضح أيا من الفكرين له الصدى الأوسع.. خلافاً لما ذكرت.
يسأل المؤلف (الي متى يمكن يستمر إقتتالنا الداخلي وتوسيع نطاق وجبهات الصراع، بحيث نظل مستغرقين ومنشغلين بتصفية الخلايا الحية في مجتمعاتنا، وبحيث تظل ساحاتنا الداخلية نازفة تتقلب بين الصدام والتوتر؟! الأمر الذي يؤدي لإنكفاء المجتمع وتقليص دوره وإنصرافه عما يحيط به من تفاعلات أو ما يحيق به تحديات وأخطار ؟! لقد اصبح إيقاف هذه الملهاة ضروريا ليس فقط بمعيار الوعي السياسي العادي ولكن أيضاً بمقتضى الالتزام الوطني والقومي) وأنا أيضاً اسأل معه الي متى؟ ولكن السؤال الأهم ما هو وقود هذا الاقتتال الداخلي الذي يلهينا عما هو أهم؟.. أليست الثقافة العامة الرافضة لكل محاولات الخروج من المأزق الحضاري الذي نحن فيه ألا تعد هذه الثقافة السلفية فى مجملها ومشمولها مسئوله عما نحن فيه من دوائر خلافية لا تنتهي أليست كل محاولات الطيران خارج السرب تواجه برصاص قناصة الفكر من كل جانب لقد ذكرت في كتابك قضية (نصر حامد أبو زيد) وفى هذا الذكر الإجابة وبمقتضى الإلتزام الوطني والقومي الذي طلبت أقول لك إن كل محاولات التغيير والتطوير لا توجه الان إلا من قبل التيارات المحافظة سواء في الفكر والسياسة لأنها تعد بمثابة تهديد فعلي لوجودهم العام.
• يستنكر المؤلف على الدكتور فؤاد زكريا ما قاله أن مصر والعالم العربي يدور فيهما صراع بين ثقافتين إحداهما (منفتحة) يتبناها العلمانيون والأخرى (منغلقة) يتنباها الإسلاميون.
هذا الجزء يعد من أهم أجزاء الكتاب على الإطلاق وذلك لأن فيه تلخيصاً لفكرة الكتاب وفكر الكاتب ومقارنة بين الثقافيتين العلمانية والإسلامية صحيح أن هذه المقارنة جاءت على لسان الدكتور فؤاد زكريا وليس على لسان الكاتب إلا أن رأى الأستاذ هويدي فيما ذكره الدكتور فؤاد زكريا يوضح لنا فكر الكاتب كما سبق وذكرنا.
عفوا أستاذ هويدي ....ولكن ما أورده الأستاذ فؤاد زكريا وذكره لصفات كل من الثقافيتين صحيح مائة بالمائة بالفعل أصحاب الثقافة الإسلامية السلفية يعتقدون أنها ثقافة قد اكتمل بناؤها منذ أمد بعيد وهم ينظرون لثقافة الغير بإرتياب فعلى وقولى ويكرهون العقل (أليست ضمن مبادئهم الأساسية تقديم النقل على العقل يقولونها علانية دون خجل) نعم ثقافتهم ثقافة سماعية شفاهية..... ألا تتفق معي يا أستاذنا الفاضل أن العقلية الاسلامية العامة تعاني من ثقافة (العنعنة) وهى الثقافة التى تقدس كل ما هو ات من الماضى البعيد طالما انه قد اتى(عن) طريق الرواة الثقات .... أما ما قاله الأستاذ زكريا (في أن يكفي أن يرجع أحدهم الي طريقة السلف الصالح في حل مشكلة ما ليعتبر أن هذه هي الطريقة المثلي) لهو قول حق ورصد واقع لا ينكره إلا مكابر وأنت يا أستاذ هويدي تحيا معنا في نفس المجتمع وتتعايش مع نفس العقليات وتعرف جيداً مدى سطوه فكرة – السلف والسلفية على عقول الامة ومسلميها على إختلاف ثقافتهم الفرعية إلا أنهم يشتركون سويا في ثقافة (تقديس السلف وأفعالهم وجعلها فترة منزهه عن كل نقصية وبأنه لن ينصلح حال آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها... إن ما ذكره الأستاذ فؤاد زكريا لهو تقرير حالة ورصد حال أكثر منه رأي مفكر مرموق نعتز جميعاً بفكرة وليس هذا فحسب بل إن ما قاله الأستاذ فؤاد ذكريا لم يأت من فراغ بل أنه قد توصل إليه بعد خبرة سنوات طويلة من المشاركة في الحياة الثقافية... أي أن مقولته ليست إنطباعاً ولا حساً ولا خاطراً عارضاً بل هي خلاصة تجربة مفكر نظن جميعاً أن في ذكرها تنزيها عن كل غرض إلا ذكر ما رآه حقيقة.
ويورد الأستاذ هويدي في مجمل ردة على ما قاله الدكتور زكريا أن الإنغلاق والإنفتاح هما من السمات الطبيعية الموجودة في كل جماعة إنسانية ما تقوله صحيح يا أستاذ هويدي ولكن الفيصل هنا هو (النسبة) كم تبلغ نسبة المنفتحين على الاخر ..وما مدى قبول مجتمعاتنا لأفكار الحداثة الغربية على سبيل المثال ... هذا هو السؤال.
أما ثالثة أو رابعة أو خامسة الأثافي في كتاب الأستاذ هويدي هو ما يلي...
يقول الأستاذ فهمي هويدي (إن أكثر الرموز العلمانية لا يريدون أن يصدقوا أن الزمن قد تغير وأن الوعي الثقافي والإيماني إختلفت خلال العقدين الأخيرين خاصة بحيث ما كان الناس مستعدين لإستقباله منهم بالأمس اصبحوا يعرضون عنه اليوم وما كان يبهرهم في الماضي فقد بريقه منذ أن غدا الناس في وضعهم ذاك أكثر ثقه في أنفسهم وأكثر تشبساً بجذورهم – ويكمل الأستاذ هويدي – الصعب حقاً هو مراجعة النفس ونقد الذات أعني أنه كان صعباً على هؤلاء وهؤلاء الإعتراف بأن الدنيا تغيرت وأن ثمة بضاعة كسدت وإنصرف عنها الناس حيث تجلي في السوق جديد أقبل عليه الجميع بدرجات متفاوتة إزاء ذلك فإن أصحاب الدكاكين القديمة ما برحوا يصرون على عرض بضاعتهم القديمة بدلا من تعديلها وإعادة النظر في مواصفاتها المرفوضة. ليسب هذا فحسب وإنما ذهبوا الي حد سب جمهور المستهلكين ونعتهم بكل الصفات المرذولة ويسأل – هل يمكن أن يعد هذا موقفاً (منفتحاً) و "عقلانيا" وموضوعيا".
وإذا سمح لي الأستاذ هويدي أن أجيبه أن هذا الموقف لا يعد بالفعل موقفاً منفتحاً وعقلانياً وموضوعياَ لكن يا سيدي الفاضل أن الصفات التي ذكرت لا تنطبق على العقلية العلمانية ولكن على العقلية الإسلامية التى تتبنى الفكر الماضوى فالذين يرفضون الاعتراف بان الزمن قد تغير ليس العلمانيون ولكنهم السلفيون و هم الذين يرفضون مراجعة النفس ونقد الذات وليس العلمانيون ....عفواً لقد إعترف الكثير من أصحاب التيارات الفكرية المختلفة بأن الزمن قد تغير ولكن الذين لم يعترفوا بذلك هم أصحاب الثقافات المنغلقة ولا أحسبك بعيداً عن الحوار معهم وانك تعرف جيداً قدر تمسكهم بالنموذج الماضوى في الحياة ورفضهم التام الإعتراف بتغير الزمان الذي يستلزم تغير الفكر والفقه بالتبعية.
ويختم الأستاذ هويدي كلامه بسؤاله عن الحل أو البديل فيقول (أنه لا بديل عن حوار بين عقلاء الجانبين حتى لا ينفرد بالساحة دعاه الغل والانغلاق في هذا الطرف أو ذاك كما هو حاصل الآن إذ أن المطلوب ليس انتصار فصيل على فصيل وإنما المطلوب هو إتفاق الجميع على أسس مشروع مستقبل ينقذ الامه من هزيمتها الحضارية وتلك مسئولية عقلاء المثفقين) في هذه النقطة تحديداً أتفق مع الأستاذ هويدي جملة وتفصيلاً أتفق معه أنه لا بديل عن الحوار لانه ببساطة لا جدوى من التناحر وخاصة أننا نعيش جميعاً على أرض مشتركة وأن نتفق جميعا على أسس مشروع مستقبل ينقذ الامه من هزيمتها الحضارية وتلك مسئولية عقلاء المثقفين. لكن للآسف ما أن وجدتني متفقاً مع الأستاذ هويدي في نقطة إلا وظهرت إشكالية أخرى تتخلص في مواصفات هذا المشروع المستقبلى وهل سوف يتفق الجانبين على أسسه الاساسية أم أن الخلاف سيكون سيد الموقف كالعادة نظراً لتناقض مرجعيات كل فريق كما هو مرصود؟!!.
كتاب الأستاذ فهمي هويدي (المفترون) كتاب جدير بالقراءة والتعليق ولا يجب أن يمر نشره وتداوله مرور الكرام لأن في هذا الكتاب رصد لحال كثير من ظواهر وعوارض حياتنا من وجه نظر الكاتب المرموق الثقافة الواسع الاطلاع... وقد يكون التعقيب السابق لم يوف كل نواحي الكتاب ولكننا حاولنا بقدر المستطاع أن نغطي أهم ما جاء به فى رأينا وحتى يستطيع أن يشاركنا القارئ الذي لم يحظي بقراءته وعفواً لو كنا أطلنا الاستطراد وعرض لما قاله المؤلف... لعلنا نكون قد وفقنا إن يشاركنا القارئ أما أن يتفق معنا فيما طرحناه أو يختلف فذلك حق لا نصادره على أحد. بل نحسبنا من أشد المؤيدين لذلك الحق. |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|