CET 00:00:00 - 14/03/2009

مساحة رأي

بقلم / سوزان قسطندى
عودة إزدهار الرهبنة القبطية فى العصر الحديث، وعودة الإضطهاد:
إنتهت الحرب العالمية الأولى (1914- 1918م) بهزيمة ألمانيا وحليفاتها ومن بينهم تركيا العثمانية، فسقطت دولة الخلافة الإسلامية بسقوط الدولة العثمانية (التى كانت فى حال ضعف وانحلال داخلى) فتشتتت فى أكثر من أربعين دولة إنقضت عليها دول الاستعمار كإرث فتقاسمها الإنجليز والفرنسيون والإيطاليون والهولنديون والبرتغاليون والأسبان- حيث قُسِّمت في إتفاقية «سايكس بيكو» عام 1916م ثم إتفاقية «سان ريمو» عام 1920، وفى عام 1924م أعلن مصطفى كمال أتاتورك زعيم جمعية الإتحاد والترقي سقوط الدولة العثمانية وقيام دولة تركيا العلمانية.
إستقل محمد على باشا (مؤسس الأسرة العلوية) بحكم مصر- تحت الخلافة العثمانية عام 1805م ، وبداية حكمه كانت مرحلة حرجة من تاريخ مصر خلال القرن التاسع عشر حيث نقلها من عصور التردى إلى أن أصبحت دولة قوية يُعتَد بها.. ويعتبر محمد على هو مؤسس مصر الحديثة بسبب أفقه الواسع وسياساته الإنفتاحية المعتمدة على العلم الحديث، وفى عهده تمتع الأقباط بسياسة التسامح الدينى وسادت المساواة بين جميع المصريين منذ توليه حكم مصر.. وألغى الخديوى سعيد باشا الجزية المفروضة على الأقباط عام 1855م.. وعاشت مصر الفترة الليبرالية من سنة 1919حتى سنة 1952م.
شهدت مصر نهضة قبطية كنسية وقومية على يد البابا كيرلس الرابع (أبو الإصلاح) 110 ( 1854- 1861م)، إذ يُعزَى له الفضل الكبير فى إنشاء المدارس القبطية (للحفاظ على وحدة العقل المصرى)، كما أقام دار الطباعة القبطية (لطباعة الكتب التعليمية فضلاً عن الكتب الكنسية)، كما أقام أول مدرسة لتعليم البنات فى مصر (إيماناً منه بأهمية تعليم المرأة)، وحارب عادة الزواج المبكر للبنات، ودعا إلى مساواة المرأة والرجل فى الميراث.. ورغم أن فترة باباويته قليلة نسبياً إلا أنه صنع فيها الكثير بحق- فكما أدخل محمد على مصر العصر الحديث أدخل كيرلس الرابع الكنيسة القبطية هذا العصر.

ومن آباء الكنيسة والرهبنة الذين ذاع صيتهم فى القرن التاسع عشر وأوائل العشرين الأنبا أبرآم أسقف الفيوم والأنبا صرابامون أسقف المنوفية (أبو طرحة) والأب ميخائيل البحيرى المحرّقى.
وفى عهد قداسة البابا كيرلس السادس 116 (1959- 1971م) حدثت نهضة كنسية ورهبانية قوية.. فقد إهتم قداسته بترميم الكاتدرائية المرقسية (والتى كان قد مر على بنائها مائة عام)، وفى 25 يونيو 1968م إستقبل جسد مار مرقس كاروز الديار المصرية بعد غيبتة عن أرض مصر زهاء إحدي عشر قرناً من الزمان وأودعه في مزار خاص بني خصيصاً له بالكاتدرائية المرقسية، وإفتتحها في إحتفال عظيم حضره رئيس جمهورية مصر جمال عبد الناصر وإمبراطور أثيوبيا هيلاسلاسى الأول ووفود من كنائس العالم كله وجموع كثيرة من الشعب.. كما إهتم بإعادة تنظيم الحياة الرهبانية - لإرتباطها الكبير بالحياة الكنسية، وفى ذلك الوقت كان الرهبان قلة قليلة وأغلبهم كبار فى السن، وفى خلال بضعة عقود توسّعت الأديرة الرئيسية للرهبان والراهبات وتم تحديثها وأعيد تسكينها بكثير من الرهبان والراهبات صغار السن معظمهم من خريجى الجامعات (حيث كان أبونا مينا المتوحد البراموسى والذى صار فيما بعد البابا كيرلس هو الأب الروحى لكثير من طلبة الجامعات أثناء إقامته فى طاحونة هواء مهجورة بالمقطم، وقد إجتذب بعضاً منهم للدخول فى الحياة الرهبانية).

وفى عهد قداسة البابا شنودة الثالث 117 البطريرك الحالى أدام الله حياته حدثت نهضة كبيرة فى مجال العمل الكنسى والرهبانى والكرازى والوطنى.. وقد إهتم قداسته بتطوير أديرة الرهبان والراهبات وإعادة إحياء الأديرة المهجورة، وما زال هناك أديرة أخرى حديثة فى طور التكوين، وبدأ التوسع الرهبانى فى عهد قداسته يعود لطابعه الكرازى القديم حيث يتم بناء الأديرة القبطية خارج مصر أيضاً فى بلاد المهجر، وفى عهده تمت رهبنة أكثر عدد من الرهبان والراهبات بالنسبة للرؤساء، كما أن غالبية أعضاء المجمع المقدس الذى يمثل قيادة الكنيسة هم من الرهبان الجامعيين الذين كانوا قبل الرهبنة يعملون في حقل الخدمة وهذا له الأثر الكبير في العمل الرعوى روحياً وثقافياً و إجتماعياً في العصر الحالى.
بدأت نهضة رهبانية وعمرانية واضحة منذ بداية النصف الثانى من  القرن العشرين من دير السيدة العذراء المعروف بالسريان بوادى النطرون وذلك بفضل تشجيع نيافة الأنبا ثاؤفيلس منذ رئاسته للدير عام 1948 وحتى نياحته عام 1989م، حيث رحّب بالعديد من طالبى الرهبنة من الشباب وترهّب بالدير مجموعة من المثقفين الذين بدأوا يعملون بكل طاقتهم على النهوض بالدير، ومنه خرجت المجموعة التى عمرت دير أبو مقار ودير الأنبا بولا ودير مارمينا ودير مارجرجس الرزيقات.. ومن بينهم الأب أنطونيوس السريانى الذى صار قداسة البابا شنودة الثالت.. وقضى بدير السريان أيضاً بضعة سنوات المتنيح الأب متى المسكين والذى أحدث نهضة رهبانية وعمرانية كبيرة فى دير أبو مقار كما أثرى المكتبة القبطية بالعديد من مؤلفاته وأبحاثه القيّمة.

في بداية الخمسينيات وفى أول رئاسة الأنبا ثاؤفيلس لدير السريان قام بهدم القلالى الملاصقة للسور القبلى وبنى مكانها مبنى قلالى للرهبان يتكون من أربعة طوابق ذات وجهه جميلة أمام كل قلاية- وكان أول مبنى حديث في الأديرة، ومنه أخذت فكرة إنشاء مبانى للرهبان حالياً في الأديرة الأخرى.. في عام 1951م تقريباً إشترى نيافته مطبعة للدير وكانت أول مطبعة بالنسبة لأديرة مصر وقام بتشغيلها رهبان الدير (وبعد أن أدت تلك المطبعة رسالة كبرى، بيعت في الستينيات)، وقد كان لهذه المطبوعات التى أصدرها دير السريان الأثر الكبير في روحانية الكثيرين بل وكانت عاملاً مشجعاً لسلوك البعض في طريق الرهبنة.. كما أنشأ بيت الخلوة خارج الدير في عام 1959م وكان أول بيت خلوة يقام في الأديرة وكان يستقبل أعداداً كبيرة من الشباب على فترات (وكان الراهب القس أنطونيوس السريانى هو الأب الروحى لهم)، وبذلك كان الدير يشعّ للشباب المسيحى رسالة روحية وسيظل يؤدى رسالة حية للكنيسة على مدى الأجيال.. وبدأت باقى الأديرة تقيم بيوت الخلوة للشباب (وأقام دير القديسة دميانة للراهبات ببرارى دمياط بيت خلوة للشابات)، وأقيمت قصور الضيافة بالأديرة لإستقبال أهالى الرهبان وكبارالزوّار، كما أقيمت إستراحات للزائرين.
وبالإضافة لما سبق لا بد أن نذكر أيضاً دور العديد من كبار آباء الرهبنة الذين ذاع صيتهم فى القرن العشرين فى إثراء الرهبنة القبطية، مثل الأب عبد المسيح صليب المسعودى البراموسى والأب يسطس الأنطونى والأب إندراوس الصموئيلى (الكفيف) والأب عبد المسيح المناهرى المقارى.. ومن الواجب ذكر ناسك من أثيوبيا هو الأب عبد المسيح الحبشى والذى توّحد فى مغارة بالقرب من دير البراموس منذ عام 1935م ولمدة تزيد عن أربعين عاماً، وكان مصدر إلهام كبير لكثير من رهبان الأقباط كنموذج للزهد الشديد والتوحّد فى العصور الحديثة.. وفى أديرة الراهبات لعبت بعض الأمهات دوراً كبيراً فى تجديد الحياة الرهبانية النسائية منذ نهاية الخمسينيات، ومنهم الأم إيرينى- دير أبو سيفين بمصر القديمة والأم يوأنا- دير مارجرجس بمصر القديمة.
حاول أبناء محمد على بعد وفاته عام 1849م تطوير وتحديث البلاد فأغرقوها فى الديون الأجنبية مما أدى إلى زيادة النفوذ البريطانى والفرنسى فى البلاد حتى قامت بريطانيا بإحتلال مصر عام 1882م، وقامت حركات إستقلالية وثورات شعبية لمناهضة الإحتلال البريطانى مثل ثورة سعد زغلول 1919م، و تم التوقيع على معاهدة 1936م لإستقلال مصر (ولكن إستمرت السيادة البريطانية على مصر) حتى ألغتها وزارة النحاس باشا عام 1950م وألغت تحالف مصر مع بريطانيا، وبدأ النضال يشتعل من جديد.. فقامت حركة الضباط الأحرار المسلّحة بالجيش المصرى فى يوليو 1952م وأطاحت بالملك فاروق وأسقطت الحكم العلوى، وأعلنت الجمهورية المصرية العربية عام 1953م، وتم جلاء الإنجليز عام 1954م.

 وبسبب الطابع الدينى الذى أخذته حركة الظباط الأحرار (بالتحالف السرى مع جماعة الإخوان المسلمين الدينية السلفية الوهابية)، فقد أصبحت سمة العصر هى الإنتماء الدينى قبل الإنتماء للوطن، وتم أسلمة المجتمع وتهميش الأقباط.. وقامت أحداث العنف الطائفى بين الحين والآخر بداية من أحداث الخانكة 1972م والتى إنطلقت بعدها أحداثاً متفرقة هنا وهناك.. وتُعدّ محافظة المنيا بصعيد مصر هي أكثر المحافظات المصرية التي شهدت أزمات عنف طائفية خلال السنوات الأخيرة وسقط فيها عدد من القتلى.. وتأزم الموقف بعد أحداث الكشح الأولى 1999 والثانية 2000 والتي سقط فيها 21 قتيلاً من الأقباط والتي كانت حلقة فارقة في مسلسل العنف الديني.. وهناك أحداث الهجوم الإرهابى المسلح على دير المحرق 1994 حيث فوجئ زوار الدير بأفراد بينهم شخص ملثم يطلق أحدهم الأعيرة النارية من مدفع رشاش فسقط من الأقباط خمسة قتلى من بينهم راهبين وأصيب آخرين.. وأيضاً أحداث الأسكندرية الشهيرة 2005 حيث تجمهر ما يزيد عن خمسة آلاف مسلم بعد صلاة الجمعة حول كنيسة مارجرجس بمحرم بك وما نتج عنه من فوضى وأعمال شغب أدت إلى مقتل قبطى وطعن راهبة وإصابة كثيرين وتخريب لممتلكات الأقباط.. كما تظاهر الأقباط فى مختلف المحافظات المصرية إثر إندلاع أزمات طائفية كبرى كانت سبباً فيها الصحافة مثل أحداث جريدة النبأ والراهب المشلوح لدير المحرق 2001، وقضية وفاء قسطنين زوجة أحد الكهنة بمحافظة البحيرة التى أشيع خبر إسلامها 2004، وتظاهر الأقباط خارج مصر فى عدة بلاد أجنبية إثر اندلاع أزمة رهبان دير أبوفانا 2008.. ونذكر أحداث الزاوية الحمراء يونية 1881 والتى راح ضحيتها أكثرمن 81 قتيل قبطى تم حرق منازلهم مع كنيستهم، وكانت أزمة الكنيسة الكبرى مع الدولة فى أحداث سبتمبر 1981 حيث عزل الرئيس أنور السادات قداسة البابا شنودة الثالث وحدد إقامته بدير الأنبا بيشوي وسجن ثمانية أساقفة وأربعة وعشرين كاهناً.. كما نشير إلى الإعتداءات المنظمه المتتاليه على الأديرة القبطية بدءاً من دير الأنبا أنطونيوس الأثرى بالبحر الأحمر 2003 ، ومروراً بدير بطمس‏ 2004 و 2008، إلي دير أبو فانا الأثرى والذى وصلت الإعتداءات عليه إلى 18 إعتداء خلال السنوات الستة الأخيرة كان آخرها فى يناير 2008 والذى أسفر عن هدم ثمانية قلالى للرهبان وإطلاق الأعيرة النارية عليهم وإصابة بعضهم وخطف ثلاثة رهبان وتعذيبهم، وهناك قضية إستيلاء رجل أعمال علي مساحة 1800 فدان من الأرض الأثرية المحيطة بدير أبو مقار منذ عام 1999م.
 وتعد مشكلة بناء الكنائس هي الأزمة الأكبر في تاريخ العنف الطائفي، وكانت هناك معوقات دائمة  لبناء وترميم الكنائس، ولم يأتى قرار الرئيس حسني مبارك عام 1988م بمنح المحافظين سلطة القرارات ببناء الكنائس وترميمها والتي كانت خاضعة لقرارات رئاسية من قبل بحلول للأزمة، حيث يطالب الأقباط بإصدار قانون موحد لبناء دور العبادة للأقباط مثل المسلمين.

المراجع:
* دراسات فى تاريخ الرهبانية والديرية المصرية – د. حكيم أمين
* طقس سيامة الرهبان وحياة كبار قادة الرهبنة- الراهب القس زخارياس الأنطونى
* تاريخ الكنيسة القبطية- القس منسى يوحنا
* الإستشهاد فى المسيحية- الأنبا يوأنس أسقف الغربية
* الكنيسة القبطية الأرثوذكسية مدخل موجز إلى حياتها وروحانيتها- كرستين شاييو، ترجمة وإصدار مؤسسة دعم الحوار بين عائلتى الكنائس الأرثوذكسية باريس
* تجسُّد الكلمة -للقديس أثناسيوس الرسولى، نقله إلى العربية القس مرقس داود
* هوامش الفتح العربى لمصر- سناء المصرى
* إضطهاد الأقباط فى مصر بعد الفتح الإسلامى- د. أحمد صبحى منصور
لقراءة الجزء الأول
لقراءة الجزء الثاني

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٥ صوت عدد التعليقات: ١٣ تعليق