بقلم: د. صبري فوزي جوهرة
كتب الأستاذ نبيل عبد الفتاح المفكر السياسي المتميز مقالاً بعنوان "التحول نحو الطائفية بمصر" في عدد جريدة الأهرام الصادر في الثاني عشر من أغسطس لهذا العام, حلل فيه أسباب التدهور الشديد في العلاقات بين أقباط مصر ومسلميها. والأستاذ نبيل من الرجال الشرفاء المحبين لوطنهم القلقين على ما تحمل له الأيام إن بقيت الأحوال على ما هي عليه من انحدار. قدم انطباعاته بوضوح وبكثير من الأمانة والموضوعية إلا أنه جنح إلى محاولة فرض بعض "التوازن" الشهير في عرضه ربما حتى لا ينفر البعض عن تقبل افكاره أو الكف عن قراءة المقال إلى نهايته. وسأحاول في كلماتي هذه استكمال ما كنت أتمنى أن يفصح عنه الأستاذ نبيل من حقائق بسرد جوانب اخرى للمسألة حتى تتضح كافة الأمور أمام الجميع ويشرع المخلصون في وضع الحلول الفعالة الناجعة لمأساة هذا الوطن.
يعزي الأستاذ نبيل الانشطار العميق القائم في المجتمع المصري اليوم إلى اعتقاد المسلمين بالتفوق (الديني) على الأقباط، ومن موقف معاكس, تأكيد الأقباط أنهم "أصحاب البلد" وليسو بالدخلاء عليه. بالإضافة إلى ذلك, يشير الأستاذ نبيل بوضوح إلى السلبية الشديدة في موقف السلطة وامتناعها عن تحمل مسؤلياتها تجاه عمل اللازم لإزالة هذه الفجوة التي تزداد اتساعًا بين المصريين.
ما أريد أن أضيف إلى ما كتبه الأستاذ نبيل هو أن الأقباط قد توصلوا بحسهم الذي صقلته قرون الاضطهاد الطويلة إلى ما أقره الكاتب من أن السلوك الإسلامي المتعالي هو العامل الأهم وراء ما يلاقونه من ظلم وتفرقة. وجدوا أنفسهم في موقف المحاصَر الذي يبتغي عدوه القضاء على وجوده في الوطن (راجع تصريح المؤمن بأنه سيجعل من الاقباط مساحي جزم). ومع أنهم غير مؤهلين عقائديًا أو عدديًا أو نفسيًا أو اجتماعيًا للتصدي للعدوان بصنوفه المتعددة, إلا أنه كان من المحتم عليهم الوقوف أمام تصاعده المتزايد. فاتجهوا مباشرة إلى أُس المشكلة كما حددها الأستاذ نبيل, وخرجوا عن صمتهم وشرعوا يذّكرون المسلمين بأن التعالي الذي يتخذونه ذريعة للانتقاص من حقوقهم لا مبرر له في الواقع أو الأخلاق أو المنطق. فتعالت أصواتهم بما عرفوه منذ قرون من أن في الإسلام الكثير مما يرسخ الشكوك في ادعاءاته بالتعالي, وساعدهم في هذا التقدم العظيم في قدرة الإنسان الفرد على إيصال أفكاره غير معاقة أو مشوشة إلى أقصى بقاع العالم بسرعة الضوء ودون تدخل من رقيب أو وصي. ساهم المسلمون أنفسهم كذلك في تأكيد ما كشف عنه الأقباط بما قام به البعض منهم من أعمال الإرهاب المتعددة والمتكررة ضد الأبرياء في كافة أرجاء الأرض, وبسلوكهم غير العقلاني وغير المألوف للعالم المتحضر المسيطر على مقدرات هذا الكوكب تجاه ما لا يرضون عنه من أمور, ذلك دون اعتراض يُذكر ممن كان يتوقع من العقلاء منهم من شجب واعتذار. تكلم القبطي للمرة الأولى منذ قرون موضحًا للمسلمين وللعالم بأسره أن ليس هناك ما يدعوهم للتعالي عقائديًا أو سياسيًا أو عسكريًا أو اجتماعيًا! كان الهدف مما قام به الأقباط في هذا المجال هو هدم الادعاء المضحك بأن الإسلام هو الحل واستبدال هذا الشعار البائس بأن التطلع إلى العالم المنفتح والإلتزام بقواعده وأخلاقياته هما الحل.
مطالب الاقباط في وطنهم توازي وتؤكد ما توصل إليه العالم المتقدم من نتائج بعد المرور في تجارب مكلفة تراوحت بين سيطرة الدين على الدولة إلى الانغماس في نظم سياسية طاغية مفسدة كالفاشية والشيوعية.
تعرض الأستاذ نبيل كذلك إلى موقف الدولة المتخاذل والمتجاهل والمهمل تمامًا للوضع المتداعي المؤدي إلى انشطار الوطن. وهذا بلا شك هو الدافع الأول لاحتجاج الأقباط المرتقب أثناء زيارة الرئيس المصري لواشنطن. وبناء على ذلك فأنا أدعو الأستاذ نبيل إلى الإشتراك معنا في التعبير عن القرف والغضب في الثامن عشر من أغسطس أمام البيت الأبيض. نحن مشتركون في الأهداف وفي المصير ولا يستطيع مخرب أو مدلس أو كاذب أن يدّعي أنك تستقوي الأجانب على مصر لذلك ستسكت وقفتك هذه أعداء الوطن وتؤكد أن ما زال هناك في مصر من يرجو لها التقدم الرخاء. |