بقلم: د. صبري فوزي جوهرة
يكثر الجدل حول صحة وفاعلية المظاهرات السلمية التي ينظمها أقباط المهجر عند زيارة الرئيس المصري حسني مبارك للعاصمة الأمريكية. ولي الملاحظات التالية بهذا الصدد:
1. أقباط مصر في داخلها وخارجها يئنون من وقع ما أثبتوا أنه اضطهاد منظم يُمارس ضدهم ليس فقط من قبل الدهماء والسوقة بل من أجهزة الأمن وبعض أجهزة الإعلام المرئي والمكتوب الذي تمتلكه الدولة والذي لا يُعقل أن يمارس كل هذا بغير تضامن الدولة المباشر أو غير المباشر.
2. تواجه الدولة المصرية ما يعانيه المواطنين الأقباط بالتجاهل التام الذي يعني بالعامية "الطناش".
3. ترسل الدولة موظفيها إلى الولايات المتحدة "لتهدئة" الاقباط قبل زيارة الرئيس المصري.
4. يسترسل هؤلاء الموظفون البؤساء في مهاترات لإنجاح محاولات يائسة لتخدير الأقباط وهم على علم تام بأن كلامهم غير مجدي أو حقيقي، وهنا لا أريد أن أصفهم بالكذب المبين والنفاق.
5. يتناسى الموظفون المبعوثون لإجراء عمليات التخدير أنهم يتحدثون إلى نُخب المصريين "اللي ربنا فتح عليهم بعد ما طفشوا من بلدهم ووصلوا إلى أعلى المراتب والمناصب في المجتمع الأمريكي بفضل جهودهم وعملهم المخلص الدائب" وبالتالي فهم لا يقعون فريسة لمحاولات التخدير الساذجة بل يزدادون حنقًا وسخرية للأسباب الآتية:
أ. لأن موظفي السلطة المصرية التي تضطهد ذويهم يحاولون تخديرهم أو بمعنى أدق "إستعباطهم".
ب. تتكلف مصر مبالغ وجهود باهظة في سبيل خداع من هم على علم تام بما يجري في مصر من مهازل امتدت حتى إلى القضاء ولا يعيرون أية مصداقية لما يصنعه السادة المبعوثين.
ج. كان من الأجدر والأفيد والأذكى أن تعترف السلطات المصرية بنقائصها التي ستؤدى بمصر إلى التهلكة وتسعى لمعالجتها عوضًا عن إرسال الموظفين ودفع "المعلوم" لبعض ضعفاء النفوس واستئجار مكاتب "اللوبي" المكلفة لعرقلة جهود أقباط المهجر في إبلاغ رسالة التعنت والتفرقة التي يلاقونها في مصر إلى العالم.
6. القول بأن مشاكل مصر يجب أن تُحل داخل مصر أمر منطقي ومحمود، ولكن أين هو الطرف الآخر (المذنب) الذي تجرى معه محاولات فض المشاكل؟ وكيف يكون الحديث مع من ينفي أصلاً وجود مشاكل بل ويدعي أن الأقباط يتمتعون بعصر ذهبي بينما يشهد الواقع بعكس ذلك تمامًا.
7. الأقباط شعب ذو حضارة أنارت العالم ولهم في التعامل مع الطغاة والظالمين باع طويل، ولقد قرروا أخيرًا أن ما عانوا منه في القرون السابقة لم يعد مقبولاً في هذا العصر. فتعالت أصواتهم مطالبين بالحق والحق في جانبهم، وقد وصل الأمر إلى حد اللارجعة فلن يسكت لهم صوت بعد الآن، ليس فقط دفاعًا عن حقوقهم بل تخوفًا مما قد يحيق بمصرهم لو تمكن أعدائهم منهم ومنها.
8. سيواصل الأقباط كفاحهم العادل بكافة الوسائل السلمية والمشروعة.
9. يعلم الأقباط بأن كنيستهم قد سُحلت مجبورة إلى دروب السياسة الملتوية. لذلك فهم في كفاحهم سيتبعون ما تمليه عليهم احتمالات نجاح مساعيهم كما يمليه واقع ومعطيات الساحة الدولية، وبصرف النظر عن أي توصيات وإرشادات مهما كانت مصادرها، إن كانوا على غير اقتناع بسلامتها أو فاعليتها.
10. يكن الأقباط أقصى درجات الاحترام والطاعة فيما يتعلق بأمور الإيمان المسيحي القويم لكنيستهم ولقياداتها، ويقدرون بوعي عميق مدى الضغوط الواقعة عليها.
11. لا يهدف الأقباط إلى استعداء قوى خارجية على وطنهم بل يعملون على إيصال صوت أنينهم إلى العالم المتحفز لدرء كل عدوان على حقوق الإنسان وما يحققه ذلك من التقدم والرخاء للوطن.
12. نظرًا لإهمال الرئاسة المصرية كل يتعلق باضطهاد الأقباط, فأقباط المهجر يتوجهون الآن كمواطني الولايات المتحدة الأمريكية إلى رئيسهم لإحاطته علمًا ببعض الحقائق الموثقة لتؤخذ في الاعتبار عند رسم خطوط السياسة الأمريكية على المدى القصير عند لقائه بضيفه المصري, وعلى مدى أطول فيما سيأتي بعد ذلك.
13. وبصرف النظر عن فاعلية المظاهرات المرتقبة فلا شك أنها تخدم غرضًا هامًا وهو تأكيد عدم رضا الأقباط عن أحوالهم في بلادهم وقلقهم البالغ على مستقبل وجودهم بها، إلى جانب امتعاضهم من تجاهل من بأيديهم الحل والربط لندائهم المتكرر برفع الغبن الذي يرزحون تحت ثقله.
لقد انتهت قرون إذلال أقباط مصر واصحابها. فالتاريخ والمستقبل في جانبنا وعلينا بالمثابرة والعمل المخلص، فما عُرف عن مغتصب أن أعاد لضحيته ما سلبه عن اقتناع أو رضا, ونحن ندفع ثمن الكفاح فعلاً وإن كان ذلك بلا مقابل إلى الآن. |