بقلم: نشأت عدلي
بعد صعود السيد المسيح وحلول الروح القدس على التلاميذ بدأت البشارة أولاً في داخل أورشليم وما يجاورها من مناطق محدودة المسافة، وبعد اضطهاد اليهود للذين آمنوا بالمسيح برغم عددهم القليل نسبيًا.. إلا أن انتشارهم في معظم الدول كان إعجازيًا في ترتيبه.. وتوقيته.. ومن قام بالتبشير..
- عندما آمن الآباء الرسل بالسيد المسيح وتبعوه، لم يكن في فكرهم أن مهمتهم سوف تكون نشر الإيمان بهذه الصورة التوسعية، ووضع القواعد والأسس له، وتأسيس كنائس، ورسامة قسس وأساقفة، بل كان فكرهم محصور في محبة المسيح الذي أرشدهم لطريق الحق ومحاولة إرضائه بالإيمان والأعمال الصالحة وحفظ كل وصية من وصياه، وبالرغم من أن السيد المسيح أوصاهم بأن يكرزوا بالإنجيل واقتراب ملكوت السموات، لكن كانت كرازتهم وتبشيرهم تحت مظلة حمايته وبإرشاده المستمر وليس على فهمهم أو ذكائهم، لذا قال لهم السيد المسيح في العظة الوداعية (يو:15 – 5) "بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا"، وذلك ليؤكد لهم أن تأسيس المسيحية في قلوب الناس والتبشير بها وهو معهم، مختلف عن التبشير بها وتأسيسها فيهم بعد صعوده، لا سيما أنه اختار البسطاء منهم وجَعَلهم تلاميذًا له ليكونوا شهودًا بعمله معهم وفيهم.
- بدأت رحلة الكرازة مع التلاميذ بعد حلول الروح القدس عليهم، وتكونت النبتة الأولى للكنيسة مع أول مجموعة آمنت بالسيد المسيح بكلمات بسيطة من القديس بطرس، لكن الروح القدس الحال فيهم كان يصطحب هذه الكلمات لتخترق القلوب وتنخسها، والنتيجة هي.. ماذا نصنع أيها الرجال الأخوة؟…. فقط توبوا وليعتمد كل واحد منكم، ويقول الكتاب "أنه إنضم في ذلك اليوم ثلاثة آلاف نفس" انضموا بماذا؟ بعظة بطرس وفهمه؟! أم بفعل الروح القدس الحال في بطرس والمائة والعشرون الحاضرون؟ هذا الروح هو الذي جعلهم معلمين للشعب وذوي سلطان، وهذا الروح عينه هو الذي كتب لنا الأناجيل الأربعة.
- الكنيسة الأولى كانت تسير بخطوات ثابتة وسريعة نحو المسيح، لأن الروح أعان التلاميذ ليصبحوا معلمين وذوي سلطان وليست بمعرفتهم أو فهمهم الشخصي، الأشياء الغامضة سابقًا صارت الآن واضحة ومفهومة.. صارالروح القدس هو الوحي الذي يلقنهم ويسيّرهم حيثما يشاء هو، وكان الرسل وجماعة المؤمنين مواظبين على الإجتماع ببعضهم، ليس للتناول من عشاء الرب فقط بل لأنه كان يجمعهم إحساس بأنهم جماعة واحدة وأعضاء جسد واحد رأسه المسيح.. ومن هذا الأساس تكوّن أول معنى للكنيسة، فهي ليست لإجتماع المؤمنين بل إجتماع الله بهم، ووجودهم في الحضرة الإلهية لينهلوا من محبته العظيمة التي ملأت كل قلوبهم بالروح الذي داخلهم، فانمحت ذواتهم وذابت في الرب الذي انطبعت صورة محبته فيهم، فأصبح الكل واحد، الرسل مع المؤمنين، فعمل بهم الذي لن ولم يستطع أن يفعله اليوم المتعلمين والأذكياء، لقد أعطاهم الوعد أن يكون هو المتكلم فيهم، وأن يعملوا كل ما يعمل هو من معجزات وقد أوفى وعده، إذ أحس الكل -بل أيقنوا- أنه بدونه لا يقدروا أن يفعلوا شيء.
- لم تؤسَسَ الكنيسة الأولى على الذات والأنا بل على المحبة الحقيقية التي ملكت قلوبهم، لا يملك أحدهم شيء ولم يقل أحدهم أنني شيء، لم يكن فيهم متحدث أوحد بل كان الكل متحدثين بالروح القدس الذي كان يتحدث بهم وفيهم، لأن اعتمادهم لم يكن على ذواتهم بل على الروح القدس "قال الروح لفيلبس تقدم ورافق هذه المركبة"، "قال الروح افرزوا لي برنابا وشاول".. لم يتذاكوا هم لإفراز برنابا وشاول للخدمة بل الروح القدس، لذا كان كل شيء مشترك بينهم، في الرأي، وفى اتخاذ القرار، في الإجماع على كلمة واحدة، وِلمَ لا؟!! فقد تساوى الكل في حلول الروح القدس عليهم، المؤمنون مع الرسل!! الرسل -أصدقاء المسيح- الذين أكلوا وشربوا معه، عاشوا كل أحاسيسه وسمعوا كل أقواله، ومع ذلك كانوا كبقية المؤمنين الذين أعُطوا مواهب الروح أيضًا، بل كان الرسل متحملين آلام وأوزار لم تكن إلا عليهم هم فقط، ولم يلقوا أي شيء على أبنائهم، بل حملوا وتحمّلوا بكل شجاعة، آلام ومحبة المسيح التي ملأت كل قلوبهم فالكل قد أخذ روح المسيح بالتساوي ولكن هم أحسوا بالمسئولية والأمانة المُلقاه عليهم.
- لم يكن أحد من هؤلاء الآباء الرسل الذين قامت الكرازة بواسطتهم أنه شيء لدى نفسه أو عند بقية الآباء أخوته بل كانت المهمة الملقاة عليهم هي الأساس الأول في تعاملاتهم سواء مع بعضهم البعض أو مع الشعب الذي يعطونه المبادئ الأولى للإيمان، وكان هذا هو الهدف الأوحد والأسمى، ولهذا السبب عينه كانوا وحدة واحدة في المحبة وفي التعاون المشترك، فنجد مثلاً بولس الحديث الإيمان بالنسبة لهم يجادل بطرس العتيق في الإيمان ولم يغضب بطرس أو يدبر مؤامرة لبولس لفرزه أو قطعه من الشركة بل ذهب إليه في رومية واستشهد معه على الإيمان، لم يكن بين الآباء الرسل الأقدمية العالمية في الخدمة بل الكل سواء، لأن الهدف الموضوع عليهم أسمى من المناظرات الشخصية والمظاهر الغير مجدية، بل كان الكل يهتف مع بولس لست أحتسب لشيء ولا نفسي ثمينة عندي حتى أتمم بفرح سعيي والخدمة التي أخذتها من الرب يسوع لأشهد ببشارة نعمة الله، هذه هي الروح المسيحية العامة التي كانت تتملك مشاعر التلاميذ، مشاعر الروح الواحدة، مشاعر المحبة الحقيقية التي ليس فيها رياء، فأين نحن من هذه المحبة اليوم؟!! الله هو هو أمس واليوم وإلى الأبد لن يتغير، إذًا العيب في مَن؟
- الآباء الرسل كانوا آباء حقيقين، آباء في أبوة حانية شفوقة على الرعية وعلى بعضهم البعض، ها هو بولس يقول يا أولادي الذين أتمخض بهم إلى أن يولدوا...في مَن؟ فيه؟ لا.. يولدوا في المسيح وللمسيح.
حياة الآباء الرسل كانت مثلاً يُحتذى به، فلم تكن بينهم إنشقاقات بل كانوا وكأنهم شخص واحد، لأن الهدف الذي يجمعهم واحد والمرشد لهم أيضًا واحد، لم تكن لهم أهداف شخصية أو مطامع عالمية لهذا كانوا قدوة مثالية لكل الذين في الإيمان. واليوم أين نحن من هذه المثالية؟ القديس بطرس بعظة ضم للكنيسة ثلاثة آلاف!!! ونحن كم ألف من الفتيان والفتيات والخدّام والخادمات طردنا من كنيسة المسيح؟!! بل كم من خدام الكلمة شلحنا وعزلنا؟؟!! |