بقلم / د. ناجى فوزي لننخطر اخطراراً قسرياً للولوج إلى موضوعنا عبر هذه المقدمة المقصورة حتى نتذكر دائماً أننا نتعامل –هنا– مع الفكر الإنساني في جانبه النسبي (شئون العالم) وليس جانبه المطلق (شئون العائد الدينية), وهو الأمر الذي يتيح لنا أن نتمسك بالحق في مراجعة الوقائع التاريخية المحققة والمتفق عليها من خلال الوثائق؛ فالتاريخ -لمن يعى معطياته بجد- هو باب المستقبل، يعمل بين جوانبه دروساً لمن يريد أن يعرف وأن يتعلم المعرفة، وتاريخنا في الوطن المصري يشير بكل وضوح إلى أن جانباً غير هين من "هوان" هذا الوطن يعود إلى غير قليل من التصرفات التي اقترفها أجدادنا المصريون على مدار زمن تحقيق الدولة المصرية عبر تقلباتها المختلفة, وهي تصرفات يدفعنا إدراكنا لها بالعمق المناسب إلى أن نرى فيها خطايا في حق الوطن المصري كانت نتاجاً قصدياً حتى ولو كانت ناتجة عن قصور في الوعي, فعلى كل حال فإن قصور الوعي لدى القائم (أوالقائمين) على أمر الوطن هو بمثابة الخطية. إن الأكثر إلحاحاً على الظهور من خطايا أجدادى هما أمران على جانب كبير من الخطورة, أحدهما هو اتخاذ الدين مطية لتسلط الحاكم في مصر على المحكومين من المواطنين المصريين, سواء كان الحاكم وطنياً من مصر أو أجنبياً من خارجها, وهو الأمر الذي يمكن أن يسمح للحاكم ذاته بإحداث تصرفات من شأنها أن تؤدي إلى كوارث وطنية -كما سنطالع ذلك بعد-، والأمر الآخر هو استعانة الحاكم -سواء المصري أو غير المصري- بغير المصريين لتوطيد حكمه على أرض مصر أمراً مفهوماً, فإنه من غير المقبول أن يلجأ الحاكم المصري لاستخدام المرتزقة الأجانب رجالاً له من العسكريين. وإذا كان تاريخ المصريون القدماء يشير إلى فترات من الضعف السياسي, وصلت إلى حد قيام انتفاضات شعبية فوضوية خطيرة, وكان من أشد عواقبها المفجعة تفكك الدولة إلى مقاطعاً مستقلة، فإن الأمر اللافت للإنتباه هو أن الملك المصري "أمنحوتب الرابع" الذي أصبح معروفاً باسم "إخناتون" هو الحاكم المصري الذي فجّر أول موجة تاريخية من الصراع الديني في مصر؛ حيث أبطل العبادات المعروفة في ذلك الوقت وكانت قد نالت شعبية واتفاقاً بين المصريين في نفس الوقت, وهي عبارات "العائلة الأوزورية" (أوزوريس, إيزيس, وابنها حورس) والإله "آمون". ويذكر التاريخ أن حالة المعابد المصرية قد وصلت إلى أعلى درجات الثراء فى عهد الملك "رمسيس الثالث" (الأسرة العشرين) الذي تولى حكم مصر عام 1182ق.م, لتبلغ ممتلكات هذه المعابد من أراضي مصر الزراعية إلى ما يقرب من 12% من إجماليها، كما يذكر التاريخ أيضاً عدداً من الوقائع التي تتناسب مع تنامي سلطة الكهنة في مصر, حيث تكونت في العاصمة المصرية "طيبة" حكومة يتولى الكهنة رئاستها؛ حتى أنهم تلقبوا بألقاب الملوك المصريين واتخذوا من السمات ما يؤكد ذلك, مثل وضع أسمائهم في الإطارات المشهورة في نقوش الكتابة المصرية المقدسة, تلك الإطارات التي تشير إلى درجة القداسة الخاصة بصاحبها وتُعرف باسم "الخراطين". ولأن هؤلاء الكهنة لا يستطيعون بسط سيطرتهم السياسية (كحكّام) على كل أرض مصر, لذلك فإن سيطرتهم لم تتجاوز مصر الوسطى لكي يسمح كل ذلك بأن تقوم في بقية أرض مصر حكومة أخرى برئاسة ملك آخر, أى أن "تقسيم حكم مصر" إلى ما يشبه ولايتين كبيرتين هو أمر يرجع إلى تنامي سلطات رجال الدين من كهنة المعابد, وهو نظام حكم استمر لما يقرب من المائة والثلاثين عاماً, أي أن رجال الدين فى سبيل تأكيد سلطاتهم الأرضية باسم الدين لم يبالوا بتقسيم الوطن ذاته، وفضلاً عن ذلك فقد كان من أهم آثار وجود "الكهنة الحكام/ الملوك" هو الإعتماد على ما يسمى "بنبؤات الآلهة" في تسيير كل شئون الحكم, وهو الأمر الذي امتد إلى ثقافة المواطنين البسطاء أنفسهم؛ لكن يعتمدوا في أبسط شئون حياتهم على "تنبؤات الآلهة", سواء كانت آلهة محلية (أقاليم - مدن – قرى) أو عمومية ( مثل "آمون"). (ملاحظة تفرض ذاتها: هل لنا أن نقول ما أشبه الليلة بالبارحة؟). ويذكر التاريخ أن هناك حكاماً أجانب قد بدأوا يسيطرون على مقاليد الأمور في مصر منذ عام 945ق.م (الأسرة الثانية والعشرين), نتيجة لتسللهم للبلاد على مدى مئات من السنين (منذ نهاية القرن الثالث عشر ق.م), إلى بداية الأسرة التاسعة عشر, واللافت للإنتباه أن هؤلاء الحكام الأجانب استطاعوا أن يبسطوا سيطرتهم هذه من خلال استغلال علاقة المصريين العميقة بالدين, لذلك تعمد هؤلاء الحكام أن يظهروا إهتماماً فائقاً بالديانة المصرية وبمعابدها؛ فقد كان لهم في الأسرة الواحدة والعشرين -السابقة عليهم- أسوة؛ نصف مصر. اذ حكم الكهنة من خلالها, كما ذكرنا آنفاً لذلك كان هؤلاء الحكام الأجانب يتعمدون القيام بتعيين واحد من أبنائهم في منصب الكاهن الأكبر "لآمون", لكي يضمنوا السيطرة على الثروات الهائلة المخصصة لمعبد هذا الإله, بل وصل بهم الأمر في هذا الشأن إلى حد تعيين بناتهم كاهنات؛ لضمان سيطرتهم على المعابد؛ باعتبارها مفتاح الحكم في مصر في هذه الفترة, وإن كان الأمر لم يمنع قيام أهل العاصمة "طيبة" بالذات بثورات متكررة ضد هؤلاء الملوك الأجانب. |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع:
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |