بقلم: أماني موسى
انتهى يوم العمل لعم سعيد مسعد أبو السعد وخرج مع أصحابه الموظفين وكلاً منهم يتثاءب من كثرة النوم وجلسات النميمة طوال اليوم، وبينما يركض عم سعيد للحاق بالأتوبيس حالفه الحظ على غير العادة ليجد كرسي خالي بالأتوبيس فأسرع بشدة وكأنه وجد كنز وغنيمة ليلحق بالمكان قبل أن يمتلأ بالكتل البشرية اللزجة، وبينما هو يسرع بالجري لينحشر في الكرسي كان يجلس بجواره شخص كبير الحجم والكرش يأخذ بما يعادل الكرسيين، ولكن عم سعيد صمم على الدخول في المعركة بنجاح ليحصل على نصف كرسي برضا وقناعة (كعادة المصري قنوع ويرضى بقليله ولا يطمح للمزيد).
وبينما هو متكئ برأسه على الشباك المجاور له لينظر زحمة الشوارع والوجوه البائسة والأجساد المتلاصقة الغارقة في العرق وما إلى ذلك من مناظر اعتادها يوميًا حتى أنها أصبحت لا تثير لديه أية دهشة أو تعجب، كان الشخص الكبير المتخم الذي يجلس بجواره يفرد يديه عن أخرهما ليقلب ويتحكم بصفحات الجرنال الذي يتصفحه، فشعر عم سعيد بالضيق والضجر من ضيق المساحة التي يتكوم بها كالفأر المختبئ من القط ومن فرد القط لذراعيه ببلاهة وغطرسة غير مُبالي بالفأر الجالس بجواره، وكاد أن يفلت لسانه ويصرخ بوجه ذلك القط السمين ولم يُسكته إلا تلك العناوين التي لمحها تتصدر صفحات الجرنال بيد الرجل الجالس بجواره.
فوجد العناوين الموجودة تثير حنقه وغضبه كالواقع تمامًا، فكل تلك العناوين يجمع بينها أن المصري ضحية دائمًا بل أنه في كثير من الأحيان ينجح في التكيف مع دور الضحية وعشقه وأصبح يمثله ببراعة، فكانت تلك العناوين تحوي أخبار حول اعتصامات واحتجاجات للعديد من العمال والصيادلة والمدرسين في كافة أنحاء البلاد حتى أنه بات من الممكن أن تأخذ مصر المركز الأول عالميًا في الاحتجاجات والاعتصامات بداعي وبدون داعي وأهو تغيير جو برضه والوقفة على سلالم النقابات وفي الشوارع طراوة برضه بدل القعدة في البيت!!
إلى جانب أخبار عن تلك الشخصيات الباحثة عن الشهرة والتلميع (كالحذاء القديم تمامًا) والذين لا عمل لهم سوى رفع قضايا على طوب الأرض وكأنهم المنزهين عن الأخطاء والمعصومين منها ولذلك تفرغوا لمراقبة سلوكيات إخوتهم في البشرية والتقدم ببلاغات للنائب العام بشكل (بدري) دائمًا و(وحش) علطول.
هذا غير حوادث الطرق التي يروح ضحيتها المئات بل الآلاف دون رادع أو كارتطام قطار بالرصيف إثر انحرافه عن خط المسير أو حوادث الأتوبيسات على الطرق البرية الغير ممهدة من طرق متعرجة وإشارات ممحاة وعواميد إنارة على الخرائط الورقية فقط دون وجود حقيقي لها على أرض الواقع، دة غير حوادث الطيارات اللي مش بيحس بيها الشعب أوي لأن طبعًا دي وسيلة مواصلات الصفوة مش الغلابة المطحونين اللي مش لاقيين حتى حق خروجة عادية بالأتوبيس.
دة بقى غير مشكلة القمح الفاسد الغير منتهية والأمر منها وجود مساحات شاسعة من الزراعات بمنطقة عرب أبو ساعد بجنوب حلوان مش بس مزروعة بكيماوي مسرطن ومميت للمواطن المصري لكنها مزروعة بمياه مجاري خالصة!! ولكم أن تتخيلوا تلك المعاملة الغير آدمية ولا حتى حيوانية من قِبل المسئولين مع المواطنين اللي حياتهم بالماضي والمستقبل بقيت طين.
المهم أنه بعد ما عم سعيد قرا كام عنوان من دول حس بمغص شديد ودوار وشعر بأن الضغط هيرتفع كالعادة فأدار وجهه للشباك مرة ثانية ليتمتع بمناظر المارين في الشوارع المتكدسة والأتوبيسات المتمايلة بأقصى اليمين أو أقصى اليسار ليست لخفة أو رشاقة الغزال بل لتكدسها بالأحمال والأثقال البشرية.
وتمر دايرة عم سعيد مسعد أبو السعد اللي هي دايرة كل مصري دون انتهاء أو توقف ولذا أقترح على عم سعيد تغير اسمه لـ حزين مهموم أبو الهم ليكون حقًا اسمًا على مسمى. |