بقلم: محمود الزهيري
ماذا جنى المجتمع المصري من المراجعات الفقهية التي أعدتها وجهزت لها الأجهزة الأمنية في حواراتها مع الجماعات الدينية الراديكالية؟ سوى أنها استبدال أمراء الجهاد بأمراء الأمن في دور وظيفي تلعبه الأجهزة الأمنية فيما بينها وبين الجماعات الدينية الراديكالية, كان من ثماره أن تحولت تلك الجماعات إلى قيادة صامتة للمجتمع المصري وفي حالة أخرى مؤجلة تعلن عن نفسها بتكفير النظام وتكفير الدولة والمجتمع بالخروج عليهما بأعمال إجرامية إرهابية لا تروع إلا الفقراء والمهمشين الذين لا يمتلكون من حطام الدنيا شيء سوى أنهم أصبحوا فعليًا من حطام الدنيا ذاته!
وتم تضييع المجتمع المصري بين فصيل يري التخطئة وفصيل آخر يرى التبرئة في عودة للماضي البعيد الغير متوائم بمفاهيمه مع الواقع العصري المعاش, وسحب قضاياه ومحاولة فرضها على واقعنا بمفاهيم الجماعات الدينية التي تروج لها أنظمة الاستبداد وترعاها حتى يتخاصم المجتمع مع الحداثة والديمقراطية وقضايا التنمية والحريات ويصبح المستفيد الأوحد هو النظام الحاكم فقط المشمولين برعايته!
وفي مصر فوجئ المجتمع المصري بخروج الدولة المصرية على المعاهدة الشبه مكتوبة والنصف موثقة مع التيار السلفي الوهابي في محاولة لنقض هذه المعاهدة مع هذا التيار الذي يتوافق مع مثيله في المملكة العربية السعودية ذات الجذور الوهابية في توجهها الديني والتي غزت مصر بحزمة كبيرة من الأفكار الملتبسة بمجموعة من العقائد المدعي بأنها إسلامية ولاقت رواجًا كبيرًا في أوساط المجتمع المصري الفقير والمأزوم اقتصاديًا والمكبوت سياسيًا في حالة من حالات التغييب القسري للسياسيين والمفكرين المصريين وإقصاؤهم عن الساحة السياسية والاجتماعية سواء بشرائهم بجملة من مناصب الإدارة العليا في الدولة، أو تغييب بعضهم في السجون والمعتقلات, أو محاولة ترعيب الباقي منهم والتلويح بجملة من الجرائم يمكن إعدادها لهم حال كونها جرائم جاهزة ومعدة في قوائم انتظار من تلبسه هذه الجرائم وتكون ثوبًا له في السجون والمعتقلات وترك أبواب التطرف والإرهاب الديني مفتوحة على مصراعيها, ولما لا والوثائق تؤكد هذا التحالف بين الدور الوظيفي للدولة المصرية والدور الوظيفي للجماعات الدينية في تحالف غير شريف يجمع بينهما للإجهاز على المجتمع المصري وتفكيكه على شرط استمرار منظومة الطغيان والاستبداد بمقياس مضبوط على المسطرة الدينية المغيبة لأي دور من أدوار التغيير أو على أقل تقدير الإصلاح.
وفي هذا يرى الأستاذ أمين المهدي أن: كل الجماعات الوظيفية يحاول عدد من القوي السياسية استغلالها وتحاول هي أيضًا أن تصبح فئة متميزة أو طبقة عليا أو تحاول الوصول إلى الحكم كما حدث في إيران وأفغانستان والسودان وكما تحاول في الجزائر ومصر.
ومن الطبيعي أن لا تكون هناك جماعة وظيفية إسلامية واحدة وإنما تصبح لكل مجتمع جماعة وظيفية دينية خاصة به وتجمع الجماعات الوظيفية من بلد إلى آخر بعض المشتركات الإيديولوجية والتراثية.
وهذا ما جمع بين الجماعات الوظيفية الدينية في المملكة العربية السعودية ذات الفكر الوهابي وبين الجماعات الدينية في مصر في محاولة التوحد معها حتى في رؤية هلال ذي الحجة وإعلان يوم عيد الأضحى, وكذا إفطار شهر رمضان وتوحدهما في عيد الفطر مخالفين الدولة المصرية وخارجين على المجتمع المصري بسلوك ظاهر في معناه البساطة ولكن مبناه الحقيقي مؤسس على رفض الدولة وخارج علي المجتمع ومن السهولة بمكان أن يُفَعِل عقيدة الولاء والبراء التي يبدأ تفعيلها في حالة تعبدية بسيطة يقوم بها غالبية المجتمع المصري, وفي حالة الاحتفال بعيد الأضحى وعيد الفطر على الطريقة الخاصة بالجماعات الدينية الإسلامية الراديكالية متخذين من المملكة العربية السعودية إمامًا ومرشدًا لهم في تلك الأمور التعبدية والتي قد تتنامى في مفاهيمها إلى أدوار أخرى تنتهي في الغالب إلى أن تتحول السلفية التعبدية المعتصمة بحدود النص الديني ووقائعه التاريخية الثابتة إلى سلفية جهادية قتالية محاربة للدولة والمجتمع على أساس من المفاهيم الدينية الثابتة, في إشارة إلى ما نشرته المصري اليوم العدد 1571 وهذا نصه: في الوقت الذي استجاب المصريون لإعلان دار الإفتاء أن أمس الثلاثاء كان المتمم لشهر رمضان المبارك، وذهبوا إلى أعمالهم أو جلسوا في بيوتهم صائمين كان مصريون آخرون من أعضاء مجموعات سلفية وجماعات إسلامية يحتفلون بعيد الفطر.
هكذا انقسمت مصر بين كثرة صائمة وقلة مفطرة مستندة إلى إعلان السعودية أن أمس غرة شوال وبث عدد من أعضاء الجماعات السلفية فتوى جواز الإفطار في عدد من المساجد على اعتبار أن السعودية لديها علماء ثقات رأوا الهلال وينبغي علي المسلمين إتباع رؤيتهم وزادوا بالقول إن السياسة تدخلت في رؤية هلال شوال بما يضرب وحدة المسلمين.
وقد يرى البعض أن هذا الأمر يحمل قدرًا من البساطة حال كونه يتعلق بالصيام والإفطار وهذه أمور تعبدية إلا أنه يحمل مضامين دينية خطيرة وهذا قد يكون مؤشر خطر في أبعاده المستقبلية القريبة أو البعيدة إذ يمكن مع هذا النهج الذي تقوم به هذه الجماعات السلفية الوهابية, والجماعات الراديكالية الجهادية في تفعيل دورها المنوط به وتتحول السلفية الهاربة من الحياة إلى الماضي إلى سلفية جهادية تحمل السيف وتخرج به على المجتمع وكذا الحال مع الجماعات الجهادية التي ترى أن العنف مؤجل حسب فقه المرحلة المواتية بعد أن تعلمت من أخطائها في الماضي القريب وأثبت الواقع فشل هذا الخروج على الدولة والمجتمع بالعمليات الإرهابية في تفعيل ظاهر لعقيدة الولاء والبراء.
إلا أن مظاهر فك عري الوثاق بين النظام الحاكم في مصر والجماعات السلفية والمحاولة الانقلابية عليها كان لظروف اقتضتها المرحلة التي يمر بها النظام الحاكم في مصر, ومفادها راجع إلى تهميش دور جماعة الإخوان المسلمين صاحبة الدور الوظيفي بتاريخيته مع الأنظمة الحاكمة منذ النظام الملكي في مصر والتحالفات التي تمت في الماضي, وتحالفات الحاضر المعاش وبعد أن بلع الإخوان الطٌعم في عام 2005 في الانتخابات التشريعية التي حصدوا فيها 88 مقعدًا بمجلس الشعب المصري بموافقة النظام المصري ذاته وبالتوافق معه حال كون هذا التوافق مرجعه الأساسي للتلويح به كورقة أمام الولايات المتحدة الأمريكية ودول الإتحاد الأوروبي أصحاب الدور في الضغط علي النظام المصري بملف الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان وحقوق الأقليات الدينية المهدرة, فكأن الأمر مفاده في توجيه الرسالة للغرب: إذا تخلصنا من الاستبداد وعدنا للديمقراطية وحقوق الإنسان , فإن الصاعد لأعلى درجات السلم السياسي والاجتماعي هم هذا الفصيل الديني من الإخوان المسلمين!!
وكان أن أدى الإخوان المسلمين الدور ببراعة فائقة بالتوافق مع النظام الحاكم في مصر لتعطيل الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان وتهميش الأقليات الدينية في مقابل مزعوم منهم مبني على إتاحة الفرصة لنشر الدعوة الإسلامية بين الشعب المصري في فترة سوق الانتخابات التشريعية من خلال التعريف بدعوة ومنهج الإخوان المسلمين وقادة الجماعة وعلى رأسهم حسن البنا الذي يمثل أعلى مرجعية دينية للجماعة والتي لا تخلو مناسبة إلا وكان اسم حسن البنا هو الحاضر بسيرته وذكراه, الغائب بجسده وشخصه.
وما أن تم انتهاء الدور مرحليًا كان لابد من إعطاء الضوء الأخضر للتيارات السلفية في مواجهة تيار الإسلام السياسي ممثلاً في جماعة الإخوان المسلمين حتى يتم التشكيك في عقائدهم الدينية من خلال البحث عن قضايا دينية مصطنعة يتم الترويج لها مثال لذلك الأحكام التي يظهرها التيار السلفي عن حكم الإسلام في الانتخابات؟ ورأي الإسلام في الديمقراطية وغير ذلك من القضايا التي تعطل مسيرة العمل الديمقراطي والتنموي من خلال الجماعات الدينية الوظيفية ومنها الإخوان المسلمين وعلى الرأس منها في هذا التعطيل الجماعات السلفية ليكون الدور الوظيفي للتيارات الدينية قد تم بجدارة في الإبقاء على منظومة الاستبداد والفساد ومؤسسات الطغيان.
وقد التقط خيط التحالف بين النظام الحاكم في مصر وبين تلك التيارات السلفية الوهابية الأستاذ نبيل شرف الدين في عرضه بإيلاف بتاريخ 11 / 12 / 2008 ذاهبًا إلى أن: حد توجيه أصابع الاتهام لدوائر رسمية بأنها وقفت خلف هذا الأمر، وهو ما فسره مراقبون بأنه يشكل مسعى منها لاستلهام التجربة السعودية والخليجية، بدعم الجماعات السلفية واستخدامها كأداة لضرب جماعة "الإخوان المسلمين" استنادًا إلى عدة اعتبارات، منها أن هذا التيار مؤهل للمزايدة على الإخوان لأن أنصار السلفية يذهبون إلى أبعد مدى في التمسك بمظاهر التدين الشكلية، كما لا يكترث أنصارها بفتاوى علماء الأزهر بل يسخرون منها ويسفهونها، ويحتكمون إلى آراء كبار مرجعيات السلفية مثل ابن عثيمين والألباني وغيرهما في أي مسألة فقهية أو عقدية قد تعنّ لهم.
أحدث الرموز التي تدلل على تدلل على توظيف النظام المصري للفاشية الدينية, هو ما تبدي واضحًا وجليًا للعيان في قضية مروة الشربيني التي حولها النظام المصري لقضية شعبية / جماهيرية حمل لوائها من يوظفهم النظام المصري الذي يجتهد دائمًا في إظهار الصورة القاتمة للشعب المصري وتجسيده للعداء للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ودول الإتحاد الأوروبي , علي أن الشعب / الجمهور المصري يعادي تلك الدول ويكن لها الحقد والكراهية وأنه هو الوحيد الذي يحافظ على تلك الدول وأنه في حالة تفعيل الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان فلن يكون هناك بديلاً إلا هؤلاء الأعداء وهذا ما تبدي في قضية مروة الشربيني التي حولها النظام المصري على لسان الجمهور / الشعب المغيب حتى بمثقفيه ومفكريه, وهذا ما أعلنه أحد قادة جماعة الإخوان المسلمين حسبما نشر في المصري اليوم في عددها الصادر 23 / 7 / 2009 بعد أن نشرت على لسان الفايننشال تايمز: إنه إذا كان لابد من دراسة افتراضات المسلمين بشأن اضطهادهم في المجتمعات الغربية بعد حادث مقتل مروة الشربينى فإنه ينبغي أيضًا تقييم نقدي لردود أفعال المتظاهرين في مصر تجاه الألمان وهتافاتهم بأن «الألمان أعداء الله» ووصف القتيلة بأنها «شهيدة الحجاب».
واعتبرت الصحيفة في تقرير لها أمس الأول أن المجتمع المصري «ليس خاليًا من العنصرية تجاه الآخرين» موضحة أن «هناك آلافًا من اللاجئين السودانيين يعانون من السخرية بسبب لونهم، فضلاً عن الاشتباكات الطائفية في القرى المصرية التي بها أعداد كبيرة من المسلمين، حيث إن الأقباط يؤدون صلاتهم في بيوتهم»
إلي هنا وتنشر نفس الجريدة ما ورد علي لسان الدكتور أحمد رامي عضو مجلس نقابة الصيادلة القيادي بجامعة الإخوان المسلمين في ندوة «موقف الغرب من
الإسلام والمسلمين والحجاب» بمركز الدراسات الاشتراكية أمس الأول أن «أجهزة رسمية في الدولة طلبت من النقابة والجماعة تصعيد قضية مروة الشربينى في ألمانيا».
قائلاً: إن «الوزراء وكبار السياسيين الذين شاركوا في تشييع جنازة الشهيدة استهدفوا استغلال القضية سياسياً، على الرغم من أن الحادث مجرد تصرف فردي».
والذي أود التنويه عنه هل قضية مقتل مروة الشربيني في دريسدن بألمانيا تم توظيفها بالصورة التي تظهر عداء المصريين وكراهيتهم للألمان وللغرب بصفة عامة أم لا؟!!
وكان الأجدر بجماعة الإخوان المسلمين والنقابات المهنية والمثقفين والكتاب بجانب قضية مقتل مروة الشربيني التي وصفوها بشهيدة الحجاب علي وزن شهيد المحراب, أن يتضامنوا مع المدرس المصري منير سعيد حنا الذي ألف قصيدة مكتوبة بخط اليد رأي مؤيدي النظام الحاكم أنها تتهكم علي رأس النظام المصري مبارك الأب وقضي عليه بالحبس بأقصى عقوبة ثلاث سنوات حبس وكفالة مائة ألف جنيه, وبالرغم من تحصله علي حكم بالبراءة في الاستئناف إلا أنه وحال كونه صعيدي ومسيحي ومن قرية تابعة لمركز مغاغة وبالرغم من أنه موظف إلا أنه أدي دورًا من الجرأة والشجاعة لا يستطيع أن ينهض به المثقفين والكتاب والمأجورين لدي السلطة والنظام من أدعياء الثقافة والفكر.
منير سعيد حنا أدي عملاً لا يوازيه أي كلام أو تفاهات من تفاهات المثقفين والمفكرين وأدعياء الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان, فهو بزغللته هذه زغلل وأوجع رموز الفساد والاستبداد والطغيان الذين لا يجرؤ أحد من المثقفين والمفكرين أن يقترب من دوائرهم بالنقض أو النقض وإنما ديدنهم الوحيد هو الدفاع عن العلمانية وأنهم ضد الوهابية فقط مع أن النظام الحاكم ضد العلمانية ومتوائم مع الوهابية بتوظيفه لها توظيفات تخدم علي بقائه في الحكم والسلطة كتوظيفه لقضية مقتل مروة الشربيني!!
فمن الذي تضامن مع منير سعيد حنا؟!!
إنها الأدوار القذرة التي تؤديها الجماعات الموظفة لصالح النظام بأجنحته الأمنية والدينية!!
كان الأجدر أن يتم رفض كافة الجماعات الدينية بكافة أشكالها سواء كانت جماعات دينية إسلامية أو مسيحية حفاظًا علي الدولة التي نريدها أن تكون مدنية , ويكون دور الدولة هو الناطق بلسان المجتمع وليست الدولة هي التي تستنطق المجتمع بعبارات أو كلمات من عندياتها حسب مصلحة النظام الحاكم الذي يستخدم الجماعات الدينية ويوظفها لمصالحه الاستبدادية في الظلم والفساد والطغيان.
خطورة الجماعات الدينية تبدأ تعبدية وتنتهي في واقع الأمر إلي جهادية قتالية مسلحة كلغة فارضة ذاتها علي المجتمع لتتحول اللغة إلي فعل منتج في فرض أدواتها علي المجتمع بالعنف والإرهاب.
mahmoudelzohery@yahoo.com |