بقلم / عصام نسيم
في حوار أجراه موقع الأقباط متحدون مع الأستاذ كمال زاخر بعنوان علماني من زمن الآباء
http://copts-united.com/article.php?I=14&A=511
وقد تم عرض سريع على بعض أفكار الأستاذ كمال زاخر والتي كانت محل جدل لكثير من الوقت خاصة بعد عقد أكثر من مؤتمر بحجة إصلاح الكنيسة كما زعم الأستاذ كمال وآخرين.
وفي الحقيقة لقد إستوقفتني بعض النقاط التي جاءت في الحوار بما تحمله من أخطاء تاريخية وعقائدية بل إن عنوانه جاء يحمل كثير من الإستفزاز والتساؤل عن معنى العنوان فما معنى علماني من زمن الآباء؟؟
وقد علقت على الموضوع بأنني سوف أكتب تعليق على بعض ما جاء في الحوار من أفكار.
وبالطبع ما دفعني إلى كتابة هذا التعليق عدة أمور أهمها أن الأستاذ كمال زاخر كثيراًَ جداًَ ما هاجم الكنيسة وسياسة الكنيسة ومعروف للجميع موقفه جيداًَ من الكهنوت وتجلت نظرته للكهنوت ومدى إحترامه له في برنامج كان مع القس عبد المسيح بسيط وشاهد الملايين كيف يحترم الأستاذ كمال زاخر الكهنوت وظهر كم التهكم والسخرية منه وحتى من أسرار الكنيسة وقد كشف هذا الحوار مع كثير من مقالاته حقيقة أفكاره من الكهنوت ومدى إحترامه له إلى جانب كثير من المقالات التي هاجم فيها الكنيسة وكانت تحمل اسلوب يحمل الكثير من الإتهامات والإساءة نحو الكنيسة ولعل مؤتمراته التي قام بعقدها مع نفر آخرين كانت خير دليل على ذلك بل وتوقيت عقد المؤتمر الثاني وهو في عيد جلوس قداسة البابا شنوده مما أثار إستياء غالبية الأقباط من هذا الموقف إلى جانب ما حمله المؤتمر الثاني من هجوم شرس نحو الكنيسة وقداسة البابا والتي خرجت منه ورقة من راهب إتهم فيها قداسة البابا بأنه ديكتاتور وقاسي إلى جانب الهجوم من بعض القائمين على هذا المؤتمر بالهجوم على أسرار الكنيسة والرهبنة بل وصل التطاول إلى الإنجيل المقدس نفسه!
إلى جانب بعض الأخوة الذين كانوا قائمين على هذه المؤتمرات والذين يشكلون الجماعة العلمانية او جماعة العلمانيين او التكتل العلماني.....الخ، والذي تشهد مقالاتهم سواء في مجالات او على مواقع الإنترنت كم الهجوم على الكنيسة وعلى أسرارها والسخرية التي طالت كل شيء حتى وصلت لقداسة البابا شنودة نفسه في أسلوب يرفضه أي قبطي شريف محب لكنيسته ويحترم كهنتها وأساقفتها مهما إختلف معهم.
في الحقيقة هذه المقدمة البسيطة والتي أوضحت فيها بعض أفكار الأستاذ كمال من نحو الكنيسة حتى أجئ إلى تساؤلي ودهتشي من عنوان الحوار وهو علماني من زمن الآباء!!
فأي آباء قصدهم المحاور وهل شخص هاجم ومازال الكنيسة على مدار سنوات طويلة بأشكال مختلفة بهذا الشكل ندعوه آبائي ؟وفي أي عصر آبائي كان هناك علمانيين وغير علمانيين، ان الأستاذ كمال زاخر نفسه يشهد أن الكنيسة هي شعب الله بلا تفريق فكيف يحتكر لنفسه لقب علماني من زمن الآباء فهل أفكاره العلمانية او أفكار باقي جماعة العلمانيين تتوافق حقاًَ مع أفكار الآباء؟!!
اي أباء وأي فكر أباء على مدار تاريخ الكنيسة يقوم بالإساءة إلى الإكليروس والهجوم المستمر لهم وعدم إحترامه أي فكر آبائي يقول بما يفعله الأستاذ كمال او باقي تكتل العلمانيين؟!
هل كل شخص يأتي بفكر غريب يهاجم الكنيسة او لا تعجبه سياسة الكنيسة او أي أمر فيها يقول بأنه آبائي ويحمل فكر الأباء!؟
هل أصبحت الآباء هي الشماعه التي يعلق عليها كل شخص فكره المنحرف وهجومه ضد الكنيسة وقيادتها كما فعل من قبل المنشق ماكس ميشيل وجورج بباوي اللذان حرمتهما الكنيسة، وللعلم الأول ماكس ميشيل أيده الأستاذ كمال وكتبه في مجلته الجوهر والثاني مجده الأستاذ كمال وإدعى أنه اعظم لاهوتي في العصر الحديث وقال إنه اللغم الذي سيفجر سفينة البابا والإعصار المدمر القادم ونحن نقول للأستاذ كمال... أين هذا اللغم وأين الإعصار؟!!
وهنا نتسائل هل هناك علاقة بين كل من يهاجم الكنيسة في العصر الحديث وبين شماعة الآباء التي يستندون إليها؟؟!!
ثم نأتي سريعاًَ لبعض الأفكار التي تعرض لها الحوار والتي تستوجب الرد والتوضيح حيث ان الافكار خاصة بأمور عقائدية وتاريخية تحمل في وجهة نظرنا خطأ فادح وكونها تنشر في موقع مثل "الأقباط متحدون" يثق فيه ملايين الأقباط ويواظبون على قراءته بإستمرار لذا وجب التعقيب والتوضيح لها.
يقول الأستاذ كمال زاخر، لتصحيح رؤية الكنيسة للكهنوت، فالبطريرك- في رأيه- ليس رأس الكنيسة فهذا مسمى دخيل على الكنيسة، المسيح وحده هو رأس الكنيسة، ونحن أعضاء جسده، وهو الرأس، وكل السلاطين والرئاسات تخضع له، الكهنوت ليس سيادة، لذلك ففي عصور الشهداء، الكنيسة كانت قوية لأن الإكليروس "الأساقفة" كانوا يتقدمون للإستشهاد، كانوا قادة الكتائب.
وبالطبع دعوة الأستاذ كمال لتصحيح الكهنوت كما يقول هي تأكيد لفكرته أن الكهنوت خرب وفي حاجه إلى تصحيح وهذا ما نرفضه، فالكهنوت اليوم كما كان في بداية نشاة الكنيسة ليس هناك إختلاف، وتكريم الأسقف والبطريرك أمر موجود في تاريخ الكنيسة كله كما أن لقب رأس الكنيسة المقصود به هو أن الأسقف او البطريرك هو الراعي الأول للكنيسة وكما تعني كلمة أسقف أنه "ناظر" لأنه الأعلى رتبة كهنوتية في الكنيسة مما يحمله مزيد من المسئوليات والأعباء وليس في هذا اللقب إمتياز خاص او مجد شخصي له وبالطبع الرأس هنا كرأس منظور للكنيسه على الأرض ولكن رأس الكنيسة الأول هو السيد المسيح كما إنه راعيها أيضاًَ، فكما يوجد راعي سمائي هو السيد المسيح يوجد راعي بشري إئتمنه الله على رعية شعبه على الأرض وليس في الأمر تناقض ولا تعدي على طبيعة عمل الله في الكنيسة وكما قال بولس الرسول بان الرجل رأس المرأة والرأس هنا ليس بمعنى التسلط او التحكم ولكن بمعنى القيادة والإرشاد والإهتمام بها.
إن قول الأستاذ كمال أن المسيح فقط هو رأس الكنيسة كمن يقولون أن المسيح وحده هو الكاهن الأعظم في الكنيسة وهو مبدأ خطير ينم على عدم فهم وخلط بين طبيعة وعمل السيد المسيح في كنيسته وطبيعة وعمل كهنته وخدامه كما نقول له أن الكهنوت ليس سيادة ولم يقل أحد بذلك ولكن نحن نقول على الكاهن او الأسقف أنه خادم شعبه، خادم إلهه، خادم المذبح الإلهي وليس أبداًَ سيد، مفهوم سيد لا يوجد في مفهوم كنيستنا أبداًَ ولكن أيضاًَ نحن نحترم ونجل الإكليروس لأنهم يبذلون أنفسهم من أجلنا حتى لو وجد بهم أناس لا يستحقون هذا اللقب او هذه الدعوة فليس معنى هذا أن نعمم الأمر وندينهم ونسيء إليهم فالغالبية تخدم وتبذل بكل جهد وحب وإخلاص كذلك نقول له أن الكنيسة اليوم قوية بقوة الله كما كانت دائماًَ حتى لو مرت بعصور مظلمة وفترات صعبة، ونشكر الله اليوم كنيستنا منتشرة في العالم كله والجميع يشهد بقوة عمل الله بها وإنتشارها في أقاصي الأرض وليس كما يتوهم البعض.
في موضوع إختيار البطريرك يقول الأستاذ كمال
•يعترف بأن الحديث عن تعديل لائحة إنتخاب البابا يثير حماس وحساسية عاطفية عند غالبية الأقباط، لربطها ببقاء البابا شنودة، ويستشهد بأحد المدققين من الرعيل المؤسس لحركة مدارس الأحد وهو الأستاذ وليم الخولي الذي كتب في مجلة مدارس الأحد يونيو 1950م، أن "أربعة وثمانين بطريركاً، فضلاً عن عدد لا حصر له من أساقفة ومطارنة كانوا جميعاً من العلمانيين".
ويدعو لحتمية مراجعة لائحة إختيار البابا قياساًَ على القواعد القانونية الآبائية الحاكمة لواقعة الإختيار، وبالرجوع للكتاب المقدس - الوثيقة الآبائية الأولى – يرى زاخر، أن هناك نصاً قاطعاً في شروط الأسقف "البطريرك"، بحسب ما قاله القديس بولس في (1 تيمو 3) "فيجب أن يكون الأسقف بلا لوم، بعل إمرأة واحدة..."
وهنا لنا تسائل ألا يحمل كلام الأستاذ كمال هذا والذي سبق وررده في مقال سابق له على دعوة بأن يكون الأسقف متزوج علماني وليس راهب وهذا فكر متأصل فيه يردده بإستمرار وهو ما ردده أيضاًَ ماكس ميشيل أراد أن يأتي بالشرعية لسيامته المزيفة حيث إنه علماني ومتزوج ولا يجوز أن يكون أسقف إطلاقاًَ حسب قوانين الكنيسة.
أليس كلام الأستاذ كمال حيث 84 بطريركاًَ كانوا علمانيين إلى جانب قوله أن القديس بولس يقول في نصاًَ قاطع أن الأسقف بلا لوم بعل إمرأة واحدة تأكيد لهذا الفكر وبالطبع يحمل هذا الفكر إلتواء للحقائق وتزييف لها بل إنحراف لتعليم الكتاب المقدس وقوانين الكنيسة التي تأصلت من مئات السنين.
ونحن نقول مع إحترامنا للأستاذ وليم الخولي أن معلومة 84 بطريرك معلومة خاطئة غير صحيحة ففي بحثنا في أكثر كتب تاريخ الكنيسة شهرة ومصداقية مثل تاريخ البطاركة لساويرس ابن المقفع وتاريخ الكنيسة للقمص منسى يوحنا والخريدة النفيسة لتاريخ الكنيسة لم نجد هذه المعلومة على الإطلاق ولكن وجدنا الآتي فى الأمور في عقائد وطقس كنيستنا القبطية:-
* بالنسبة لإختيار الأسقف من الرهبان فإلى القرن الرابع كان يتم إختيار البطريرك من العلمانيين وخاصة من مديري مدرسة الإسكندرية اللاهوتية ثم بعد إستقرار الرهبنة وإنتشارها خاصة مع إزدهار الرهبنة في مصر وشهرة رهبانها الذين إتسموا بالعلم والعفاف والتقوى أصبح يتم إختيار البطريرك من الرهبان وقد كان أول راهب يصير بطريرك هو البابا يوحنا الأول 29 عام 496 تبعه بعض العلمانيين والرهبان ونرى منذ البابا إسحق 41 عام 690 والذي كان راهب في دير ابو مقار نرى أنه أصبح أمراًَ مستقراًَ أن يكون البطريرك من الرهبان بإستثناء حالات قليلة (ثلاثة حالات او على الأكثر أربعة) جاء البطريرك فيها من العلمانيين وحيث من شروط البابا أن يكون غير متزوج عفيف بار عالم بأمور الكنيسة فكانت هذه الأمور تتوافر بشدة في الأباء الرهبان خاصة بعد أن تراجع دور مدرسة الإسكندرية اللاهوتية وجاء مكانها دير ابو مقار في حفظ العلم اللاهوتي لذلك نرى أن كثير من الرهبان جاءوا من دير ابو مقار وهكذا نرى أن أمر أن يكون الأسقف من الرهبان هو أمر إستقرت عليه منذ زمن بعيد في تاريخ الكنيسة وليس في كنيستنا بل نرى كنائس آخرى تقليدية تسير على هذا التقليد وليس كنيستنا فقط.
إذن أليس ما إدعاه الأستاذ كمال من أمر إختيار الأسقف من انه علماني ومتزوج أمر غير صحيح بل أمر غير موجود في كل كنائس العالم التقليدية فجميعها تأتي بالبطريرك من فئة الرهبان أيضاًَ كالكنيسة الكاثوليكية والأرثوذكس الغير خلقدونيون والخلقدونيون أيضاًَ هل جميعهم تركوا تعاليم الآباء والكتاب المقدس في إختيار الأسقف والبطريرك؟!!
نقطه آخرى تعرض لها الأستاذ كمال وهي الزواج حيث قال ينادي بالزواج المدني لكن لا يعترض عليه، بمعنى من يتزوج زواجاً كنسياً يلتزم بالقانون الكنسي.
ومن يرغب في الزواج المدني لا يلزم الكنيسة بمباركة الزواج. فالزواج - في رأيه- عمل إجتماعي وليس دينياً، فمن محبتنا للمسيح نطلب من المسيح أن يأتي ليبارك العُرس كما بارك عُرس قانا الجليل
* تأتي هذه النقطة أيضاًَ في غاية الخطورة حيث إنها تحمل فكر مضاد لتعليم الكتاب المقدس والكنيسة عن الزواج وفكر الآباء الذي يقول المحاور أنه يتبعهم عن الزواج المسيحي فالزواج في المسيحية هو عمل إلهي مقدس يتم بعمل الروح القدس فيه كباقي الأسرار المقدسة فكيف يقول الأستاذ كمال إنه عمل إجتماعي وليس دينياًَ، أليس في كلامه مغالطات كثيرة وخطيرة فتاريخ الكنيسة وتعاليم الآباء وقبلهم الكتاب المقدس من أقوال للسيد المسيح او بولس الرسول تؤكد على أن الزواج المسيحي هو عمل مقدس إلهي، الله هو أحد أطرافه وهو الذي يجمع العروسان ليصيرا جسداًَ واحداًَ في عمل سري مقدس من خلال الروح القدس.
وكما قال السيد المسيح "ما يجمعه الله لا يفرقه إنسان"، فكيف يقول اليوم كمال زاخر هو عمل إجتماعي كذلك كيف يدعي أن السيد المسيح بارك عرس قانا وهل حادثة عرس قانا قانون كنسي وتعليم إلهي في أمر الزواج أم أقوال السيد المسيح وبولس الرسول وتعاليم الكنيسة والآباء هي التي نأخذها في هذا الأمر أليس هذا الإدعاء وهذا الإستشهاد هو نوع من الإستخفاف بعقول القراء!!
ونحن من خلال أقوال السيد المسيح له المجد نستخلص أن الزواج هو إتحاد بين إثنين ليصيروا واحد وليس مجرد شركة كما تقول الديانات الآخرى (مرقس 10:8) فالزواج في المسيحية يجعل الإثنان واحد، جسد واحد، وفكر واحد، وهذا بحلول الروح القدس الذي يقدس هذا السر وهذا أيضاًَ ليس موجود في أي دين آخر، الزواج عمل إلهي مكمل الإرادة البشرية (الذي جمعه الله لا يفرقه إنسان) مت 19:6
إذن الزواج في المسيحية ليس مجرد إرتباط بين رجل وإمرأة يحكمه العقل بل عمل إلهي يكمل فيه الله إرادة الزوجين في الإتحاد والإرتباط وطبعاًَ هذا الإرتباط الذي يعقده الله هو إرتباط دائم يدوم مدى حياة الزوجين.
لا طلاق إلا لعلة الزنا (مت 32:5 ,19:9) طبعاًَ هذه الآية واضحة وقاطعة أنه لا طلاق إلا لعلة الزنا وليس لأي سبب آخر كما يريد البعض، فالزنا هو الأمر الوحيد الذي يقطع هذه الشركة وهذا الإتحاد الإلهي وبالطبع يأتي هذا الأمر الإلهي ضد الزواج المدني الذي به الطلاق مباح لأي سبب او خلاف ومن هنا نستخلص ان فكرة الزواج المدني والتي لا يعترض عليها الأستاذ كمال هي ضد تعاليم السيد المسيح له المجد نفسه.
* كذلك نورد بعض أقوال الآباء عن الزواج حيث يقول القديس يوحنا ذهبي الفم، كيف يمكننا أن نعبر عن السعادة الزوجية التي تعقدها الكنيسة ويثبتها القربان وتختمها البركة أي أن الزواج هنا هو عمل إلهي من خلال الكنيسة وليس مجرد عمل إجتماعي كما إدعى، كذلك يقول القديس أغسطينوس عن الزواج وفي تفسيره لقول بولس الرسول عن مفارقة المرأة المؤمنة زوجها غير المؤمن يقول الزواج التي يعقد بدون صلوات لله غير ملزم وبالطبع هذا القول يوضح لنا أن الزواج المدني والذي يتم خارج الكنيسة غير ملزم أمام الله ولا تعترف به الكنيسة ولا تعتبره قائم من الأساس.
أليست هذه تعاليم الآباء التي يطالب الأستاذ كمال زاخر والآخرين العودة إليهم وبالطبع واضح هنا من المفروض أن يعود ويرجع إلي هذه التعاليم ليعرف الإيمان والعقيدة المستقيمة
هذه نقاط ثلاث فقط أحببت أن أعلق عليهم رغم أن هناك أمور كثيرة قالها الأستاذ كمال في حاجة إلى توضيح ولكني إكتفيت بهذه الأمور فقط لخطورتها ومخالفتها للفكر السليم لعقيدة كنيستنا وتعاليمها المستقيمة. |