CET 08:28:19 - 11/08/2009

مقالات مختارة

بقلم: د‏.‏ مصطفي الفقي

معارضة النظام السياسي ـ أي نظام ـ هي حق مشروع للقوي السياسية المختلفة علي اعتبار ان الحياة العامة مسرح مفتوح يتباري فيه من يشاء ولكن هناك خطا فاصلا بين ممارسة هذا الحق في إطار التقاليد الديمقراطية وبين المساس المقصود أو غير المقصود بالمصالح العليا للوطن‏,‏ أقول ذلك بمناسبة زيارة قمت بها للولايات المتحدة الأمريكية مؤخرا وتولدت لدي بعدها انطباعات مختلفة ومشاعر متباينة‏,‏ رأيت ان أشرك القراء فيها‏,‏ ولقد جاءت الزيارة نتيجة تشكيل وفد برلماني من أعضاء مجلسي الشعب والشوري تشرفت برئاسته تلبية لدعوة حضور مؤتمر دعت إليه مجموعة هلسنكي في الكونجرس الأمريكي للبحث في تطوير العلاقة بين منظمة الأمن والتعاون الأوروبي ـ التي تشرفت بتمثيل مصر فيها عندما كنت سفيرا في العاصمة النمساوية ـ وبين الجمعية الأورومتوسطية خصوصا دول جنوب المتوسط منها‏,‏ ولقد تم توجيه الدعوة الي ست دول حضرت جميعها وشارك برلمانيون منها في أعمال تلك الندوة داخل مبني الكونجرس الأمريكي وهذه الدول هي‏:‏ مصر وتونس والجزائر والمغرب والأردن وإسرائيل‏.‏

ولقد بادرنا رغبة منا في تعظيم الفائدة من تلك الزيارة بالطلب من سفارتنا المتميزة في واشنطن لتعد لنا برنامج لقاءات علي هامش تلك الندوة البرلمانية وطلبت شخصيا ان يكون من بينها لقاء موسع مع الأشقاء الأقباط ـ بحكم التخصص والمتابعة ـ وغيرهم من المصريين في ولايات واشنطن‏D.C‏ و ميريلاند و فرجينيا ولقد تم ذلك بالفعل في القاعة الكبري بكنيسة سان مارك القبطية الأرثوذكسية علي مشارف العاصمة الأمريكية بدعم مشكور من الأنبا موسي أسقف الشباب‏,‏ كما التقينا بعدد من رؤساء لجان الكونجرس ـ الأصلية والفرعية ـ ومنها لجان العلاقات الخارجية والاعتمادات والأمن القومي الي جانب زيارة موسعة لمركز الأبحاث البرلمانية داخل الكونجرس والذي يخدم أعضاءه بأسلوب علمي متطور علي امتداد مائة وعشرين عاما حتي الآن‏,‏ كما التقينا برئيسة مجلس النواب السيدة نانسي بلوسي

وكان لي شخصيا حظ الاجتماع بوزير خارجية العراق هوشيار زيباري الذي كان يقيم معنا بنفس الفندق والذي تربطني به صداقة قديمة وقد دعوت اثنين من مستشاري السفارة المصرية لكي يحضرا ذلك اللقاء لأنه تواكب مع زيارة مهمة لرئيس الحكومة العراقية للعاصمة الأمريكية ألتقي خلالها بالرئيس الأمريكي الجديد‏,‏ والآن ـ بعد هذه المقدمة ـ دعنا نسجل الملاحظات التالية‏:‏

أولا ـ إن أشد ماكان يؤرقني هو ذلك الشعور الحزين الذي انتابني وأنا أري حالة الخلط المتعمد بين المصالح العليا للوطن التي يجب أن تكون نقطة التقاء بين الجميع‏,‏ وبين بعض أساليب المعارضة لنظام الحكم في مصر والتي هي حق مشروع للجميع أيضا‏,‏ وأنا هنا أطلب تفسيرا واحدا لتبرير مايقوم به بعض من يحملون شرف الانتماء لمصر وتحريضهم المغلوط للأشقاء الأقباط ثم البهائيين وأيضا النوبيين وحتي بدو سيناء واستغلال معاناتهم جميعا لإحداث وقيعة تؤدي في النهاية الي السعي نحو الاستقواء بالأجنبي والخروج عن إطار المصلحة العليا للوطن وقد يتجاوز الأمر ذلك إلي التحريض علي مصر في قضيتي المعونة الأمريكية بل وتوزيع مياه النيل أيضا‏!‏ وأنا بالمناسبة لا أزعم أن الصورة وردية في بلادنا أو أنه لا توجد خروقات وتجاوزات وانحرافات‏,‏ كما أنني أعترف بوجود مشكلات مزمنة لشرائح من نسيج الوطن الواحد وأدافع عنها وأطالب بتحقيق ماهو عادل من مطالبها ولكن عندما اكتشف أن بلادي مستهدفة في وحدتها الوطنية وصورتها الدولية فإنني أشعر بالخطر الحقيقي الذي يسعي لاغتيال الروح المصرية التي عرفها التاريخ‏.‏

ثانيا‏:‏ إن حوار الكنيسة في واشنطن قد أثبت لي أن الأغلب الأعم من أقباط مصر في الخارج يعيشون هموم الوطن ومعاناة أبنائه وقد ينفعلون أحيانا باتصالات من الأهل أو معلومات من الأقارب وهي لا تخلو غالبا من تهويل ومبالغة رغم اعترافنا بأن الشأن القبطي يحتاج الي معالجة غير تقليدية فيها شجاعة القرار وعصرية الموقف والتعامل مع كل المفردات الحديثة خصوصا مايتصل منها بمسائل حقوق الانسان وحرية العقيدة وممارسة شعائرها الي جانب احترام تكافؤ الفرص وسيادة القانون والالتزام بمبدأ المواطنة الذي نصت عليه المادة الأولي من دستور البلاد‏.‏

ثالثا‏:‏ ـ إن هناك عناصر مصرية نشطة تقيم في الخارج وتسعي لإبلاغ أعضاء الكونجرس بتفاصيل يومية حول مايجري في مصر من أحداث ومايتردد من شائعات فتبدو الصورة أمامهم قاتمة ومضطربة علي نحو لا يسمح بالتحليل المجرد أو الدراسة الموضوعية‏,‏ وأنا بهذه المناسبة لا أنكر مرة أخري أن لدينا مشكلات نجمت عن الاشتباك بين الدين والسياسة فولدت التطرف‏,‏ وأخري انطلقت من التداخل بين الثروة والسلطة فأفرخت الفساد‏.‏ ولكن ذلك كله لا ينهض مبررا للمساس بوحدة الوطن وسلامة أراضيه‏,‏ كما أنني لا أتصور أن يتغلب عداء البعض لنظام الحكم القائم علي درجة حرصهم علي الوطن الباقي‏!‏

رابعا‏:‏ لقد شعرت بالاعتزاز والسيدة نانسي بلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي تقول لي أنها هي التي قدرت المسافة بين وسط القاهرة وأهرام الجيزة باعتبارها لا تزيد عن ثلاثين دقيقة وذلك عندما تحدث أمامها الرئيس أوباما عن حلمه في زيارة الأهرامات أثناء زيارته للقاهرة وإلقاء خطابه الشهير من فوق منبر جامعتها العريقة‏,‏ وشعرت بارتياح أيضا عندما قال لي وزير خارجية العراق أن الدور المصري قد حصد في الشهور الأخيرة نقاطا لصالحه بدءا من زيارة الرئيس الأمريكي للقاهرة مرورا باستقرار الوضع في لبنان وصولا الي ماجري في الانتخابات الإيرانية وانتهاء بتحسن العلاقات المرتقب مع الشقيقة سوريا‏,‏ وقد توقع الوزير العراقي أن يكون النهج الايراني في المرحلة القادمة أكثر تشددا كرد فعل للأحداث الداخلية الأخيرة والاستخدام الإعلامي الغربي لها‏.‏

خامسا‏:‏ إن المزاج العام في العاصمة الأمريكية مختلف عنه أثناء زيارتي في العام الماضي‏,‏ فالاستقبال أكثر حفاوة والتوتر أقل حدة والتفاؤل يسود بعض الدوائر المعنية بالقرار السياسي الأمريكي في الشرق الأوسط وإن كانت هناك همسات تتردد بأن شهر العسل السياسي الذي استمتع به الرئيس باراك أوباما قد قارب علي الانتهاء‏,‏ فالبعض يعيب عليه كثرة أحاديثه وتعهده أحيانا بالتزامات ترفع سقف التوقعات من إدارته بينما قد لا تستطيع تلك الادارة الوفاء بتلك الالتزامات ويضربون لذلك مثالين‏:‏ أولهما التعهد المسبق بإغلاق معسكر جوانتنامو وثانيهما خاص بالاعتراض الأمريكي علي استمرار سياسة الاستيطان الإسرائيلية‏,‏ ولقد عبرنا لهم صراحة ـ كوفد برلماني مصري ـ عن اعتراضنا علي مبدأ يهودية الدولة العبرية وقلنا لهم إن ذلك يجعل عرب‏48‏ في إسرائيل مواطنين من الدرجة الثانية كما أنه يفتح بابا لميلاد دول دينية في الشرق الأوسط بصورة تمزق أوصال المنطقة وتهدد استقرارها‏...‏ هذه نظرة عامة علي نتائج زيارة قصيرة لمسنا خلالها أن الساحة الأمريكية عطشي للمزيد من الجهود المصرية المخلصة في كافة المجالات وليس في الدائرة السياسية وحدها‏.‏

فالمفكرون والأدباء والفنانون والعلماء مطالبون بالتواصل مع هذه الساحة المهمة التي تتحكم بشكل كبير في مقدرات الحياة وتوازنات السياسة بل واستراتيجيات المستقبل في الشرق الأوسط‏!‏ وعندما رأيت السيدة المصرية داليا مجاهد ابنة حي السيدة زينب بحجابها الإسلامي الملتزم تصافح رئيسة مجلس النواب الأمريكي بود وحرارة أيقنت أن ذلك المجتمع الناضج قد خطا خطوات واسعة نحو إلغاء الفوارق بين الشعوب والديانات وألوان البشر‏,‏ وتذكرت وقتها وطني الذي مازال يتطلع الي يوم تشرق فيه شمس الحداثة وتطل منه الروح العصرية فتضيء عقل أبنائه جميعا في صحوة شاملة من خلال رؤية كاملة نعالج بها اختلافاتنا بينما أقدامنا ثابتة علي أرض مصر‏,‏ فالوطن فوق الجميع‏!‏

*نقلاً عن جريدة الأهرام

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١ صوت عدد التعليقات: ٢ تعليق

خيارات

فهرس القسم
اطبع الصفحة
ارسل لصديق
اضف للمفضلة

جديد الموقع