بقلم: حنا حنا المحامى
اصبح موضوع اندرو وماريو موضوعا عالميا يعرفه الحادى والبادى وحقوق الانسان فى العالم دون مغالاه.
وقضاؤنا الذى كان شامخا قضى للاطفال باقل القليل من النفقه وذلك ذرا للرماد فى العيون. وتوالت الاحكام ضد الطفلين ووالدتهما بصوره غير مسبوقه ووصلت الى اكثر من ثلاثين دعوى.
حكمت المحاكم باسلام الاطفال لان المفروض أنهم يتبعون الزوج الذى أسلم. بل وأكثر من هذا أن المحاكم حكمت بحضانة الاب للاطفال حتى لا ينشآ على دين الكفر. وتنفيذ هذا الحكم يعنى أن زوجة الاب هى التى تنشئ الاولاد, وأن الاولاد يحرما من تنشئة الام وحنانها.
ارغم الاطفال على اداء امتحان الدين الاسلامى فما كان منهما الا أن كتبا فى ورقة الاجابه "أنا مسيحى". أقام الطفلان بعزمهما واصرارهما كل منظمات حقوق الانسان المحليه والعالميه.
قامت الام باستئناف حكم الحضانه فتأيد حكم أول درجه بحضانة الاب رغم ما فى ذلك من ناحية التطبيق العملى من اجبار غير انسانى على الاطفال وما ينتظرهما من نشأه فى كنف زوجة أب وحرمان من الامومه وحنانها ورعايتها.
فى مسائل الاحوال الشخصيه يصبح حكم الاستئناف حكما نهائيا غير قابل لأى وجه من وجوه الطعن. بمعنى أنه لا يمكن أن يطعن فيه بالنقض.
وحيث أنه طبقا لقانون المرافعات يجوز للنائب العام فقط أن يطعن بالنقض فى الاحكام النهائيه وذلك لخدمة العداله.
أمام الضجة الاعلاميه التى اقامتها السيده كاميليا والدة الطفلين استحسن النائب العام اقامة طعنا أمام النقض طبقا للسلطه المخوله له قانونا. وفى الخامس عشر من يونيو الماضى صدر حكم النقض المترقب. واستند النائب العام فيما استند الى اقوال بعض الفقهاء.
كانت هذه مقدمة تاريخيه لوقائع الدعوى لازمه لللتعرض بالنقد للحكم المذكور.
قضت محكمة النقض بحضانة الام للاولاد. جميل... الا أنها قررت أن الاولاد يكونا مسلمين تبعا لديانة والدهما الذى أسلم (والى هنا ماشى) وأضافت ... ذلك أن الاسلام "خير الاديان". واستند الحكم فيما استند الى اقوال اخرى لفقهاء آخرين.
ومن هنا يبدأ التعليق..................................................
لا شك أن السنهورى باشا والدكتور حشمت أبو ستيت والدكتور سليمان مرقس, تململوا فى قبورهم. لا شك أن كبار الفقهاء دوجى وبلانيول وكابيتان أحسوا بالضجر فى مثواهم الاخير. واولائك وهؤلاء لهم كل العذر ذلك أن صرح القضاء الشامخ الذى كان يتناطح فى شموخه مع القانون الفرنسى قد قوض وانهار.
أولا..... الماده الثانيه التى يتم الاستناد عليها لتبرير روح التعصب فى الاحكام والخروج عن النصوص القانونيه أو عن مبادئ العداله نصها كالاتى: " .............. والشريعه الاسلاميه هى المصدر الرئيسى للتشريع"
ولا نحتاج الى عبقريه أو فقهاء أو علماء فى المنطق أو النحو أو الصرف لفهم تلك العباره. فالنص يخاطب المشرع ولا يخاطب القاضى. والقاضى كما هو معلوم ليس له الا أن يطبق النصوص القانونيه التى سنها المشرع. فعلى القاضى أن يفتح قانون الاسره ويطبق أحكام القاصر. وليس له أن يجتهد فى قوانين أخرى أو أية تشريعات أخرى أو أقوال أو فقه أو ما الى ذلك. وقد قضت المحكمه الدستوريه العليا بذلك بكل وضوح.
ثانيا: يقول الحكم بان الدين الاسلامى أفضل الاديان. جميل. فقط نسى الحكم مبدأ قانونيا هاما, وهى أن الاحكام لا بد أن تكون مسببه والا كانت مشوبه بالبطلان. وبناء عليه كان يتعين على القاضى الهمام أو محكمة النقض السنيه أن تسبب لماذا الدين الاسلامى خير الاديان , على الاقل ليفيد غير المسلمين الذين يعتنقون أسوأ الاديان ليعرفوا الاسباب التى تجعل ديانتهم أدنى من الدين الاسلامى حتى يكون فى تلك الاسباب نبراسا لهم ونورا يهتدوا به.
ثالثا: وصول التعصب الاعمى الى محكمة النقض لا يفيد الاسلام بل يسئ اليه كما أنه يخلخل الثقه فى الاحكام. ذلك أنه بينما استند طعن النائب العام على أقوال بعض الفقهاء, استند حكم النقض على أقوال فقهاء آخرين. وأصبح الامر منوطا بالميل والهوى دون أن يكون له ضوابط واضحه محدده كما هو شأن الاحكام القضائيه حتى يتحقق استقرار الاحكام لتكون نبراسا يوضح الطريق أمام المتقاضين.
رابعا: لا يزال هناك بعض القضاه المسيحيين. ولا شك أن هذا الحكم يسئ الى هؤلاء القضاه. ماذا يكون الامر لو أن القاضى المسيحى قضى بالعكس تأسيسا على أن الدين المسيحى أفضل الاديان؟ هل يرى هؤلاء القضاه الذين أصدروا هذا الحكم أنهم ينتمون الى الاغلبيه وعادة تكون الاغلبيه أكثر قوه من الاقليه بعددها فقط, فلا يعبأون بمشاعر الاقليه متنكرين للقيم الاخلاقيه واحترام الآخر؟
خامسا: المحاكم وعلى رأسها محكمة النقض تمثل العداله. ومعروف فى كل أنحاء العالم أن العداله معصوبة العينين لا تفرق بين متخاصم وأخر على أساس الجنس أو اللون أو العرق أو الدين, فاذا تم تديين القضاء على هذا النحو كيف يكون هذا القضاء عادلا يمكن للمتقاضين أن يطمئنوا اليه لو اختلفت ديانتهم؟
سادسا: كل المظمات الحقوقيه والهيئات التشريعيه والقضائيه وكذا المواثيق الدوليه فى جميع أنحاء العالم تقتضى بنصوص أمره وملزمه لكل الدول التى وافقت عليها بما فيهامصر أن ترعى فى تشريعاتها رفاهية الطفل ونفسيته حتى تكون نفسيه سويه تنفع نفسها وتنفع وطنها. ولكن ها هى التشريعات وأحكام القضاء "التى ترعى الانسانيه" تقسر الطفل على غير ما يرغب, فتزرع فيه الاحساس بالظلم والقسر والقهر. هل هذا هو الاسلام؟ الى متى تسيئون يا ساده الى الاسلام؟
وبعد ........................
أمام كل تلك التجاوزات اقدم صرخة مدويه الى كل المثقفين.
لقد أصبح التطرف الدينى أمرا يهدد لا وحدة الوطن فحسب بل يهدد بانفجار لا يعلم مداه ونتائجه الا الله. المسلمون يقولون إن المسحيين يعبدون ثلاثة ألهه وسيدخلون النار حتما, والمسيحيون يقولون "من لم يعمد بالماء والروح لن يدخل ملكوت السماوات". اذن حين نتكلم عن الا ديان فاننا نتكلم عن الحياة الابديه, حياة الخلود حيث لا ينفع الندم بعد العدم. كذلك لا يوجد فى مجال البحث عن الحياه الاخره ارهاب فكرى أو غير فكرى بل يتعين أن يكون البحث موضوعيا دون تكفير أو ارهاب فكرى أو حساسيات وتهديد بالقتل والوعيد أو التعصب الفكرى.... وما الى ذلك مما ينشره اخواننا الفقهنجيه. ويتعين أن يكون البحث بهدف الوصول الى الحقيقه ليس الا. ثم تعلن النتيجه على الملأ. بعد ذلك يكون كل شخص مسئولا عن قراره أمام الخالق فى يوم الدين ويوم الحساب.
إننا حين نتكلم عن الاديان لا نتكلم عن نزهه أو أكله أو حفله. اننا نتكلم عن حياة الخلود حيث لا ينفع الندم بعد العدم. |