CET 00:00:00 - 19/07/2009

مساحة رأي

بقلم: مجدي ملاك
ما يحدث للمسيحيين في العراق هو أمر لا يمكن السكوت عنه أو تجاهله وهذا ليس في إطار الدفاع عنهم من منطلق مسيحي ولكن من منطلق إنساني بحت، لا أحد يقبل أن يُهجّر أقدم مسيحيّ المنطقة من بلادهم نتيجة العنف الذي يستخدم ضدهم ليتم تهجيرهم إلى البلاد المختلفة ولتضيع ثقافة وميراث مسيحي ظل لقرون هو الرافد الوحيد للثقافة في تلك المنطقة والتي كان لها تأثير على مختلف الحضارات المجاورة لها، ولهذا فالصمت الرهيب الذي يسكن الدول العربية حيال ما يحدث للمسيحيين في العراق يمكن أن نطلق عليه المؤامرة المحسوبة لصالح إنهاء الوجود المسيحي من تلك الدولة، فأن تغلق مناطق بأكملها داخل العراق ويحرم المسيحيين من الصلاة في كنائسهم ومن السير في الشوارع نتيجة حملات الإرهاب والتطهير ضدهم وأن تصمت الدولة العراقية على ما يحدث لهم فهذه هي الكارثة الحقيقية!!
وفي نموذج مقارن لرد فعل الشارع العربي تجاه ما حدث لمروة الشربيني في ألمانيا بعد قتلها على يد أحد المتطرفين، والثورة التي اجتاحت الشارع العربي نتيجة سلوك فردي وبين رد الفعل العربي تجاه ما حدث للمسيحيين في العراق يدل ويشير إلى أن الشارع العربي هو شارع متطرف ومتحيز ولا يملك أي قيم  إنسانية حقيقية، وأن قضية الدين أصبحت تسكره وبحيث أصبح الدم المسلم نظرية عنصرية تتبناها الدول العربية حتى وإن قتل العالم كله، فمروة الشربيني بالطبع نحن نتعاطف معها ولا نقبل أن يقتل أي شخص مهما كانت ديانته نتيجة نظرة عنصرية ولكن الفارق أن ألمانيا ظهر فيها متطرف واحد أما الدول العربية فتمتلئ بالمتطرفين الذين يقتلون ويحلون كل يوم دم الآخرين.

الفارق أن ألمانيا دولة قانون لا يمكن أن تتساهل مع هؤلاء وأن حق مروة الشربيني يحميه القانون الحقيقي داخل ألمانيا وبصرف النظر عن المظاهرات العشوائية التي تصدرت الشوارع العربية، في حين أن مسيحي العراق لن تستطيع الدولة العراقية أن تحميهم لأنها دولة توازنات وليست دولة قانون، الفارق أن الشعوب الأوربية لم تكسر السفارات العربية ولم تهدد شعوبها بالانتقام ولم تصفهم بالكفرة بعد مقتل المئات من المسيحيين في داخل العراق وداخل مصر، الفارق أن الشعوب العربية تتحدث وتناقش وترغب في الوصول لحلول لمشاكل المسيحيين في العراق فين حين لا تتحدث أي دولة عربية عن ما يحدث لمسيحي العراق من قتل وتشريد وتهجير قصري يعمل في النهاية على إنهاء الوجود المسيحي في العراق.

الغريب في الأمر أن الكثير داخل الدول العربية طالبوا المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" بالاعتذار ولا أعرف لماذا كان هذا الطلب بالاعتذار خاصة أن من قتل مروة الشربيني لم يكن ينتمي لحكومة ميركل حتى تكون ميركل مدانة؟!!، وعلى الرغم من ذلك أرسلت ميركل برقية تعزية وقام السفير الألماني في القاهرة بتعزية رسمية للسلطات المصرية ولكن إذا كان الوضع هكذا فلماذا لم يعتذر الرئيس مبارك عن كل الضحايا من الأقباط في السنوات السابقة خاصة أن من قتل هم مواطنين مصريين، قتلوا بسب التطرف والتعصب الأعمى!!، ولماذا لم يعتذر رئيس العراق أو رئيس الوزراء عن ما يحدث للمسيحيين في العراق وكأن دم المسيحيين في كل مكان هو دم محلل وبالتالي لا يستحق من الدول العربية أن تدين عمليات القتل التي تتم ضدهم!!
الخلاصة من هذه المواقف أن الدول العربية تحكمها نظريات عنصرية في الدفاع عن حقوق الإنسان وهذه النظريات للآسف تدل أن هناك تعمد وتجاهل لكل ما يحدث للمسيحيين في الشرق الأوسط وهو ما ينم عن خطر حقيقي يهدد تلك الأقليات وهو الأمر الذي رصدته أكثر من منظمة دولية حذرت من انتهاء الوجود المسيحي في الشرق الأوسط وهو أمر يحسب ليس فقط على الأنظمة العربية ولكن على منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان في تلك الدول التي تتلقى ملايين الدولارات من المنظمات الدولية في سبيل الدفاع عن ما يسمى حقوق الإنسان،، ولكن في الحقيقة فأن نظرية الدفاع عن حقوق الإنسان داخل الدول العربية هي نظرية عنصرية يتم فيها الدفاع فقط عن الذين ينتمون لنفس دين الأغلبية.

فالإعلام العربي الذي صرخ من مقتل شخصية واحدة داخل ألمانيا لم يصرخ صرخة واحدة لمقتل آلاف من المسيحيين في داخل تلك الدول نفسها، ولم تخرج المظاهرات من أجل دم هؤلاء، ولم تتم المطالبة بعمل كنيسة واحدة بأسم الشهداء الذين يملئون العراق ومصر، ولم يكتب شارع واحد بأسم واحد من هؤلاء الشهداء بل عل العكس تجرى داخل تلك الدول محاولات كثيرة لطمس الهوية المسيحية كان أخرها محاولات تغيير اسم قرية دير أبو حنس إلى قرية وادي النعناع وهو ما يدل على عنصرية الإعلام في تناوله أيضًا لقضايا مقتل المسيحيين في العالم العربي.
عنصرية الدول العربية هي عنصرية بغيضة وواضحة ولا يمكن السكوت عليها بل يجب مواجهتها وإظهارها في تلك المواقف التي تعبر عن ازدواجية الخطاب العربي حتى في الأمور التي لا تستقيم فيها تلك الازدواجية، كما تعبر عن ظاهرية ما يسمى بالدفاع عن حقوق الإنسان في تلك الدول وأن حقيقة الأمور تعبر عن قبول مستتر لكل ما يحدث للأقليات داخل الدول العربية لتظهر العنصرية العربية بوضوح ولتعلن شهادة وفاة حقوق الإنسان داخل تلك الدول
  
 
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٢ صوت عدد التعليقات: ٤ تعليق