CET 00:00:00 - 09/08/2009

مساحة رأي

بقلم: أيمن رمزي نخلة
الشهيد الدكتور فرج فودة غنيّ عن التعريف. هو أحد الذين قُتلوا غدراً مِن أجل أفكاره التحريرية وآرائه المُنيرة للمُغَيّبين والمخدوعين الرافضين لكل فكر آخر مُجدد أو مجتهد داعي لأي تقدم اجتماعي. أحد المحاربين المحدثين ضد دعاة النقل مِن التراث وربط الدين بالسياسة. يعتبر مِن أهم المنادين بالدولة المدنية التي تفصل بين الدين والسياسة. قائد مِن قادة الوحدة الوطنية في مصر الذي رفع شعار الدين لله والوطن للجميع حين تقدم للترشيح لانتخابات مجلس الشعب المصري في ثمانينيات القرن الماضي في أحد أهم الأحياء التي تحوي نسبة مسيحيين كبيرة. لم ينجح فودة لوجود تزوير وتدليس وجهل يقود أصوات المنتخبين.
ولد فرج فودة في الزرقا بدمياط عام 1945. وحصل على دكتوراه اقتصاد زراعي من جامعة عين شمس. كان أخر نشاط بارز له مناظرة في معرض الكتاب عام 1992 عن الدولة المدنية.

اغتيل الدكتور فرج فودة في 8/6/1992 وهي الذكرى التي لن تنساها مصر ويُحييها كل عام المركز التنويري الذي أنشأه قبل اغتياله وشارك ولا يزال الكثيرين مِن المفكرين المنيرين والداعين لتحرير الفكر الديني مِن جمود النقل على حساب العقل.
لم يكن فرج فودة هو الوحيد الذي تم تكفيره في هذه الفترة الزمنية، لكن كانت هناك مجموعة مِن المفكرين المحترمين منهم مَن صودرت مؤلفاتهم ومَن رُفعت ضده قضايا التكفير والتفريق بينه وبين زوجته، ومَن طردوا بعد اعتقالهم ومنهم مَن حاولوا قتله. من الأمثلة: نصر حامد أبو زيد وسيد القمني وسعيد العشماوي وخليل عبد الكريم وأحمد صبحي منصور ونوال السعداوي وسعد الدين إبراهيم.

في كتابه "الحقيقة الغائبة"، أحد أهم الكتب التي قُتل بسببها فرج فودة، تناول الكاتب بالنقد والتحليل شعار الجماعات الدينية الإسلامية في كل عالمنا العربي والشرق أوسطي الذي يبرق أمام العامة أن الإسلام هو دين ودولة.

تناول الكاتب بداية الدولة الدينية على عهد عثمان بن عفان الذي جمع القرآن وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة مِن الرسول. وتاريخ عثمان يشهد أنه مِن السبّاقين للدخول في الإسلام وتشّرف بأنه تزوج باثنتين مِن بنات الرسول، ومع ذلك فإن الحُميراء عائشة بنت أبي بكر أم المؤمنين تحرض المسلمين المؤمنين على قتال عثمان بعد أن تلعنه حيث يُروى عنها: "اقتلوا نعثلاً. لعن الله نعثلاً". وكانت النتيجة قتل عثمان. وعلى هذا فإن الحكم الإسلامي لا يأتي مِن تطبيق أحكام الشريعة لأنها كانت مطبقة، ولا مِن صلاح الحاكم ولا مِن صلاح الرعية لتوفر كل هذا، لكن بوجود نظام اجتماعي للحكم ليس له علاقة بالدين يبنى النظام على ضوابط وقواعد اجتماعية تتمشى مع العصر الحالي وليس العصر الماضي بظروفه المختلفة.

وفي عصرنا الحالي نجد أمامنا بعض الأسئلة لطارحي فكرة الدولة الدينية:
1. كيف تُحل المشاكل الاجتماعية التي لم تكن موجودة سابقاً في القرن الأول الهجري بمجرد تطبيق الشريعة الإسلامية؟
2. ما هو حل مشكلة الإسكان والديون والمجاعة والبطالة في ظل تطبيق الشريعة؟
3. كيف يتواكب الاهتمام المظهري الزائد بالعبادة مع السبق العلمي والثورة التكنولوجية؟
4. الاهتمام بفتاوى النكاح وقضاء الحاجة في الخلاء وتربية اللحية وحف الشارب، كل هذه المظاهر كيف تمنع تنامي ظاهرة أطفال الشوارع؟
5. النساء المسلمات ماذا استفدن مِن تحجيبهن وتنقيبهن وتخميرهن أمام زيادة أعداد الأميات والعاطلات الباحثات عن عمل والمتحرش بهن في الشوارع؟
6. ما هو الحل السحري الذي يقدمه علماء الطب النبوي من الأحاديث المدسوسة والموضوعة والمنحولة والأحادية وكذلك دعاة الإعجاز العلمي في النصوص المقدسة أمام الزيادة الرهيبة للمرضى والأمراض؟
7. أين أنت يا فرج فودة أمام العلماء الذين ينادون بقيمة العلاج والشفاء في أجنحة الذباب وبول الإبل ويستخدمون لذلك أحاديث لنبي الإسلام؟ لو كنت حياً لصرخت بصوت عالياً: كفاكم إهانة للإسلام ورسوله وعقول التابعين.
8. آه يا فرج فودة لو كنت حياً لمت مِن الغيظ والكمد أمام تصريحات الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية بأن الصحابة كانوا يتبركون مِن فضلات رسول الإسلام؟، كما نشرته جريدة المصري اليوم 23/5/2007.
9. أية إهانة تلك التي يصنعها هؤلاء الذين ينادون الآن بتطبيق الشريعة الإسلامية أمام تخلف التعليم في الجامعات والمدارس والعلم في كل البلاد الإسلامية والعربية أمام دول العالم التي لا تؤمن بأي دين؟
10. ماذا يفعل تطبيق الشريعة الإسلامية أمام الغش الجماعي والأمية في المدارس مع العلم بأن القائمين على الغش و"التغشيش" هم المؤمنين المتدينين والذين يبررون ذلك بقولهم: تعاونوا على البر والتقوى صدقني يا عزيزي القارئ هذا حدث عشرات المرات أمامي.

• قراءة في أول دولة دينية في التاريخ الإسلامي.

ففي قراءة لحروب أبي بكر المسلم المؤمن الموحد بالله والمؤمن برسول الإسلام ضد المسلمين المؤمنين بالله ورسول الإسلام وقتالهم لأنهم لم يدفعوا الزكاة، لم يكن موقف أبو بكر إلا موقف رجل السياسة العَلماني الذي يفصل بين السياسة والدين.
لقد تقاتل أبو بكر وهو مِن الصحابة مع مسلمين آخرين كان منهم صحابة وتابعين أيضاً لرسول الإسلام وهذا ليثبت أن الدولة لا علاقة لها بالدين. وأركان دولته كانت تحتاج لوقفة جماعية ضد المختلفين.
ليست القضية الآن في صحة أو خطأ ما فعله أبو بكر، لكن التأكيد على أمور منها:
1.جميع المتقاتلين في بداية العقيدة كانوا مسلمين مؤمنين أتقياء .
2. الصراع لم يكن مبدأ إيماني بقدر ما كان على وضع وتأكيد أركان الدولة الناشئة.
3. كانت الشريعة مطبقة في أوج صورها ومع ذلك كان الفصل واجباً وضرورياً بين الدولة والدين فالإسلام دين لكن لا يصلح أن يكون دولة.
ومِن النتائج التي توصل إليها فرج فودة عن أفعال عهد الراشدين والتي بنوها على نصوص مقدسة لكنها لا تتناسب مع حقوق الإنسان في العصر الحديث قوله:
"إن قواعد الدين ثابتة، وظروف الحياة متغيرة، وفي المقابلة بين الثابت والمتغير، لابد وأن يحدث جزء مِن المخالفة، ونقصد بالمخالفة أن يتغير الثابت أو يثبت المتغير، ولأن تثبيت واقع الحياة المتغير مستحيل، فقد كان الأمر ينتهي دائماً بتغيير الثوابت الدينية".(صفحة 70)
أي أنّ ما يدعيه أصحاب الأغراض الخاصة مِن وجود ثوابت دينية لكل عصر ومكان قد ثبت فشل هذه الثوابت عند أول تطبيق في الدولة الدينية والتي كانت أقرب ما تكون لنزول الدعوة ومِن الذين عاصروا وحاوروا وتتلمذوا على يدي رسول الإسلام مباشرة.
 في المقالة القادمة نقرأ معاً الدولة الدينية في العصرين الأموي والعباسي.

Aimanramzy1971@yahoo.com

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٣ صوت عدد التعليقات: ٤ تعليق

الكاتب

أيمن رمزي نخلة

فهرس مقالات الكاتب
راسل الكاتب

خيارات

فهرس القسم
اطبع الصفحة
ارسل لصديق
اضف للمفضلة

مواضيع أخرى للكاتب

قراءة في أول دولة دينية عند فرج فودة.

كنتُ وزيراً للأديان المصرية

جديد الموقع