في المقالة الماضية قرأنا معاً رؤية فرج فودة للدولة الدينية في العصر الحالي ورؤيته للدولة الدينية في عصر أبوبكر وعثمان كبداية للتاريخ الإسلامي، كان هذا خلال قراءة كتابه: الحقيقة الغائبة. ويواصل الدكتور فرج فودة ردوده على مدعيّ إمكانية تطبيق الدولة الدينية على مدار التاريخ الإسلامي، من خلال عرضه للدولة الدينية في العصر الأموي والعصر العباسي.
•قراءة الدولة الدينية في العصر الأموي.
يحكي فودة نقلاً عن الأسيوطي قوله عن أحد الخلفاء الفقهاء المؤمنين الذي يقول عنه أهم المدافعين عنه مِن جيله أنه فقط اشتهر بالخمر والتلوط، لكن أبداً لم يَكفر بالله، كما ذكر ذلك جلال الدين السيوطي في تاريخه للخلفاء.
ويصل إلى نتيجتين هامتين مِن الدولة التي فتحت فتوحات وامتدت مِن الهند إلى الأندلس وهما:
1.كانت دولة دماء وقتل للمخالفين وغدر مِن الخلفاء بعضهم للبعض، وأرتبط حكمهم بفصل الدين عن الدولة تماماً، وكل خليفة استخدم أسلحة غريمه في الحرب معه. والآن سلاح التقدم هو الحوار مع الخارج والديمقراطية مع بني شعبه. لكن مَن يسمع ومَن يعي أن احترام حق الإنسان في أن يكون إنسان هو أهم سلاح يستخدمه العالم الخارجي لتعمير وتنظيف الدول التي لا تطبق هذا.
2.حرية الفن والشعر والأدب والتفكير وفن العمارة واجتهادات الفقهاء، وكل هذا لا يتوافق مع طبيعة الدولة الدينية التي تطبق ديناً رسمياً للبلاد، بل هو متنافر معها كل التنافر، متناقض مع قواعدها.
•وانقلب الحال الآن.
أصحاب نداء الدولة الدينية ليس لديهم برنامج سياسي متكامل لعلاج المشكلات المزمنة التي استفحلت وزادت عما سبق، ورغم أن هذا ما قاله الدكتور فرج فودة في كتابه في الثمانينات من القرن الماضي إلا أنها تنطبق وأكثر على حالنا المزري الذي وصلنا إليه مِن تنامي الشعارات "الرنانة" وكثير مِن المواعظ والكلمات "الطنانة" وعدم وجود لتصور للواقع أو معايشته، وعدم احترام لعقولنا ولا مشاعرنا.
•قراءة الدولة الدينية في العصر العباسي.
كانت بداية العباسيين أن أخرجوا جثث خلفاء بني أمية مِن قبورهم وجلدوهم وصلبوهم وحرقوا جثثهم و"نثروا" رمادهم في الريح، كما ذكر ابن الاثير في كتابه المسمى: الكامل في التاريخ.
ويذكر عن الإمام علي، وهو أحد أكثر الخلفاء زهداً أنه مات عن أربع نسوة وتسع عشرة سرية، كما ذكر ذلك ابن كثير والسيوطي. وكذلك وجود آلاف السرايا عند الخلفاء العباسيين ومنهم المتوكل الذي يقولون عنه أنه وطئ أربعة آلاف سرية.
كل هذا العدد مِن الزوجات والسرايا للخلفاء الذين كانوا أقرب ما يكونوا لتطبيق الشريعة، ومع ذلك حين كانوا يتحدثون عن قضية مثل "الزنا" كانوا يطلبون أربعة شهود عدل وطبقاً لشروط قاسية لا تتحقق في الواقع المعاصر، فماذا عن شبابنا الحالي الذي لا يجد مسكن ولا عمل ولا يجد حتى زوجة واحدة، ولا يجد متنفس يفرغ فيه طاقته إلا الصيام الإجباري المتواصل نتيجة الجوع والفقر والبطالة.
وفي نهايات حكم العباسيين يحكي المؤلف عن الخليفة الواثق خليفة المسلمين الذي كان يتنقل مِن غلام إلى غلام، وكان منهم غلام اسمه مُهَج لعب بعواطف الواثق كما شاء حتى مَلَك عليه كل حياته فصرفه عن شئون الدنيا والدين. ولم يكن الخليفة الواثق وحده لكن كان أيضاً المأمون والمعتصم. وجميعهم كانت لهم في الصباح جولات مع تطبيق الشريعة والدفاع عنها. ورغم كل هذا الجو المليء بالغلمان واللواط والخمر والجواري الحسان وغيرها مِن ترك الصلوات والتفرغ لماء العنب، فإنك تجد بعد ذلك أفقه الفقهاء وكبار علماء الدين وقتها يوجهون حديثهم إلى هذا الخليفة أو ذاك بأن الله جعله نوراً يضيء للرعية ما أظلم عليهم مِن الأمور فيما بينهم، وجعلهم خلفاء لله في أرضه. ولا يزال حتى وقتنا هذا بعض الفقهاء الذين يرغبون في منافقة الحكام الفاسدين يعيدون نفس الأقوال وأكثر.
ومِن النتائج الهامة التي توصل إليها فرج فودة قوله: "إن الإسلام على مفترق طرق، وطريق منها أن نخوض جميعاً في حمامات الدم، نتيجة للجهل وضيق الأفق وقبل ذلك كله نتيجة لانعدام الاجتهاد المستنير، وطريق آخر أن يلتقي العصر والإسلام، وذلك هين ويسير، وسبيله الوحيد هو الاجتهاد المستنير والقياس الشجاع".
•في النهاية.
في نهاية كتابه ـ الحقيقة الغائبة ـ يؤكد فودة على أن الإسلام جاء ديناً، وما أسوأ ما فعل بعض المنتسبين للإسلام ومازالوا يفعلون حين يُكّفِرون ويقتلون المختلفين في الرأي أو المجددين في الفكر. يا ليتهم يعرفون أن التفكير يسبق التكفير والعقل يسبق النقل.
وما أصعب رسالة الإهانة التي يوجهونها إلى الإسلام أمام العالم أجمع.
إن ذكرى قتل الدكتور فرج فودة المفكر والمجتهد ستظل في الأذهان صارخة بأن الذين يريدون الإسلام ديناً ودولة لا يسعون إلى تطبيق شريعة زمن لا تصلح لهذا الزمن لكنهم يسعون إلى سلطة سياسية متخذين الإرهاب بالفكر الديني والقتل الجسدي وسيلة لتحقيق خلافة في الأرض ثبت فشلها على مدار التاريخ.
ما زلت أقول أنّ ذكرى قتل فرج فودة تُعيد للأذهان الذكرى المتواصلة للقتل المعنوي للمئات والآلاف والملايين المختلفين عن دين الدولة الرسمي.
مع تحياتي
أيمن رمزي نخلة
Aimanramzy1971@yahoo.com |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|