بقلم: عماد توماس
تحكي الأسطورة عن اثنين من المواطنين البسطاء كانا سائران في إحدى القرى الريفية يرافقهما كلبًا، وحين مات منهم دفنوه في كومة من الرمال وجلسا بجانبه حزانى على مصيرهما الذي يمكن أن يشابه مصير الكلب، مر بهما قروي من متسولي الكرامات فتصور حزنهم على ولي لله قد مات، مما أوحى إليهم الادعاء بأن رفيقهم كان شيخًا صالحًا، فاقترح عليهما القروي أن يصنع له أهل قريته مقامًا، وهو ما قد كان، وصار القرويون يلجأون إليه لالتماس البركة وقضاء الحاجات، إلى أن صدق النصابان أنفسهم، وصارا يقسمان إذا ما اختلفا فيما بينهما برحمة "الشيخ كليب"؟
هذه الأسطورة أو الحكاية سردها الكاتب كمال غبريال في روايته البديعة "زمن حودة تباته".
تذكرت هذه الأسطورة المعبرة بعدما تابعت ردود الأفعال حول قرار محافظ القاهرة الأخير بإلغاء مولد "السيدة زينب" بسبب الحد من انتشار أنفلونزا H1N1 المعروفة باسم أنفلونزا الخنازير.
وإذا سألني أحدهم عن موقفي الشخصي من الموالد وزيارات الأضرحة أقول لك أنني كنت أتمنى أن يصدر هذا القرار منذ فترة بعيدة وأتمنى أن يعمم هذا الإلغاء على كل الموالد مثل مولد مار جرجس بميت دمسيس ومولد العذراء بدرنكة وغيره.
لا أستطيع أن أنكر أن الموالد الشعبية ظاهرة فولكلورية تمتلئ بها الأحياء الشعبية بالمعتقدات والعادات والتقاليد والأدب الشعبي وهي تسبب حالة من الفرح للبسطاء، ولا يستطيع أحد أن ينكر الفائدة المادية التي تعود على أصحاب الموالد، لست ضد الموالد الشعبية فهي إحياء لتقاليد شعبية عريقة، لكنى أقف بالمرصاد أمام الموالد ذات الصبغة الدينية.
ولن أكون مفتريًا إذا قلت لك أنني كنت في مهمة عمل في طما بمحافظة سوهاج وزرت دير "أبونا يسى" ورأيت بعيني قفصين من القرود والنسانيس في ساحة الدير وحولهما جمع غفير من الأقباط يتلاعبون معهم!!
وشاهدت كيف يقوم المواطنين البسطاء بملئ زجاجات من الرمل بغرض خلطها بالماء ليشرب منها المريض فيشفى!!
وذهبت من فترة بعيدة لدير مار جرجس بميت دمسيس ورأيت الممارسات الخاطئة التي تمتلئ بها الموالد والتى لا تتناسب مع قدسية المكان المفترض أنه دير للاختلاء والصلاة!!
أيهما أفضل.. أن نحتفل بسير القديسين فنتأمل وننظر إلى نهاية سيرتهم ونتمثل بإيمانهم ونتعلم العبر والقيم أم نحتفل بهم احتفالاً ما أنزل الله به من سلطان من مظاهر غريبة من المراجيح والحمص والحلوى ومقاهي "الشيشة" والراقصات وإلى آخره من الأمور التي لا تسر عدو ولا حبيب؟، فهل هذه المظاهر تمت بصلة لحياة الإيمان وسلوكيات المؤمنين؟!!
لقد وقف السيد المسيح أمام الباعة والمشترين في الهيكل وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام وقال لهم "إن بيتي بيت الصلاة وأنتم جعلتموه مغارة للصوص". محققًا نبوة النبي إرميا في العهد القديم "هل صار هذا البيت الذي دعي اسمي عليه مغارة لصوص في أعينكم". أليس مكتوب أيضًا أن "غيرة بيتك أكلتني".
فإذا كانت الموالد "تجارة رابحة" فماذا ينتفع الإنسان لو "ربح" العالم كله و"خسر" نفسه؟!! |