مصادر مقربة من عائلته: سيعود الاثنين لليمن برفقة طبيب أميركي بسبب تدهور حالته الصحية
قررت السلطات الأميركية الإفراج عن الشيخ محمد المؤيد القيادي في حزب التجمع اليمني للإصلاح الإسلامي المعارض ورفيقه محمد زايد بعد أن قضيا في سجن أميركي سبع سنوات بتهم تتعلق بالإرهاب. وعلمت «الشرق الأوسط» أن الإفراج عن المؤيد جاء في ضوء صفقة بين محاميه الأميركيين والقضاء الأميركي تقضي بالإفراج عنهما والاكتفاء بمدة السجن التي قضياها مقابل عدم المطالبة بتعويض مادي عن سنوات السجن.
وقال لـ«الشرق الأوسط» الشيخ حمود الذارحي، رئيس الهيئة الشعبية للدفاع عن المؤيد وزايد أن المحامين المكلفين بالدفاع عن المؤيد ورفيقه اتصلوا أمس بأسرة الشيخ المؤيد وأبلغوها بقرار الإفراج عن المؤيد وزميله بعد التوصل لاتفاق مع القاضية التي تنظر في القضية. وذكر الذارحي أيضا أنهم تلقوا اتصالا من الرئيس علي عبد الله صالح يؤكد نجاح المساعي للإفراج عن الرجلين وان السفارة اليمنية في واشنطن قامت بالترتيبات المطلوبة لنقلهما إلى اليمن جوا، حيث من المتوقع أن يصلا إلى اليمن الاثنين المقبل على ابعد تقدير. غير أن الشيخ الذارحي توقع أن يتأخر وصولهما عدة أيام في حالة كانت الحالة الصحية للشيخ المؤيد لا تسمح له بالسفر، مشيرا إلى احتمال نقله إلى احد المستشفيات لتلقي العلاج.
وتعتقل الولايات المتحدة الشيخ محمد المؤيد ورفيقه محمد زايد منذ تسلمهما من ألمانيا منتصف عام 2003. واعتقل الرجلان في مطار فرانكفورت بألمانيا أثناء عودتهما إلى اليمن، بطلب من الولايات المتحدة التي استدرجت الشيخ المؤيد بواسطة العميل في المباحث الفيدرالية الأميركي (إف. بي. آي) محمد العنسي الذي أوهم المؤيد بوجود مؤسسات خيرية ألمانية إسلامية تعتزم تقديم أموال إلى الجمعية الخيرية التي أسسها ويديرها المؤيد في صنعاء. غير أن القرائن التي تقدمت الولايات المتحدة بها إلى السلطات الألمانية اتضح فيما بعد أنها في ضوء تنسيق مخابراتي أميركي – ألماني وسجلت بالصوت والصورة لقاء المؤيد بالداعم الوهمي المفترض، واعتمدت تلك القرائن على سعي المؤيد للحصول على أموال وتقديمها إلى حركة حماس وهي المصنفة أميركيا بأنها منظمة إرهابية. وحكمت المحكمة الاستئنافية في مدينة نيويورك أمس بإطلاق سراح الشيخ المؤيد ومرافقه زايد بعد 6 سنوات من اعتقالهما، حيث يستعد المواطنان اليمنيان للعودة إلى بلدهما بموجب قرار ترحيلهما من الولايات المتحدة. وأفاد بيان من سفارة اليمن في واشنطن أمس أن هذا الحكم جاء بعد جولات من المفاوضات المكثفة بين سفارة بلادنا في واشنطن ومسؤولي وزارة العدل الأميركية من جهة وكذلك بين محامي المؤيد وزايد والادعاء الأميركي من جهة أخرى، أثرت هذه الجهود في إبرام اتفاق تسوية بين الملتمسين والقاضي. وأضاف البيان أن «بناء على التسوية، فقد أقر الشيخ المؤيد ومرافقه بعدد من التهم الموجهة إليهما حيث حكمت القاضية الأميركية بتخفيف عقوبتهما إلى خمس سنوات احتسبت فترة العقوبة من تاريخ إلقاء القبض عليهما وإيداعهما في المعتقل».
وفي أول رد فعل على صدور قرار المحكمة، صرح محمد الباشا الناطق الرسمي باسم سفارة اليمن في واشنطن قائلاً: «يأتي هذا الخبر تتويجاً للجهود المضنية والمستمرة التي بذلها فخامة الأخ الرئيس في السنوات الماضية، كما تأتي تتويجاً للمتابعات المستمرة للسفارة في واشنطن مع المؤسسات المختصة خاصة وزارة العدل الأميركية كما يأتي هذا الحكم تتويجاً للقاءات المتكررة التي انعقدت مع وزير العدل الأميركي السيد أريك هولدر ومساعديه السيد بروس سوارتز والسيدة ايمي جيفرز والسيد ديفيد وارنر». ولفت الباشا إلى التغيير الايجابي في سير هذه القضية بعد انتهاء رئاسة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش وتولي الرئيس الجديد باراك أوباما مهامه، قائلا «السفارة قد لمست تغيرا إيجابيا ملحوظا بعد تولي الرئيس باراك أوباما الرئاسة في الولايات المتحدة وتأكدت بتولي وزير العدل الأميركي لمهامه ولاحظت السفارة أن الاجتماعات التي عقدت مع وزارة العدل والجهات المختصة قد اتسمت من حينها بالموضوعية والشفافية والرغبة في أن تسير الأمور في الاتجاه الصحيح لمسار المحاكمة التي أفضت إلى هذه النتيجة». وأكد ناطق باسم وزارة العدالة الأميركية لـ«الشرق الأوسط» أمس أنه سيتم إطلاق المؤيد وزايد بعد التوصل إلى اتفاق بين السلطات الأميركية والمتهمين حول التهم الموجهة إليهما. وبموجب وثيقة من وزارة العدل موجهة إلى القاضية دورا ايريزاري، تم الاتفاق على اعتراف المتهمين بتهمة «التآمر لتزويد دعم مادي لمنظمة إرهابية أجنبية» مقابل إسقاط باقي التهم الموجهة إليهما. وأضافت الرسالة التي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها أن المتهمين قد قضيا مدة 80 شهرا في الحبس، منذ اعتقالهما في ألمانيا في يناير (كانون الثاني) 2003، مما يعني انه من الممكن إطلاق سراحهما. وكان من المرتقب أن يمثل الرجلان أمام محكمة في نيويورك ليعترفا بدعمهما لـ«حماس»، ليتم إطلاقهما في وقت لاحق، لم يرغب الناطق بوزارة العدل في الإفصاح عنه قبل الانتهاء من المحاكمة الرسمية. وبموجب الرسالة، فإن «إعادة المحاكمة في هذه القضية قد يتم تأجيلها كثيراً بسبب صحة محمد المؤيد المتدهورة وهذه الاعترافات تزود حلا مؤكدا وسريعا للمشكلة». واعتبرت وزارة العدالة، التي قدمت توصياتها إلى محكمة نيويورك أن اعترافات الرجلين «تجيب على المخاطر على الأمن القومي الأوسع». وبموجب العنسي فإن المؤيد «قد جند مجاهدين لنزاعات يدعمها تنظيم القاعدة في البوسنة والشيشان وأفغانستان». وأفادت وزارة العدل أنها حصلت على أدلة لاحقة تربط المؤيد بمعسكر تدريب في أفغانستان ومعلومات تشير إلى تدريب «مجاهدين» في البوسنة. ولكن هذه الاتهامات الموجهة للمؤيد لن تكون معروضة على المحكمة في نيويورك، بعدما قررت وزارة العدل الاكتفاء بالفترة إلى قضاها المؤيد ومساعده زايد في السجن.
وامتنعت وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» عن التعليق على القضية، إذ قال ناطق باسم الوزارة لـ«الشرق الأوسط» أن المعتقلين كانا في سجن فيدرالي أميركي وليس في معسكر «غوانتانامو» العسكري، مما يعني أنها غير معنية مباشرة بالقضية. كما انه لم يرد رد من وزارة الخارجية الأميركية عن دور الحكومة اليمنية في إبرام هذه الصفقة. ويسمى المؤيد في اليمن «أبو الفقراء» نظرا لتأسيسه جمعية الإحسان التي كانت تقدم الخبز يوميا للفقراء والمعدمين من سكان بعض أحياء العاصمة صنعاء، إضافة إلى مواد غذائية وغيرها. ويعد المؤيد الذي حوكم بالسجن في الولايات المتحدة 75 عاما من الزعامات الإسلامية «الشعبية» إن جاز الوصف، في اليمن وأسهم إنشاؤه لمسجد ورعايته للفقراء في اكتسابه سمعة واسعة في الشارع اليمني، غير أن موجة الحرب على الإرهاب التي بدأت في عام 2001 بعيد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، قذفته إلى غياهب السجون الألمانية أولا والأميركية ثانيا بعد أن وقع ضحية العنسي الذي ظل فترة طويلة يداوم على الصلاة في المسجد الذي يؤم فيه المؤيد المصليين ويشرف عليه، حتى وثق فيه وأوقع به من بوابة التبرعات وباسم الإسلام والجمعيات الخيرية.
ومنذ اعتقال المؤيد في يناير (كانون الثاني) 2003 لم تفلح المطالبات والتحركات اليمنية الرسمية في الإفراج عنه من قبل السلطات الألمانية التي قرر القضاء فيها بعد شهور على عملية الاعتقال، تسليمه إلى الولايات المتحدة التي أدانته بتهم دعم الإرهاب وزج به وزميله المرافق في سجن ولاية كولورادو. ورغم ذلك استمرت المساعي اليمنية الرسمية والحزبية وشكلت لجنة شعبية خاصة لمتابعة قضيته. وخلال السنوات السبع الماضية خاضت السلطات اليمنية وأسرة المؤيد وحزبه وبعض المنظمات الحقوقية، معركة قانونية طويلة في محاولة لإقناع القضاء الأميركي ببراءة الرجل مما نسب إليه من تهم تتعلق بالإرهاب.
وخلال سنين سجنه تعرض الشيخ محمد المؤيد لنكسات صحية متلاحقة حيث أصيب بأمراض عديدة في الكبد والمعدة وغيرها بحكم تقدمه في السن. لذلك من المتوقع أن يخضع للعلاج في أحد المشافي الأميركية قبل سفره إلى اليمن. وأكدت مصادر مقربة من أسرة الشيخ المؤيد لـ«الشرق الأوسط» أنه سيعود يوم الاثنين مع مرافقه محمد زايد. وينتمي المؤيد لعائلة من «السادة» وقد سبق له العمل في مجال القضاء، كما كان معروفا بدوره الدعوي، وقد أثار توقيفه موجة من الغضب في الشارع اليمني بسبب دوره المعتدل. وكانت محكمة البداية في بروكلين قد اتهمت المؤيد وزايد بـ«تمويل ودعم الإرهاب» وتقديم المساعدات المالية والعينية لتنظيم «القاعدة» و«حركة حماس وأمرت بحبسهما 75 سنة و45 سنة وتغريمهما نحو مليوني دولار، مشيرة إلى استخدام العمل الخيري غطاء لنشاطات غير مشروعة. غير أن محكمة الاستئناف التي أعادت النظر في القضية بالثالث من أكتوبر (تشرين الأول) 2008 قضت بإلغاء الحكم الابتدائي، وشككت في شهادات الشهود، كما لفتت إلى أن الدعم الذي قدمه المؤيد للفصائل المسلحة قد يكون خلال فترة الوجود السوفياتي في أفغانستان وقتال تلك الفصائل ضده.
واعتبرت وزارة العدل الأميركية أن صحة المؤيد، الذي يعاني من أمراض عدة من بينها التهاب الكبد والسكري ونقص دم شديد، هي السبب الرئيسي في عدم انتظار إعادة محاكمة المؤيد مجددا. وبموجب رسالة وزارة العدل الأميركية، فإن احتمال وفاة المؤيد «خلال فترة ما بين أشهر قليلة إلى سنوات قليلة» وارد جدا، كما أن النزيف بسبب عجز الكبد قد يؤدي إلى «الوفاة». ويذكر أن المؤيد قضى جزءا من فترة اعتقاله في المستشفى بسبب مشكلات الكبد، وقد احتاج إلى عمليات نقل دم. وشرحت وزارة العدل أن عدم قدرة المؤيد على المثول أمام القضاء مجددا كان بسبب سوء صحته، هذا بالإضافة إلى «الأهمية الدولية لهذه القضية ومرور أكثر من 5 أعوام منذ ترحيل المتهمين إلى الولايات المتحدة لمواجهة التهم، الحكومة تشعر بقوة أن هناك حلا سريعا ونهائيا لهذه القضية، حيث يعترف المتهمان بتهمهما وينقلان إلى اليمن، بما يخدم مصلحة العدالة». من جهته رحب المرصد الإعلامي الإسلامي، وهو هيئة حقوقية بلندن تهتم بأخبار الأصوليين حول العالم، في بيان تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه أمس، بقرار الإفراج عن المؤيد وزايد بعد اعتقالهما في ألمانيا وتسليمهما لأميركا ومثولهما أمام محكمة أميركية تم نقض حكمها من محكمة الاستئناف الأميركية في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) 2008. وطالب بالإفراج عن عدد من القيادات الأصولية المحتجزة في سجن كلورادو «شديد الحراسة». |