بقلم / بهاء رمزى
من أهم مطالب الأقباط في مصر لضمان ألا تكون هناك تفرقة بينهم وبين المسلمين هو فصل الدين عن الدولة وهذا المطلب لا يمكن أن تستقيم حياة هادئة مستقرة وسليمة بين عنصرى الأمة بدونه، وفصل الدين عن الدولة يعنى لنا أولاً إلغاء المادة الثانية من الدستور والتي تنص على أن الدين الإسلامى هو دين الدولة الرسمي وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع.
ويعني أيضاً أن يتحرر أبنائنا في المدارس من وجوب حفظ الآيات القرآنية ودراسة الدين الإسلامى جبراً، وتعني حين يتغلغل مبدأ الفصل هذا في ضمير المواطنين والحكومة أنه لن يتم النظر إلى ديانة المتقدم لعمل قبل قبوله أو رفضه ولن تتوقف ترقية ضابط في الجيش على ديانته، وستصير الكفاءة هي المعيار للحكم على الأشخاص.. والكثير من الأمور التي يجب تغييرها كالإعلام والتليفزيون والقضاء وغيرها من أمور يعوق ربط الدين بالدولة أن تسير كما يجب أن تسير في أي بلد يحترم أولاده وحقوقهم ويجعل المواطنة بينهم مبدأ نحياه جميعاً وليس حبراً على ورق.
ولكن هناك سؤال يجب أن نسِأله لأنفسنا نحن الأقباط دون أن نخشى الإجابة عليه وهو "هل نحن كأقباط وداخل مجتمعاتنا القبطية وكنائسنا وأهم من ذلك عقولنا وفهمنا وفكرنا نعيش مبدأ فصل الدين عن الدولة والذى نطالب به الحكومة المصرية؟!، أم أننا نغالط أنفسنا ونظلم كنيستنا وإلهنا بتصرفاتنا التي تجعلنا عبيد أفكار وتصرفات نظنها صواب وهي كارثة علينا وعلى حلمنا بأن نكون أحرارا ًفي كل شيء وفي كل مكان داخل أرضنا مصر وخارجها".
كنت أتحدث في إحدى المرات مع أب كاهن وتطرق بنا الحديث إلى تصرفات الكثيرين من الشعب القبطي اللى فيها إلغاء للعقل وتفضيل الغيبيات عنه إلى حد بعيد!! فروى لي أن هناك من يأتي إليه ليسأله في أمور يجب أن يقررها العقل والمنطق وليست كلمة من فم أي أحد حتى ولو كان كاهناً أوأسقفاً، وأعطاني مثالاً لشخص جاءه يخبره بأنه ينوي شراء سيارة وأمامه سيارتين أحداهما حمراء والثانية زرقاء فأيهما يا ترى يشتري؟! ومرة أخرى أخبرني أحد معارفي في الكنيسة بأنه لا يمكن أن يبدأ مشروعاً إلا إذا استشار الكاهن أولاً، وغيرها وغيرها من الحكايات التي تلغي العقل وتتجه إلى الغيبيات.
جميلاً طلب الصلاة والبركة من الكنيسة أو من الكاهن ليرشدنا الله لما فيه الخير ولكن الخطر كل الخطر حين نلغي عقولنا ونسأل الكاهن أو غيره في أمور قد لا يعرف هو عنها شيء، بل أننا نظلمه في هذا لأنه إذا أشار مثلاً على أحد بعمل مشروعاً ما و فشل هذا المشروع ألن يقول لسان حال هذا الشخص (أبونا هو اللي شار عليا)؟. وهذا ظلم لأبونا الكاهن إذ أنه ككاهن عمله هو روحي بحت ولا يفترض فيه أنه لا بد يفهم في المشاريع التجارية وليس مطلوباً منه أيضاً هذا.
فنحن حين لا نفصل الدين عن الدولة في حياتنا الشخصية وفي تعاملتنا مع الأباء الروحيين ومع الكنيسة نظلمهم ونظلم أنفسنا بل ونظلم الكنيسة ذاتها، ولعلنا جميعاً نعلم المثال الذي أعطاه لنا السيد المسيح له كل المجد حين جاءه أخ يشتكي أخوه ويطلب منه القضاء له في الميراث فأجابه السيد المسيح بأنه من جعلني قاضياً بينكم فهو وهو الديان العادل أراد أن يخبرنا بأن رسالته رسالة روحية وأن لأمور العالم أماكن أخرى للجوء إليها، وكذلك قال له المجد ((إعط مالقبصر لقيصر ومالله لله)) وهرب من الجموع الذين أرادو أن ينصبوه ملكاً أرضياً.
فالمبدأ الذي أرساه السيد المسيح منذ البدء هو فصل الدين عن الدولة و قد فهم تلاميذه الذين هم بدء الكنيسة ذلك فكان عملهم الوحيد هو الإرشاد الروحي وقيادة البشر لطريق الملكوت.
يجب أن نعلم أن الفارق بين نوال البركة وبين الدروشة ليس بكبير والفارق بين الطاعة وتغييب العقل ليس بكبير، وأننا نحن الأقباط إن لم نستيقظ من الغيبوبة الفكرية وإن لم نفصل نحن أولاً ديننا عن دولتنا في عقولنا وتصرفاتنا فلن نستطيع أن نصل إليه لا مع الحكومة ولا مع إخوتنا المسلمين... ففاقد الشيء لا يعطيه. |